صنعاءُ رمزُ الكرامة
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبد الرحمن مراد
ما يميز الزيدية عن سواها من المذاهب في اليمن، هو قدرتها على التفاعل مع الإنسان اليمني الذي ورث تاريخاً وثقافة متراكمة عبر العصور، فكانت الزيدية تمثل الامتداد الطبيعي لحركة الإنسان في المكان والزمان، ولذلك ارتبط المذهب الزيدي بحركة التجديد في الفنون الأدائية والقولية، ومع كُـلّ حركة تاريخية تحدث حركة تجديد في مختلف الفنون، أَو إحياء لها، فالزامل كاد أن يندثر حتى بدأت حركة أنصار الله تعلن عن نفسها، فعاد بقوة توازي قوة حضوره في الماضي أَو تفوقها، وعادت تبعاً لذلك حركة الإنشاد الديني، كالمدائح النبوية، والابتهالات والتسابيح، وشهدت المرحلة تجديدًا وزخمًا كَبيراً، وإضافات كبيرة إلى هذه الفنون سيظل الإنسان يمتاح منها زمناً طويلاً.
هذه الحركة التحولية في الفنون والآداب، وفي الثقافات، كانت هي الشريان الذي يغذي الجبهات، ويغذي قيم العزة والكرامة في الوجدان، ولذلك توحدت الإرادَة وتماسك الصف الوطني، ولولا هذا الاتساق بين الطبيعة الثقافية الوطنية وبين حركة التوجّـهات للقيادة لرأينا الصف الوطني متناثراً كذرات كما هو حال الطرف الآخر الذي يتخذ من الرياض ملاذاً وحصناً ومن فنادقها وطناً بديلاً.
لقد وضعت ثورة 21 سبتمبر البدايات الأولى لحركة الإصلاح الثقافي والأخلاقي، ولا بُـدَّ أن يكتمل البناء في الإصلاح الثقافي والأخلاقي والتاريخي، فالبدايات لم تكن بحجم الاستهداف والتحديات، فقد شغلتنا الجبهات في سالف أيامنا ولا بُـدَّ أن نواصل جهودنا اليوم في استغلال زمن الهُدنة في البناء الثقافي، والإصلاح الأخلاقي، وإعادة تعريف الوطن، والوطنية، والعمالة، وإعادة تعريف السيادة، والحرية، والاستقلال، وتعريف العزة، والكرامة، وعودة المفاهيم إلى منابعها ومعانيها الحقيقية بعد أن شاع ذلك التعويم والتيه، فتغرب الإنسان في متاهات الزمن، وغابات الضياع، التي قاد إليها المرتزِقة طمعاً في ذهب المعز على حساب كُـلّ القيم وكلّ المفاهيم.
نحن نخوض حرباً على كُـلّ المستويات، ولم تكن الحرب العسكرية ألا جزءاً صغيراً من تجلياتها، ولذلك نحن معنيون اليوم بتثوير البعد الثقافي حتى يكون مستعداً لخوض معركة الوجود، بدءاً من حرب تصحيح المفاهيم، والمصطلحات، وليس انتهاء باستراتيجيات الإصلاح الثقافي والتاريخي، بل بوضع الأسس الجديدة لبناء جيل المستقبل الواعي القادر على العطاء والإبداع والابتكار، فالحرب التي تستهدف المجتمع اليمني اليوم، تستهدف جيل الناشئة، وتريد منه أن يكون كنموذج الشباب العراقي الذين نجدهم في “اليوتيوب” كشباب خنع، متشبهين بالنساء، ويتمايلون كما تتمايل الراقصات في البارات، وحانات الخلاعة في الدول ذات التفسخ القيمي والأخلاقي، ولذلك ثارت ثائرتهم من فكرة المراكز الصيفية، وقد لاحظ المتابع تكثيف حركة الاستهداف من خلال المخدرات، ومن خلال التطبيقات الاجتماعية التي تبث محتوى غير أخلاقي، بل وصل الحال بهم أن قاموا بتكثيف بث محتوى جنسي كرتوني مثلي يعزز من فكرة المثلية الجنسية في وجدان الناشئة، وفي مثل ذلك بلاء كبير إن لم نتداركه، ونعمل على التصدي له، ليس بالمنع والمصادرة، ولكن بحركة وعي كبيرة تيقظ الضمير الجمعي، فتجعل منه رقيباً على نفسه، أما المنع والمصادرة فهو مساعدة – كما دلت التجارب- للترويح للمحتويات التي تستهدف المجتمع، فالممنوع وفق الطبيعة البشرية يجد رغبة في النفوس لمعرفته، والقاعدة تقول كُـلّ ممنوع مرغوب، ولذلك نجد أنه من الضرورة بمكان أن نباشر في البناء الثقافي، ونشرع في الإصلاح الأخلاقي، حتى نقطع على العدوّ سبل وطرق الاستهداف من خلال الثورة الثقافية التي تكشف زيقه وتضليله وطرق ووسائل استهدافه للمجتمعات، لدينا اليوم مناخاً ملائماً قد يساعدنا لبلوغ أهدافنا، منها ما تقوم به روسيا من كشف وفضح لطرق الرأسمالية في إدارة العالم، ومنها الانهيار القيمي، والعناية بالمعامل البيولوجية التي تصنع الفيروسات وتقوم بإرهاب العالم بها؛ مِن أجلِ تبتكر العلاج -الذي تعرفه سلفًا- ومن ثم تشغيل شركات الأدوية، وليس بخافٍ على أحد أن النظام الرأسمالي بصنع الحروب في العالم؛ مِن أجلِ تحريك عجلة مصانع تصنيع المعدات العسكرية، هذا أمر فضحته روسيا اليوم وكان معلوماً للخَاصَّة، لكن حجم التضليل الذي يمارسه الإعلام الرأسمالي حجب الكثير من الحقائق، فوقع العامة تحت طائلة التضليل في الكثير من البلدان ومنها العربية على وجه الخصوص.
صنعاء اليوم تصنع تاريخاً جديدًا للمنطقة، وتصنع تحولاً، سيكون له أثره في قابل الأيّام، ولذلك لا بُـدَّ من الحرص على الإصلاح الثقافي والأخلاقي والتاريخي وبجهود مكثّـفة ومضاعفة، حتى نسابق الزمن للوصول إلى الغايات والمقاصد الشريفة وحتى نحقّق القدر الكافي من العزة والكرامة للناس ليس في اليمن وحسب بل في المنطقة العربية كلها.