سيناريوهات ما بعد الهُدنة.. خيارات العدوان “ضيقة”
|| صحافة ||
مضى شهرٌ ونصف شهر من عُمر “الهُدنة” التي أعلنتها الأمم المتحدة في الأول من إبريل من الشهر الماضي دون أن تحقّق الغرض المطلوب منها نتيجة التلكؤ من قبل قوى العدوان الأمريكي السعوديّ في الالتزام بها.
وتظل النقطة الأبرز في الاتّفاق وهي فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية محلك سر، فحتى الآن وحتى كتابة هذا التقرير لم تنطلق أية رحلة، نتيجة إصرار العدوّ على المماطلة، ووضع العراقيل أمام هذا المطلب، ومنها ضرورة أن تكون جوازات السفر الخَاصَّة بالمسافرين صادرة من مناطق المرتزِقة وليس من صنعاء.
وعلى الرغم من كُـلّ هذه التعقيدات، إلا أن طائرات الأمم المتحدة كانت استثناء، فهي تهبط وتقلع من مطار صنعاء دون اعتراض.
مسألة أُخرى ظلت عالقة أمام هذا الاتّفاق، وتتمثل في عدم القدرة على تنفيذ اتّفاق ملف تبادل الأسرى، إضافة إلى استمرار الحصار على المشتقات النفطية، ومنع وصولها إلى ميناء الحديدة غربي البلاد، في تجاوز صريح لبنود الهُدنة.
وأمام هذا التهرب من قبل دول العدوان يظل السؤال قائماً.. ما هي السيناريوهات المتوقعة بعد انقضاء ما بقي من عمر الهُدنة؟ وكيف ستكون طبيعة الرد اليمني على المغالطات السعوديّة والأممية في الملف الإنساني؟ وعلى ماذا تحوي قائمة الأهداف العسكرية والاقتصادية للقوة الصاروخية اليمنية وسلاح الجو المسيَّر؟
خياراتٌ بديلةٌ كثيرة
يؤكّـد الخبراءُ العسكريون أن “الهُدنة” في اليمن تعد أُسلُـوباً من أساليب وقوانين المعركة العسكرية التي يستغلُّها العدوّ المنهار، ولا يمكن ربطها بالملف العسكري، ولا يحق لقوى العدوان المساومة بها؛ لأَنَّها حقوق مشروعة للشعب اليمني.
ويتفق الخبيران العسكريان اللواء عبدالله الجفري والعقيد مجيب شمسان، في تصريحات خَاصَّة لصحيفة “المسيرة” على أن سيناريوهات ما بعد الهُدنة في اليمن هي تنفيذ المزيد من الضربات على الأماكن والأهداف الحساسة في عمق العدوّ التي هي في مرمى الصواريخ البالستية اليمنية الصنع وسلاح الجو المسيَّر، وأن لدى القيادة العسكرية والسياسية في صنعاء بنك معلومات وأهداف حساسة وجديدة والكثير من الخيارات المتاحة لمواصلة معركة التحرّر، ومواجهة العدوان والحصار على شعبنا اليمني، مشيرين إلى أن العدوّ لا يعرفُ غيرَ لغة القوة التي يمتلك شعبنا كُـلّ مقوماتها.
ويقول الخبير العسكري اللواء عبدالله الجفري: إن السيناريوهات المتوقعة بعد انقضاء الهُدنة الإنسانية بين تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على اليمن وحكومة صنعاء، لا يمكن ربطها بالملف العسكري، ولا يحق لقوى العدوان المساومة بها؛ لأَنَّها حقوق مشروعة للشعب اليمني.
ويؤكّـد الخبير الاستراتيجي الجفري في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة” أن سلطة صنعاء تدرك واجباتها الإنسانية تجاه أبناء شعبنا اليمني المحاصر، وكيف تخفف من معاناتهم من منطلق القوة لا الضعف، ولذا كانت حريصة على إنجاح هذه الهُدنة وتريد إقامة الحجّـة على قوى العدوان أمام الوساطة الإقليمية ممثلة بالوفد العماني، وكذا أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة، والرأي العام العالمي، ولكن طرف العدوان هو من عرقل تنفيذَ الهُدنة وإجراءاتها الإنسانية”.
ويضيف: “ونحن على مقربة من انتهاء مدة الهُدنة لا نزال ننتظر الوفاء بها من طرف العدوان، ولدينا الكثير من الخيارات البديلة، مستشهداً بعمليات كسر الحصار وما ألحقته من ألم بطرف العدوان وأدواته”.
ويشير اللواءُ الجفري إلى أن لدى القيادة السياسية والثورية في صنعاء حنكةً عالية، وهي تولي مِلَفَّ الهُدنة جُلَّ اهتمامها، ولديها خبرة واسعة وطويلة في التعاطي مع أكاذيب وألاعيب قوى العدوان، كما تقدر في الوقت ذاته جهود كُـلّ الشرفاء من الذين بذلوا ويبذلون جهوداً كبيرة في تقريب وجهات النظر والوصول إلى بعض الحلول ذات الصلة بالملف الإنساني، مبينًا أنه وبعد انتهاء الهُدنة سيشهد العدوان وأدواته ضربات موجعة ومتصاعدة وبعمليات أشد وأقسى من العمليات السابقة للهُدنة، غير مستبعد وجود عمليات واسعة وأهداف أكثر حساسية في عمق دول تحالف العدوان الذي باتت أراضيه ومنشآته وبنك الأهداف المرصودة تحت مرمى ورحمة القوة الصاروخية اليمنية وسلاح الجو المسيَّر المتناميتين في تفوق الدقة والقوة التدميرية”.
ويقول: “نحن اليوم وبفضل الله نمتلك من القوة والقدرة والإرادَة ما يمكننا به وقف العدوان والحصار، ولكن هناك من الأولويات والترتيبات والخطط لدى القيادة السياسية والعسكرية ما يربطها ببعض الحسابات والمقتضيات ذات البُعد الإنساني بالدرجة الأولى”.
وعن أسباب تعنت قوى العدوان الأمريكي السعوديّ عن تنفيذ الإجراءات الإنسانية المصاحبة للهُدنة إلى اليوم هو أن السعوديّة لا تمتلك القرار في هذا العدوان على شعبنا اليمني الذي جاء بقرار أمريكي صهيوني من داخل البيت الأبيض، ولذلك أصبحت مملكة العدوان مُجَـرّد أدَاة منفذة لما يتم إملاؤه عليها من الطرف الأمريكي الذي يسعى لاستمرارية العدوان والحصار على الشعب اليمني؛ مِن أجلِ استنزاف وتدمير كُـلّ المقدرات في المنطقة والاستفادة من بيع صفقات الأسلحة لأدواتها الخليجية، والتي تعتبر رافداً اقتصاديًّا يعتمد عليه الاقتصاد الأمريكي وعائداته، مؤكّـداً بأن الإدارة الأمريكية هي المسؤولة عن إشعال الحروب بالدرجة الأولى في العالم، وهي من توجد الإرهاب والفوضى الخلاقة، كي تظل الأمور بالشكل الذي يساعد في تنفيذ مؤامراتها وهيمنتها في هذا العالم”.
ويجدِّدُ اللواءُ الجفري تأكيدَه على أن السعوديّة ليست هي العدوّ الحقيقي في هذا العدوان على شعبنا اليمني، بل إن العدوّ الحقيقي لشعبنا اليمني وللأُمَّـة العربية والإسلامية هي الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني وبريطانيا الذين يدفعون بالمرتزِقة المحليين والإقليميين تحت التحالف العبري لشن الحرب على اليمن، وهذا بحسب تصريحات إعلامية أمريكية في وسائلها الإعلامية”.
أما في الشق الاقتصادي فيقول الجفري: “قبل العدوان على شعبنا اليمني كانت المديونية الأمريكية تفوق 34 مليار دولار وتقلصت بعد العدوان إلى 22 مليار دولار وهذه من الأسباب الرئيسية لاستمرار العدوان على الشعب اليمني، التي تحقّق من خلالها أمريكا مكاسب اقتصادية وأطماع استعمارية أَيْـضاً؛ بهَدفِ الاستحواذ على المقدرات الاقتصادية اليمنية ونهب ثرواته، والسيطرة على الممرات والمنافذ البحرية بما فيه مضيق باب المندب، وهذا يؤكّـد أن الحسابات الأمريكية من العدوان على اليمن وسفك دماء أبنائه حسابات اقتصادية ولا وجود فيها لأية جوانبَ إنسانية أَو أخلاقية، بل تسعى للمتاجرة بالحروب في المنطقة ولن تتوقف أمريكا في العدوان على اليمن ولا بد من التصعيد للرد على العدوان باتّجاه المملكة السعوديّة التي تعتبر الواجهة الرئيسة لأمريكا في المنطقة، ولكي تدرك السعوديّة أنه لا مخرج لها إلا بالخروج من العباءة الأمريكية والصهيونية”.
وعن قابلية صنعاء لتمديد الهُدنة من عدمها يقول الخبير والمحلل العسكري الاستراتيجي الجفري: هناك أكثر من هُدنة منذ بدأ العدوان على شعبنا اليمني حتى الآن ولم توفِ السعوديّة وأدواتها بتنفيذ ما يتم الاتّفاق عليه، وخبرناهم وعرفناهم بأنهم ناكثين للعهود والاتّفاقيات كما وصفهم الله تعالى، مُشيراً إلى أن من يحرك هذه الحروب على الشعب اليمني هو اللوبي الصهيوني المتواجد في قلب الإدارة الأمريكية.
ويتابع “التزمت صنعاء بهذه الهُدنة وتنفيذ بنودها وهي مُستمرّة في الانتظار لطرف العدوان للوفاء بما تم الاتّفاق عليه، ولكن حال انقضاء فترة الهُدنة، ولم يكن هناك أي تحقيق للملف الإنساني لإطلاق الأسرى ونقل الجرحى وإدخَال المشتقات النفطية لن يكون هناك معنى لتمديد هذه الهُدنة؛ لأَنَّ الفترة المحدّدة كانت كافية لإثبات حسن النوايا، مؤكّـداً أن القيادة في صنعاء تدرك جيِّدًا أن فترة هُدنة بهذا المستوى من الفشل لن تمدد ولن تكون مضيعة للوقت”.
ويبين الجفري أن الهُدنة أُسلُـوب من أساليب وقوانين المعركة العسكرية التي يستغلها العدوّ المنهار وتسمى بـ “استراحة محارب”، وجاءت بعد ضربات مكثّـفة ومؤلمة تلقاها طرف العدوان، وأرعبت السعوديّة ورفعت مستوى العويل والصراخ بحجّـة استهداف مصادر الطاقة العالمية، وهذا فشل ذريع دفعهم للاستنجاد بالمجتمع الدولي لتكون الهُدنة أول ثمار ذلك الصراخ”.
ويلفت الجفري إلى أن الرهان السعوديّ على الحماية الأمريكية لن يطول ولن يفيدها على المدى الطويل ولن يحقّق لها أية مكاسب عسكرية أَو أمنية أَو اقتصادية وغيرها، بل على العكس من ذلك، حين يكون الخيار اليمن بعد الهُدنة هو تنفيذ المزيد من الضربات على الأماكن والأهداف الحساسة وبالأسلحة الدقيقة والمناسبة التي تفشل كُـلّ المنظومات الأمريكية وغيرها في التصدي لها”.
ويكشف الجفري عن وجود بنك معلومات وأهداف حساسة وجديدة تتعامل القوة العسكرية معها وتسعى لاستغلالها حسب الأولويات التي تدرك القيادة الوقت المناسب لتنفيذها، مشدّدًا على أن العدوّ لا يعرف غير لغة القوة التي يمتلك شعبنا اليمني كُـلّ مقوماتها بفضل الله وحرص القيادة الربانية”.
الرَّدُّ اليمني سيكون أوسع
من جانبه، يرى الخبير العسكري العقيد مجيب شمسان، أن تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ وَمن خلال المؤشرات والخروقات المُستمرّة في العديد من الجبهات يؤكّـد أن قرار الحرب لا يزال واضحًا وليس بيد السعوديّة والإمارات، وإنما هو بيد أمريكا وهذا بدا واضحًا من خلال عمليات التصعيد المُستمرّ في الخروقات.
ويشير شمسان في حديثه لصحيفة “المسيرة” إلى أن لذلك علاقة بجانب الكيان الصهيوني الذي يرى في استمرار العدوان على اليمن مصلحة وبات يصر على استمرارها، وعدم توقفها خدمة لأجندته في المنطقة وهذا يعطي دلالة بارزة عن حجم الرعب والقلق الصهيوني من تنامي القدرات العسكرية اليمنية، وبالتالي يدفع كيان الاحتلال الصهيوني أدواته إلى التصعيد.
ويلفت شمسان إلى أن من أسباب عرقلة الإجراءات الإنسانية لها علاقة مباشرة بقرار العدوّ الصهيوني الذي له دور بارز في استمرار العدوان والحصار على الشعب اليمني، منوِّهًا إلى أن إغلاق مطار صنعاء الدولي وعدم الوفاء بالرحلات الجوية المعلنة وكذا استمرار عرقلة دخول المشتقات النفطية واحتجاز السفن وعدم إنجاح ملِف الأسرى ما هو إلا مؤشِّرٌ آخرُ يؤكّـد أنه لا نيةَ لدى تحالف العدوان لوقف الحرب والحصار على اليمن، كما هي الخروقات المُستمرّة والتصعيد في بعض الجبهات التي تؤكّـد هذا المسار، وأن العدوان يجمع أوراقه للتصعيد بها في المرحلة القادمة”.
