“الهُدنة” كاختبار لنوايا السلام: برهان جديد على صوابية موقف صنعاء
|| صحافة ||
كاختبارٍ حاسِمٍ لقياسِ جِدية التوجّـهِ نحو السلام، بات اتّفاقُ الهُدنة شاهدًا حيًّا على أن تحالف العدوان هو الطرفُ المُصِرُّ على استمرار “الصراع”، فبالرغم من أن بنود الهُدنة كانت أدنى بكثير من سقف متطلبات الحل الفعلي، إلا أنها مثّلت بوابةً وحيدة لإظهار استعداد دول العدوان للتفاوض الجاد على الأقل، لكن رفضها الفج والمُستمرّ لتنفيذ التزاماتها، التي هي أصلاً حقوقٌ إنسانية مشروعة للشعب اليمني، واستغلال التهدئة لهندسة مؤامرات جديدة، كان رسالة واضحة بأن إنهاء الحرب والحصار ليس وارداً في الحسابات السعوديّة والأمريكية على الإطلاق، كما مثّل موقفُ الأمم المتحدة إزاء هذا التعنت، رسالة أُخرى بأنها ليست مؤهلةً ولا مؤتمنة لرعاية أي حَـلٍّ حقيقي، وبالتالي فَـإنَّ الأضواء تُسلط مجدّدًا على خيارات صنعاء الرادعة التي بات واضحًا أنها كانت هي السبب الرئيسي في لجوء العدوان إلى “الهُدنة” ويمكن لها أن تدفعَه إلى أبعد من ذلك. في ظل استمرار تعنت العدوان مع اقتراب نهاية فترة الاتّفاق، جددت صنعاء توضيحَ موقفها، إذ أكّـدت على لسان عضو وفدها الوطني المفاوض، عبد الملك العجري، أن “الموافقة على الهُدنة كانت؛ مِن أجلِ قطع الطريق أمام ذرائع العدوان التي كانت تزعُمُ أن صنعاء ترفُضُ دعوات السلام” وأن “الاتّفاق مثّل اختباراً لنوايا دول العدوان”.
اختبارٌ يؤكّـد العجري في حديث للمسيرة أن تحالف العدوان سقط فيه؛ لأَنَّ دعواته للسلام “انكشف زيفها” بوضوح من خلال رفض تنفيذ الالتزامات التي نص عليها الاتّفاق والتي يندرج معظمها ضمن الحقوق الإنسانية المشروعة للشعب اليمني والتي لا يجوز تسييسها، وبالتالي فقد ترجم ذلك الرفض إصراراً وقحاً من جانب دول العدوان على استخدام تلك الحقوق المشروعة كأوراق تفاوض وابتزاز.
على رأس هذه الحقوق المشروعة، حق السفر من وإلى مطار صنعاء الدولي المغلق أمام المرضى والطلاب والذي أكّـد العجري أن “تحالف العدوان اختلق منذ البداية أعذاراً مختلفةً لعرقلة فتحه”، وآخر تلك الأعذار كان رفض الجوازات الصادرة عن المناطق الحرة، لتكون النتيجة هي انقضاء معظم فترة الهُدنة بدون تسيير أية رحلة جوية، الأمر يضاف إلى استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية، والخروقات الميدانية، كدلائل قاطعة على أن “دول العدوان ترغب في إعاقة أية مصلحة لليمنيين” حسب تعبير العجري الذي أكّـد أَيْـضاً على فشل محاولة دول العدوان للتغطية على هذه الحقيقة من خلال “وضع المرتزِقة للواجهة” والدفع بهم إلى افتعال الاشتراطات والعراقيل والتصرف كطرف في الاتّفاق فيما الجميع يعلم أنهم “لا يملكون أي قرار في الحصار”.
ويؤكّـد العجري أنه “حتى المجتمعُ الدولي يعلمُ أن المرتزِقة لا يمكون ذرة شرعية ولا قرار، ولا يرى في مجلس الرئاسة السعوديّ والمرتزِقة عُمُـومًا سوى شرعية شكلية يعترف بها بقدر حاجته لها؛ مِن أجلِ إبقاء اليمن قيد الوصاية الدولية”.
وبالرغم من أن سلوك تحالف العدوان حتى الآن يؤكّـد بوضوح انعدام رغبته في السلام، أكّـد العجري أن “صنعاء تمارس ضبط النفس لتكون الحُجّـَةُ واضحةً أمام الجميع”، وهو أمرٌ لا يحترمُه تحالف العدوان أَيْـضاً، الأمر الذي يجعل “إنقاذ” الهُدنة صعباً، إلا إذَا تحملت الأمم المتحدة -كراعية للاتّفاق- مسؤولياتها وبدأت بتعويض الرحلات الجوية السابقة كخطوة أولى.
لكن احتمالَات حدوث ذلك ضئيلة للغاية وتتناقص يوماً بعد يوم بالنظر إلى أداء الأمم المتحدة الذي وصفه العجري بأنه “مخيب للآمال”، مؤكّـداً أن عجزها عن رعاية الهُدنة تجاوز حتى التوقعات المتواضعة، وأنها أثبتت بوضوح أنها “طرف غير قادر على رعاية أي اتّفاق سياسي”.
هكذا أصبح جليًّا أن الهُدنة في حسابات تحالف العدوان ورُعاته لم تكن سوى ترتيب معين من ترتيبات الحرب، ويلخص العجري هذا الموقف بأن “دول العدوان أرادت وقف الأعمال العسكرية حتى لا تتعرض للقصف، فيما تتوجّـه لإبقاء اليمن تحت واقع الأزمة لتفجير الأوضاع من الداخل”.
وبهذه المعطيات فَـإنَّ الهُدنة -كاختبار لإمْكَانية التوجّـه نحو سلام حقيقي برعاية أممية- أصبحت دليلًا واضحًا على “صوابية موقف صنعاء تجاه رفع الحصار”، كما يؤكّـد العجري، وهو ما يعني بوضوح أن تحالف العدوان سيعود للاصطدام مرة أُخرى بمعادلة الحرب والسلام الرئيسية التي حاول الالتفاف عليها، والتي كانت عمليات “كسر الحصار” التي سبقت إعلان الهُدنة من مفاعيلها.
وحول هذه المعادلة، يؤكّـد عضو المكتب السياسي لأنصار الله، علي القحوم، أن المخرَجَ الوحيدَ لدول العدوان هو التعاطي مع متطلبات السلام الحقيقي “الذي يتمثل في إعطاء الأولوية للمِلف الإنساني ووقف العدوان وفك الحصار وإنهاء الاحتلال وإعادة الإعمار وجبر الضرر وإطلاق الأسرى وتمكين اليمنيين في أجواء هادئة من حَـلِّ مشاكلهم بدون وَصاية وهيمنة خارجية مع احترام سيادة ووحدة واستقلال اليمن”.
ويشير القحوم إلى أن سلوكَ تحالف العدوان حتى الآن، بما في ذلك محاولة استغلال الهُدنة لكسبِ الوقت وترتيب الأوراق، لا يزال بعيدًا عن هذه المتطلبات، إذ “لا زالت دول العدوان مستمرة في عدوانها وحصارها وتدمير واستعمار اليمن كُـلّ اليمن وما دعواتها الزائفة حول السلام إلا كلام لا واقعَ له واستهلاك سياسي وإعلامي حتى في الجوانب الإنسانية وتعنُّتها في تنفيذ ذلك بالتزامن مع إعادة بناء أدواتها وترتيب أوراقها عسى ولعل أن تنفذ مشاريعها الاستعمارية”.
ووفقاً لذلك، فَـإنَّ تحالف العدوان يعيد نفسه بنفسه إلى منطقة “الخطر”؛ لأَنَّ المراوغة قد أثبتت فشلها سابقًا أكثر من مرة على الطاولة، كما أثبت الرهان على المرتزِقة طيلة الأعوام السابقة أنه رهان خاسر تماماً.
ويضيف القحوم في هذا السياق: “نقول لدول العدوان الاستعمارية: عليكم أن تعتبروا من 7 سنوات من الصمود اليمني الذي أثبت أن اليمن الكبرى في الحاضرِ والماضي مقبرةٌ الغزاة والمحتلّين، ولكم العبرة أَيْـضاً من التاريخ ونضال اليمنيين في مواجهة من سبقوكم في محاولات غزو واحتلال اليمن وكيف كان دورهم في مواجهة الاحتلال وطرده من اليمن”.
بالمحصلة، تشير كُـلّ المعطيات والدلائل إلى أن السيناريو الأبرزَ لما بعد الهُدنة هو ذلك الذي يدركُ فيه تحالُفُ العدوان -مرة أُخرى- أنه أخطأ التقدير، أمَّا إنقاذُ “الاتّفاق” فضلاً عن التوجّـه نحو خطوةٍ أُخرى من خطوات “التهدئة” أَو “السلام” فهو سيناريو تتضاءل احتمالاتُ حدوثه بشكل كبير مع مرور الوقت ولا تدعمُه أيةُ مؤشرات على الواقع.
صحيفة المسيرة