فُرص تمديد الهُدنة تتأرجح بين “صَبْر” صنعاء وتعنت العدو: بانتظار التقييم النهائي

|| صحافة ||

على مسافةِ أقلَّ من أسبوعَين من نهاية الهُدنة، أعلنت صنعاءُ أن الموافقةَ على طلب “التمديد” مرهونةٌ بالتقييم النهائي لاتّفاق “الشهرَين”، وهو ما قد يكون تقييماً سلبياً بالنظر إلى تعنت تحالف العدوان في تنفيذ التزاماته، وتشجيع الأمم المتحدة له على ذلك التعنت، وخُصُوصاً فيما يتعلقُ بميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي، مجددة التأكيد على أن إعادة صرف المرتبات على رأس أولويات المِلف الإنساني الذي يجب التعاطي معه بدون تجزئة لإثبات جدية التوجّـه نحو السلام الذي يبدو أن تحالف العدوان يسلك الطريقَ المعاكِسَ له من خلال تحَرُّكاتِه العسكرية.

 

اختباراتٌ إنسانية لنجاح الهُدنة

وأعلن المجلسُ السياسي الأعلى، أنه يدرُسُ طلبَ تمديد الهُدنة التي تم التوقيع عليها مطلع أبريل الماضي لمدة شهرين، وفقاً لتقييم نتائج هذه المدة، مُشيراً إلى أن هذا التقييم يأخذ في الاعتبار مدى التزام تحالف العدوان بالاتّفاق الحالي.

لكن مؤشرات هذا التقييم لا زالت حتى الآن سلبية إلى حَــدٍّ كبير؛ لأَنَّ تحالف العدوان ما زال يعرقل وصول سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، ولا زال مِلفُّ مطار صنعاء يواجه الكثير من العقبات بعد تأخر تسيير الرحلات لأكثر من شهر ونصف شهر، وعدم فتح وجهة القاهرة التي تم الاتّفاق عليها، وهي عراقيل كان يفترض بالأمم المتحدة أن تمارس دورها لإزالتها لكنها لم تفعل.

وفي هذا السياق، حذّر المجلس السياسي الأعلى من أن “عدم تعويض عدد السفن والرحلات الجوية ووجهاتها المتفق عليها يهدّد فرصَ تمديد الهُدنة التي يطالبون بها ويمس بمصداقية الأمم المتحدة ومبعوثها”.

تحذيرٌ كانت صنعاء قد كرّرته خلال الأيّام الماضية، ويبدو أن مضمونه سيكون المعيار الأبرز لتقييم الهُدنة وتحديد إمْكَانية تمديدها؛ لأَنَّ تحالف العدوان حاول مؤخّراً التلاعب بالمشهد من خلال السماح بتسيير جزء بسيط من الرحلات المتفق عليها بين صنعاء وعمّان خلال الأسبوعين المتبقيين من الهُدنة، متجاهلاً الرحلات المستحقة الأُخرى التي تم منعها خلال الفترة السابقة، والرحلات التي يفترض تسييرها بين صنعاء والقاهرة، الأمر الذي مثَّل مؤشر “مراوَغة” إضافياً.

وفي هذا السياق، أعاد رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، التذكير بأن “بنود الهُدنة تنص على رحلتين أسبوعيًّا وإلى وجهتين محدّدتين هما عمّان والقاهرة، وهو ما لم تلتزم به دول العدوان التي أضاعت شهرا ونصف من زمن الهُدنة دون أية رحلة من وإلى مطار صنعاء الدولي”.

وَأَضَـافَ أن “ما يتطلبه الموقف هو الإسراع في تسيير الرحلات المقرّرة والإفادة فيما تبقى من الوقت لتعويض ما فات منها”.

السياسي الأعلى جدّد أَيْـضاً رسم المحدّداتِ الرئيسية للمضي في أية خطوات سلام أَو تهدئة قادمة، في إطار “موقف صنعاء الثابت تجاه السلام العادل والمشرف الذي يعزز سيادة واستقلال البلاد”.

على رأس تلك المحدّدات “التزام الأمم المتحدة وتحالف العدوان المتحكم بثروات النفط والغاز وإيرادات الموانئ وعمليات البنك المركزي بصرف المرتبات المتأخرة لكلِّ موظفي الدولة وضمان استدامة صرفها؛ كون ذلك يأتي ضمن المِلف الإنساني وفي إطار واجباتهم”.

وأكّـد أن “التعاطي الجادَّ مع المِلف الإنساني دون تجزئة للتخفيف من معاناة أبناء الشعب اليمني، هو المدخلُ السليمُ والصحيح”، وأن “فتحَ الطرق في تعز وغيرها من المحافظات وفقاً لبنود الهُدنة تعتبر ضمن أولويات العمل لتخفيف معاناة المواطنين”.

هذه المحدّداتُ تعزِّزُ قطع طريق المراوغة أمام تحالف العدوان، وبالمقابل تثبّت معادلة صنعاء للسلام العادل، والتي تتضمَّنُ معالجةَ كُـلّ جوانب الوضع الإنساني أولاً وعدم إخضاعه لصفقات مساومة مشبوهة.

وفي هذا السياق، يؤكّـد عضو الوفد الوطني، عبد الملك العجري أن: “الهُدنة ليست بديلاً عن الاتّفاق الإنساني وقضاياه المطروحة على طاولة المحادثات ومنها الخدمات والمرتبات، والتي كان يفترض أن تحسم خلال الهُدنة لتحويلها إلى اتّفاق ثابت”، مذكراً بأن “الهُدنة تكاد تنقضي ولم تسيَّرْ رحلةُ القاهرة حتى اللحظة، ولم يتم الدخولُ في ترتيبات ما بعد الهُدنة، ونحمِّلُهم مسؤوليةَ أية تداعيات”.