ويقول شمسان: “أمام وضع كهذا يؤكّـد أن الرد اليمني على تحالف العدوان سيكون أوسع وأشمل وأكبر ومن خلال المؤشرات التي سبقت الهُدنة كعمليات كسر الحصار وعمليات توازن الردع”، مبينًا أن الهُدنة المعلنة كانت بمثابة محاولة لإنزال تحالف العدوان من على شجرة الحرب والحصار وفتح مسار للمفاوضات والحلول السياسية إلا أن العدوّ رفض ذلك وظل يواصل طريق الحرب والتعنت، مؤكّـداً أن لدى صنعاء الكثيرَ من المفاجآت للرد على ذلك التعنت.
ويدعو شمسان طرف العدوان لمراجعة موقفه من الهُدنة قبل انقضائها وكذا استمرار العدوان والحصار على اليمن.
وعن التصريحات الأمريكية حول الهُدنة وضرورة الحفاظ على مكاسبها يقول شمسان: “هذا نوع من التضليل ليظهر الأمريكي نفسه، وكأنه وسيط وليس له أي دور في شن العدوان وتشديد الحصار على شعبنا اليمني، وهذه التصريحات لن تمر على وعي شعبنا اليمني، وكلّ أحرار العالم، كما هي محاولة للتنصل من جرائم الحرب المرتكبة بحق شعبنا اليمني أمام مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والحقوقية”.
ويؤكّـد شمسان أن الموقف الرسمي من العدوان والحصار وعدم الوفاء بالإجراءات الإنسانية التي حملته الهُدنة موقف أمريكي رئيس وبارز في العدوان على شعبنا اليمني، وأن الأمريكي هو الذي يستطيع اتِّخاذ القرار بوقف الحرب من عدمه ورفع الحصار والوفاء بالهُدنة، إذَا ما كان ذلك يخدم أجندتها في المنطقة وأجندة كيان الاحتلال الصهيوني بغض النظر عن مصالح أدواتها ومرتزِقتها الخليجيين واليمنيين”.
ويشير شمسان إلى أن الأمريكي مُستمرّ في اللعب على هذا المستوى الذي يعكس أدواته الخليجيين ومرتزِقته اليمنيين دون النظر إلى مصالحهم، كما أن الهُدنة حقّقت للعدوان بعض المكاسب الماثلة في إعادة رص الصفوف وتجميع وتوحيد المرتزِقة وتسليحهم من جديد، أما على المستوى اليمني، فيشير العقيد شمسان إلى أن الهُدنة لن تقدم للشعب اليمني أية مكاسب إنسانية أَو اقتصادية أَو سياسية وعسكرية، بل زادت من معاناة الشعب اليمني ولم تخفف منها”.
وفي حال تحَرّك الأمم المتحدة ومجلس الأمن قبل انقضاء الهُدنة بفترة وجيزة لإعادة جمع صنعاء بأطراف العدوان على طاولة المفاوضات لمحاولة الابتزاز السياسي يقول الخبير العسكري شمسان: “سيقدمون على مثل هذه الخطوة والوعود بالوفاء بما تضمنته الهُدنة المنتهية حينها وهذا نوع من المماطلة والتهرب المعهود في سياستهم وهو أُسلُـوب من أساليب عدوانهم وحصارهم على شعبنا اليمني”.
أما عن إمْكَانية قبول صنعاء بتمديد مثل هذه الهُدنة من عدمه، فيؤكّـد شمسان أن الشعب اليمني قبل بهذه الهُدنة في بدايتها لمحاولة التخفيف من معاناته، ولكن عندما لم تقدم له الهُدنة أية فرصة للتخفيف من معاناته فلا يمكن له القبول باستمرارها، أَو البناء عليها دون وجود لأي أَسَاس صحيح يمكن البناء عليه، بل ومن حق صنعاء اليوم أن ترد على تحالف العدوان، وأن كُـلّ المعطيات تقول إنه لا نيةَ صادقة لدى العدوان لا في إعلانه للهُدنة ولا في التزامه بالوفاء بإجراءاتها الإنسانية المصاحبة، مبينًا أن الموقف الحالي لصنعاء هو رفضُ أيِّ تعاطٍ مع تحالف العدوان ومبعوثي الأمم المتحدة الذين ليست لديهم أية نية صادقة للتعامل بجدية مع المِلف اليمني”.
صحيفة المسيرة