مع اقتراب الهُدنة من “النهاية”.. العدوان يثبت إدمانَه على المراوغة والأمم المتحدة ترسّخ عجزها و “تصفيقها” للمماطلين
|| صحافة ||
كعادتِه في كُـلِّ الاتّفاقات والمواثيق السابقة التي وَقَّعَها خلال ثماني سنوات، لم ينفّذ تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ بما يلتزم به، وبعيدًا على الماضي تخبرنا الهُدنة الإنسانية والعسكرية التي رعتها الأمم المتحدة في قبيل شهر رمضان المبارك لمدة ستين يوماً والتي تنص على وقف جميع العمليات العسكرية البرية والبحرية والجوية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض، كما نصت المبادرة على دخول ثماني عشرةَ سفينة من شأن دخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، تشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعياً من وإلى مطار صنعاء، إلا أنه بعد مرور ثلاثة أرباع المدة يستمرُّ التحالف بقيادة أمريكا في تنصله من التنفيذ، وهو الأمر الذي ينذر بعودة التصعيد من قبل تحالف العدوان وأدواته.
ومنذ الأيّام الأولى للهُدنة ارتكب تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ آلافَ الخروقات العسكرية في مختلف الجبهات الداخلية والجبهات الخارجية وَتنوعت بين غارات للطيران الحربي والتجسسي وتحليق للطيران الاستطلاعي المسلح والتجسسي واستحداث تحصينات قتالية وقصف بالمدفعية والقذائف على منازل المواطنين ومواقع الجيش واللجان الشعبيّة، كما شملت الخروقات العسكرية إطلاقَ النار المباشر على منازل المواطنين في خطوط التماس.
تصعيدُ العدوان لخروقاته في الأسابيع الأخيرة دفع المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، العميد يحيى سريع، إلى توجيه تحذير ناري للعدوان من مغبة الاستمرار في خروقاته، وذلك خلال زيارة تفقدية لأحوال المقاتلين في عدد من المواقع القتالية الأمامية بمأرب.
العميد سريع وجّه رسالةً للسعوديّة من الخطوط الأمامية لمأرب قائلاً: “على السعوديّة أن تفهم أنّنا لن نفرّط بكرامتنا ولا باستقلالنا، وإنْ أرادوا إفشالَ هذه الهُدنة، فعلى السعوديّة ودول العدوان، أن يتحملوا مسؤولية ذلك؛ لأَنَّنا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام استمرار خرقها”.
العدوان الأمريكي السعوديّ تمادى في خروقاته وشن غارة جوية على مديرية حرض بمحافظة حجّـة، وكادت هذه العنجهية والغطرسة بأن تعيدَ الأمور إلى مربع الصفر وأن يكون الحوار مع الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة.
ووصف رئيس الوفد الوطني، محمد عبدالسلام، هذا التصعيد العدواني بأنه يقوِّضُ الهُدنة الإنسانية والعسكرية التي ترعاها الأمم المتحدة وقال في تغريدة له على تويتر في الرابع من مايو الجاري: “بعد خرق الهُدنة بطائرة تجسسية شن طيران العدوان غارةً جويةً على مديرية حرض بمحافظة حجّـة، ومن شأن هذا التمادي في الأعمال العدوانية تقويض الهُدنة الإنسانية والعسكرية المهدّدة أَسَاساً بعدم تنفيذ بنودها فيما يخص إعادة فتح مطار صنعاء وتسهيل وصول السفن القادمة نحو ميناء الحديدة”.
عرقلةُ وصول السفن إلى ميناء الحديدة
لم تقتصر خروقاتُ العدوان على الجانب العسكري، فرغم النصوص الصريحة في بنود الهُدنة الإنسانية والعسكرية التي رعتها الأمم المتحدة استمر تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ خلال شهر ونصف شهر في التنصل عن التزامه بتسهيل وصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، معتمداً في إفراجه عن السفن على سياسة التقطير؛ بهَدفِ تضييق الخناق على الشعب اليمني وتحميله غرامات الاحتجاز في البحر.
المتحدث الرسمي باسم شركة النفط، عصام المتوكل، أكّـد منذ الأسبوع الأول على أن هدفَ العدوان من عرقلة وصول السفن النفطية إلى ميناء الحديدة وخَاصَّة سفن الديزل؛ كونها مرتبطةً بالكهرباء والنقل الثقيل وغيرها من الضروريات التي تمس حاجات الناس، وهو بذلك يزيد من معاناة الناس ويرفع من غرامات التأخير الناتجة عن القرصنة وهذه المعاناة تمثل غاية لتحالف الاقزام.
في الثاني عشر من الشهر الجاري، أي قبل أسبوع تقريبًا، أوضح ناطقُ شركة النفط في تغريدة له على تويتر أن تحالف العدوان بقيادة أمريكا يواصل القرصنةَ على سفن المشتقات النفطية ويحتجز السفينة كورنيت والمحملة بكمية عشرين ألف طن بنزين وتسعة ألف طن ديزل بالرغم من تفتيشها وحصول على إذن تصاريح دخول أممية.
مطار صنعاء.. أول رحلة في الربع الأخير!
واصل تحالُفُ العدوان الأمريكي السعوديّ خلالَ شهر ونصف شهر رفضَه تنفيذَ البند الثالثة من بنود المبادرة الخاص تشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعياً إلى صنعاء، خلال شهري الهُدنة، إلى العاصمة الأردنية عمّان والعاصمة المصرية القاهرة.
وبعد جهود حثيثة من الوفد الوطني في متابعة الطرف الآخر في تنفيذ التزاماته وعدم اختلاق شروط تعجيزية جديدة للحيلة دون تنفيذ ما تم الاتّفاق عليه، تحلحل هذا الملف قليلًا.
وفي تغريدةٍ له مؤخّراً اوضح رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، أن بنود الهُدنة واضحة تنُصُّ على وقف العمليات العسكرية وفتح ميناء الحديدة لعدد معين من السفن النفطية وفتح مطار صنعاء بواقع رحلتين في الأسبوع وإلى وجهتين عمّان والقاهرة، مؤكّـداً أن من يختلق شروط أُخرى هو من يعرقل تنفيذ الهُدنة، في إشارة إلى المساعي الخفية الظاهرة لقوى العدوان وأدواتها من وراء تجميد الهُدنة، وهو الحصول على هدوء نسبي من قبل القوات المسلحة اليمنية، في حين تأتي المماطلة في تنفيذ التزامات الطرف الآخر من باب تمديد الهُدنة على أنقاض التوقيع السابق لها.
وفقاً لما نصت عليه المبادرة الإنسانية والعسكرية فَـإنَّه يفترض بأن مطار صنعاء قد نفّذ 12 رحلة تجارية فيما تتبقى أربع رحلات خلال الأسبوعين المتبقيين للهُدنة إلَّا أن تحالف العدوان تعمد وضعَ الأشواك أمام طريق التنفيذ رغم التزام الجانب الوطني بما عليه، وهو ما يؤكّـد جليًّا حرصَ العدوان على أخذ التزامات عسكرية من صنعاء مع محاولة التنصل بالقدر الممكن عن تنفيذ التزاماته التي في معظمها إنسانية وتمس معاناة المواطن اليمني.
في صباح الاثنين، الموافق 16 مايو، زفت إدارة مطار صنعاء البُشرى لجماهير الشعب اليمني معلنةً عن إقلاع أول رحلة تجارية من مطار صنعاء الدولي باتّجاه العاصمة الأردنية عمّان تنفيذاً لاتّفاق الهُدنة، وقالت: إن الطائرة التي أقلعت من مطار صنعاء الدولي كان على متنها 137 مسافراً، مشيرةً إلى أن غالبية المسافرين في الرحلة الأولى كانوا من المرضى.
وأكّـدت إدارة مطار صنعاء الدولي أن الرحلات التجارية ستنتظم خلال الأيّام القادمة إذَا لم يتم عرقلتها من قبل تحالف العدوان.
من جهته، أوضح كيل هيئة الطيران المدني والأرصاد، رائد جبل، أن استقبال أولى الرحلات ضمن بنود الهُدنة أتى بعد عرقلة دول العدوان للاتّفاق الذي نص على تسيير رحلتين أسبوعيا.
وكيل هيئة الطيران المدني والأرصاد جدّد تأكيدَه على جُهُوزيةِ مطار صنعاء الدولي لاستقبال الرحلات التجارية وفق معايير السلامة الدولية.
ودعا الأمم المتحدة إلى الاستمرارِ في تسيير الرحلات التجارية وأن تعوض الرحلات التي كانت مقرّرة في الأسابيع الماضية.
وقال رائد جبل: إن حجمَ الإقبال كبير يأتي؛ بسَببِ حاجة الناس للسفر عبر مطار صنعاء الدولي، مجدّدًا دعوتَه للأمم المتحدة والجهات المعنية في مجال الطيران المدني والجانب الإنساني أن تضغط لفتح مطار صنعاء بشكل دائم دون قيود.
خبرُ إقلاع أول رحلة تجارية أعاد بعضاً من بصيصِ الأمل لليمنيين الذين فقدوا الثقة في التصريحات الأممية التي ثبت عجزها خلال سبع سنوات عن إدخَال سفينة نفطية دون قيود، فضلاً على تحالف العدوان لإيقاف عدوانه ورفع حصاره.
وأمام كُـلّ هذا يترقب اليمنيون لما ستؤول إليه الأيّام القادمة، هل ستستمر الرحلات من وإلى مطار صنعاء إلى أن تستوفيَ ١٦ رحلة قبل انتهاء الهُدنة التي لم يتبق منها سوى أسبوعين فقط، أم أن التحالف الذي ألف على نكث العهود والمواثيق لن يستطيع تغيير طبيعة تعامله مع الالتزامات التي وقع عليها؟!
مِلفُّ الأسرى ما يزال “أسيراً” برعاية أممية
ومع انقضاء أكثر من ثلاثة أرباع مدة الهُدنة في ظل استمرار إصرار تحالف العدوان على تجاهل التزاماته الواضحة، ما يزال ِملفُّ الأسرى المتفَقُ عليه عند توقيع الهُدنة الإنسانية والعسكرية، قيدَ الأسر، على الرغم من مبادرات صنعاء الأُحادية في هذا الجانب والتي تأتي من باب الحرص على إحلال السلام وإثبات حسن النوايا.
وفي الـ23 من أبريل الماضي، أفرجت اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عن 42 من أسرى قوى العدوان بتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وكمبادرةٍ من طرف واحد، لتثبت صنعاء مجدّدًا حرصها على إحلال السلام.
وأوضح رئيس اللجنة عبدالقادر المرتضى في تصريح صحفي، أن اللجنةَ وبمبادرة إنسانية من طرف واحد أفرجت عن 42 أسيراً من قوى العدوان، حصلوا على عفوٍ من قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بمناسبة شهر رمضان واقتراب عيد الفطر المبارك.
وقال: “إن الإفراجَ عن أسرى من قوى العدوان، رسالةٌ إيجابية نأمل أن يتلقاها الطرفُ الآخر بإيجابية مماثلة ويبادر في الإفراج عن عدد من الأسرى والمعتقلين الموجودين لديه”.
وأكّـد المرتضى حرصَ اللجنة على إنجاح الاتّفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة بشأن مِلف الأسرى وتنفيذه وإنجاحه.. مُشيراً إلى أن مبادرة الإفراج عن الأسرى رسالةٌ إنسانية للأمم المتحدة والطرف الآخر للمضي قُدُماً في تنفيذ الاتّفاق الذي تم برعاية أممية بشأن الأسرى.
وأمام هذا الحرص من صنعاء، يجدد تحالفُ العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي تأكيدَه على اعتماده على المراوغة بعيدًا عن تنفيذ التزاماته المتعلقة بالسلام، حَيثُ أعلن النظام السعوديّ قبل أيّام الإفراج عن 163 شخصاً وصفهم بـ “الأسرى” ضمن ما زعم أنه “مبادرة أُحادية” فقط لينكشفَ بالصوت والصورة وباعترافات وسائل إعلامه نفسها أن المفرج عنهم (وهم 126 شخصاً فقط تم نقلهم إلى عدن!) كانوا عبارةً عن معتقلين ومختطفين مدنيين بينهم أربعة صيادين تم اختطافهم بصورة وحشية من البحر الأحمر، ولم يكن هناك سوى خمسة فقط من أسرى الحرب، الأمر الذي كشف بوضوح أن تحالف العدوان يسعى لتضليل الرأي العام وصرف الأنظار عن رفضه المتواصل لتنفيذ التزامات الهدنة، ولتكريس رواية مغلوطة مخادعة يحمل فيها صنعاء مسؤولية عدم نجاح التهدئة.
خلال كُـلّ ذلك، كان الموقف الأممي يكشفُ عن تواطؤ متجدد وواضح مع تحالف العدوان، الأمر الذي جعل “فشل” الهدنة يبدو حتمياً، فإلى جانب الاستمرار بالصمت إزاء الخروقات الميدانية واحتجاز سفن الوقود، واصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ محاولاته لتكريس ذرائع العدوّ لإغلاق مطار صنعاء من خلال التعاطي مع منع الرحلات وكأنها مشكلة لم يتضمنها الاتّفاقُ ولم يتم بتّها فيه.
وإلى جانب ذلك، سقط غروندبرغ في محاولةٍ أُخرى لتلميع صورة النظام السعوديّ من خلال الترحيب بـ “مبادرتها” المزيّفة للإفراج عن الأسرى الذين تبين أنهم مُجَـرّد مختطفين مدنيين، والتعاطي معها كـ “خطوة إيجابية”.
وكان لصنعاء ردودٌ شديدة اللهجة على هذا السلوك الأممي الفاضح تجاه الهدنة والتزاماتها، حَيثُ أكّـد رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، أن “على الأمم المتحدة ومبعوثها عدمَ اللهاث وراء الدعاية السعوديّة السوداء وتبييضها وتجميلها لاسِـيَّـما في قضايا باتت واضحة ومدعاة للسخرية، وعلى المبعوث القيام بدوره بمسؤولية وحيادية أما المواقف الرمادية ومجاراة المعتدي فلن تؤدي به إلا إلى ما أدّت بأسلافه”.
وفي السياق ذاته، أكّـد عضو الوفد الوطني، عبدُالملك العجري أن “الأمم المتحدة ومبعوثها لم تكتف بالفشل في اختبار الهُدنة ففي مسرحية المحتجزين المفرج عنهم تحولت لـ (شاهد ما شافش حاجة) “.
وَأَضَـافَ العجري “من المهم ألا يتصرف المبعوث كممثل لدول العدوان، فهذه المرحلة الحرجة لا تحتمل نسخةً أخرى من ولد الشيخ”.
هذه التصريحاتُ حملت رسائلَ مهمة يجب أن تلتقطَها الأممُ المتحدة وتحالف العدوان على حَــدٍّ سواء، خصوصاً وأن الطرفين يعملان بوضوح –كالعادة– على خلق تصور مزيف يغطي على استمرار العدوان والحصار ويحاول تقييد خيارات صنعاء العسكرية لتجنيب التحالف عواقب تعنته المستمرّ، ومفادُ تلك الرسائل أنه من الغباء تجريبُ المجرب وانتظارُ نتائج مختلفة.
ومن هذا الجانب، قال نائبُ وزير الخارجية، حسين العزي، في وقت سابق: إن “الأمم المتحدة تفتقر لأبسط شروط الوسيط المحايد وتبدو عاجزةً حتى عن تسمية الأشياء بمسمياتها، وعلى سبيل المثال فَـإنَّ مبعوثَها ما يزال يسمِّي العدوان الذي تقوده السعوديّة (حرباً أهلية) مع أن الجميع يعرفُ أن السعوديّة دولة معروفة وليست محافظةً يمنية أو قرية نائية يصعُبُ تذكُّرُها”.
صحيفة المسيرة