ويضيف العجري: “أن يستطيعَ المواطنُ اليمني السفر، وأن يحصل على الخدمات الأَسَاسية، وأن يحصل على راتبه، هذا ليس تنازلاً منكم لسلطة صنعاء كما تقولون ولا انتصار لطرف سياسي وهزيمة لطرف آخر، هذه حقوق أَسَاسية لا تسقطها الحرب وما كان ينبغي أن تكون محل خلاف لولا أنا بلينا بأبشع عدوان وأسوأ مرتزِقة في التاريخ”.

هكذا يمكن القول إن تحالفَ العدوان أمام اختبارين رئيسيين الآن: الأول هو تعويضُ استحقاقات الهُدنة المتأخرة لكي يمكن البناء عليها؛ مِن أجلِ تمديد التهدئة وتطويرها إلى اتّفاق إنساني ثابت، والثاني: أن يتم استكمال متطلبات هذا الاتّفاق لتخفيف المعاناة في إطار المرحلة القادمة، ومن ذلك صرف المرتبات، وعدم إخضاع هذه المتطلبات لمساومات ومقايضات أُخرى تجعل من الاتّفاق أدَاة ابتزاز ضد صنعاء، وتكرس استغلال الحقوق المشروعة لليمنيين كأوراق ضغط وتفاوض.

ويُفهَمُ من بيان المجلس السياسي الأعلى وتصريحاتِ الوفد الوطني أن تحالفَ العدوان لا يستطيعُ اجتيازَ اختبار منهما دون الآخر، وبعبارة أعمَّ: لا يستطيعُ الاستمرارَ بالمراوغة لكسب الوقت وخلط الأوراق؛ لأَنَّ عدمَ معالجة الملف الإنساني بالشكل المطلوب تعني بوضوح أنه لا يوجدُ سلامٌ حقيقي في الأفق، كما أن سلوكَ تحالف العدوان خلال الفترة الماضية كان هدامًا للثقة بصورة كبيرة، وهو ما يعني أنه يحتاج الآن لخطوات عملية واضحة ومؤثرة ومتكاملة كي يحافظ على التهدئة أَو يطورها.

هذا ما أكّـده أَيْـضاً نائبُ وزير الخارجية، حسين العزي، الذي أوضح أن “تحالفَ العدوان تعاطى مع الهُدنة بشكل غير مسؤول وصنع منها تجربة صادمة وغير مشجعة”، مُشيراً إلى أن “صمود الهُدنة يعود فقط إلى ما أبدته صنعاء من صبر وضبط نفس.. ومن المهم اصطفافُ كُـلّ محبي السلام لمطالبة التحالف بتغيير سلوكه وإبداء تعاون حقيقي ومشجع”.

 

توجُّـهٌ عدواني واضحٌ نحو التصعيد

كما تتأرجحُ احتمالاتُ تمديد الهُدنة وفشلها بين جدية صنعاء وبين تعنت التحالف، فيما يتعلق بالمِلف الإنساني ومتطلباته، فَـإنَّها تتأرجح أَيْـضاً بين التزام صنعاء بوقف إطلاق النار وتحَرّكات تحالف العدوان ومرتزِقته المتزايدة نحو التصعيد.

المجلس السياسي الأعلى أعلن بوضوح في بيانه أن: “هناك رصداً للعديد من الترتيبات والاستعدادات العسكرية التي يقوم بها طرف العدوان ومرتزِقته رغم الهُدنة المعلنة”.

وسلّط قائدُ الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الضوءَ على ذلك بشكل واضح، الخميس، إذ أوضح أن: “الأعداءَ يصرُحون في ظل الهُدنة بأنهم يعدون العُدَّة، وهذا يظهر توجُّـههم للمرحلة المقبلة”.

وبحسب مراقبين، فَـإنَّ تحالف العدوان يحاول أن يعتمدَ على مسار “التهدئة” للتغطية على ما يرتبه في الميدان في مخاطرة متهورة وغير متماسكة يهدفُ من خلالها إلى الوصول -بشكل مراوغ- إلى اتّفاقات تقيد خيارات صنعاء العسكرية (وخُصُوصاً فيما يتعلق بعمليات الردع) لكنها تبقي المجال مفتوحاً لتفجير الأوضاع في الداخل، لتكريس رواية “الحرب الأهلية” وبالتالي الالتفاف على متطلبات السلام الفعلي.

لكن حقيقة أن صنعاءَ تضعُ ذلك في حسبانها، تجعلُ هذا المخطّط كله على حافةِ الفشل؛ لأَنَّ تحالف العدوان لا يمتلكُ القدرةَ على تحقيق مكاسبَ عسكرية في ظل جهوزية صنعاء واستعدادها العسكري المعلن للمضي نحو خياراتٍ قتالية أقسى، كما أن محاولةَ تجنب عمليات الردع مع ممارسة تصعيد ميداني عدواني تمثل مهمة مستحيلة على العدوّ؛ لأَنَّ معادلة صنعاء للحرب والسلام متكاملة ومترابطة ولا يمكن الالتفاف عليها.

وقد دعا السياسي الأعلى أبطالَ الجيش واللجان الشعبيّة “إلى اليقظةِ الدائمة والاستفادة من التجارب السابقة، في حال نكث تحالف العدوان ومرتزِقته”، وهي رسالةٌ واضحةٌ بأن جديةَ صنعاءَ وحرصَها على السلام لا تشكّلُ فرصةً سانحةً للمراوغة والخِداع.

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا