هُدنةُ الأربعة الأشهر الماضية.. تجربةٌ غير مبشِّرة بالسلام
||صحافة||
تقترِبُ الهُدنةُ في مرحلتِها الثانية من نهايتها، فالفاصِلُ الزمني قصيرٌ جِـدًّا، الأمر الذي يضعُ جُملةً من التساؤلات عن مدى تحقيق بنود هذه الهُدنة والتزام العدوان بها، وهل بالإمْكَان تجديدها أم لا؟
ويدرك المتابعُ لما حدث أن الهُدنة في مرحلتِها الأولى والثانية لم تكن مبشِّرة كَثيراً بطي صفحة العدوان إلى الأبد، والدخول في مفاوضات سياسية تنهي معاناةَ اليمنيين المُستمرّة لأكثر من سبع سنوات، إذ أن العدوان والمرتزِقة لا يزالون يتحَرّكون على الأرض، وينسجون الخطط المتعددة لاستهداف اليمن بكل الوسائل، وفي مقدمة ذلك الحرب الاقتصادية والإعلامية، بغية زعزعة الجبهة الداخلية وضرب اليمنيين بعضهم ببعض.
وبحسب المؤشرات فَـإنَّ العدوان الأمريكي السعوديّ يبحث عن تمديد إضافي للهُدنة في ظل سخونة المشهد عالميًّا وإقليمياً، مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، والتحديات التي تواجه المنطقة مع ارتفاع وتيرة التهديدات بين حزب الله والكيان المؤقت.
ولعلَّ العامِلَ الأبرزَ من التخوف الأمريكي في استمرار العدوان على بلادنا، هو القدرةُ العسكريةُ الفائقة التي وصلت إليها القواتُ المسلحة اليمنية، واستهدافها للمنشآت النفطية في العمقين الإماراتي والسعوديّ، الأمر الذي جعل العدوّ يشعر بأن التكلفة ستكون باهظة مع استمرار الحرب.
وإلى الآن لا مؤشرات تلوح في الأفق بتجديد الهُدنة، لا سِـيَّـما أن الطرف الوطني بصنعاء يؤكّـد أنها لم تحقّق آمال الشارع اليمني الذي يطالب بالاستمرار في الحرب لردع العدوان عسكريًّا، وإجباره على وقف الحرب ورفع الحصار، كما أن الطرف الآخر من المرتزِقة ليس لديه موقف أَو رؤية بشأنها؛ كون القرار النهائي هو للسعوديّ والأمريكي، وهم يدركون أنهم مُجَـرّد دُمًى ليس أكثر.
ويقولُ المحلِّلُ السياسي عبد الله سلام الحكيمي: إن مفاوضاتِ تمديد الهُدنة لا تزال تواجهُ صعوباتٍ لجهة رفض تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ ومرتزِقته إعطاءَ ضمانات التنفيذ الكامل لما يتفق عليه، كما أن إطلاق مرتبات الموظفين متعثرة أمام إصرار التحالف على اشتراط موافقته وصندوق النقد الدولي على تعيين مجلس إدارة للبنك المركزي اليمني الموحد.
وفي هذا الصدد، يؤكّـد رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء، المشير الركن مهدي المشاط أن تجديدَ الهُدنةِ يقتضي الالتزام بصرف رواتب كافة الموظفين، وبقية الخدمات التي قطعها العدوان ليضاعف معاناة أبناء الشعب اليمني، مشدّدًا أَيْـضاً على ضرورة الفتح الكامل لمطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة.
وأوضح المشاط في اجتماعٍ له بأعضاءِ المجلس قبل أَيَّـام أنه بادَرَ بفتح حسابٍ خاصٍّ في فرع البنك المركزي بالحديدة وتم توريد إيرادات ميناء الحديدة إليه للإسهام في صرف المرتبات لكافة موظفي الدولة، فيما لم يلتزم الطرف الآخر والأمم المتحدة بسد الفجوة لصرف المرتبات، مؤكّـداً أن صرفَ المرتبات والمعاشات استحقاق طبيعي لكافة الموظفين والمتقاعدين.
ويبدو من كلامِ فخامة الرئيس أن اليمن لا تمانِعُ في التمديد أَو تجديد الهُدنة، لكن اليمنيين لن يقبلوا أبداً بسياسةِ العدوانِ التي تريدُ جَــرَّ اليمن إلى مربع اللا حرب واللا سلم، بحيث تتوقف الغارات الجوية مقابل استمرار الحصار، وهو أمر مرفوض ولن يمر بسلام، كما أن صنعاء التي وافقت على الهُدنة الأولى والثانية حرصاً على السلام وأملاً في إيقاف الحرب، وموقفها هذا جاء من موقع قوة وليس من ضعف، وبعد أن أقدمت القوات المسلحة على استهداف آبار النفط للملكة السعوديّة وشركة أرامكو في جدة، وبالتالي فَـإنَّ المستفيد الأول من الهُدنة هي السعوديّة والتي حافظت على منشآتها الحيوية من الاستهداف طيلة الأربعة الأشهر الماضية.
وبدأت مرحلةُ الهُدنة الأولى في الثاني من إبريل 2022، وانتهت في 2 يونيو 2022، ثم تم تمديدُها إلى 2 أغسطُس 2022، وكان الهدفُ منها -بحسب الأمم المتحدة- توفير البيئة المواتية للتوصل إلى تسوية سلمية للنزاع، وليس القصد منها التوقف لإتاحة الفرصة لأي طرف بإعادة تشكيل مجموعاته أَو استئناف العمليات العسكرية.
وتضمنت الهُدنةُ وقفَ جميع العمليات العسكرية الهجومية البرية والجوية والبحرية داخل اليمن وخارجه وتجميد المواقع العسكرية الحالية على الأرض، إضافة إلى دخول 18 سفينة من سفن المشتقات النفطية خلال شهرَي الهُدنة إلى موانئ الحديدة، وتشغيل رحلتَين جويتين تجاريتين أسبوعياً إلى صنعاء ومنها خلال شهرَي الهُدنة إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية.
ومن البنود أَيْـضاً دعوة المبعوث الأممي جميع الأطراف إلى اجتماع للاتّفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين من رجال ونساء وأطفال وتنقلاتهم بالاستفادة من الجو الذي تهيَئه الهُدنة.
وخلال الأربعة الأشهر الماضية يمكن القول إن العمليات العسكرية الجوية قد توقفت وخَاصَّة بين اليمن والسعوديّة، باستثناء بعض الخروق التي تحدث من حين إلى آخر عن طريق طيران التجسس الاستطلاعي التابع للعدوان في عدة مناطق باليمن، غير أن البيئة ليست مواتية تماماً للتوصل إلى تسوية شاملة لإيقاف العدوان ورفع الحصار، فكل المؤشرات توضح أن دول العدوان والمرتزِقة يعدون العدة لاستئناف الحرب، وتجريب المجرب، ومحاولة تحقيق مكاسبَ عسكرية فشلت في السابق، أضف إلى ذلك أن الأمم المتحدة لم تبذل جهوداً تذكر لتقريب الأطراف إلى طاولة الحوار، والعمل على التهيئة المناسبة للدخول في مفاوضات تنهي الحرب وتوقف معاناة الناس.
ويؤكّـد نائب رئيس اللجنة العسكرية الوطنية، العميد حسين هاشم، أن اللجنة تأسف لعدم التزام الطرف الآخر ببنود الهُدنة، لافتاً إلى معاناة المواطنين والضحايا المدنيين الذين يسقطون يوميًّا جراء الألغام والقنابل العنقودية خَاصَّة في محافظة الحديدة.
ويقول العميد هاشم خلال اجتماع للجنة العسكرية يوم الخميس الماضي بالمستشار العسكري لممثل الأمم المتحدة: إن تعنت دول العدوان وإصرارها على منع دخول الأجهزة والمعدات الخَاصَّة بنزع الألغام فاقم من معاناة المواطنين، ما يتطلب موقفاً واضحًا من الأمم المتحدة للضغط على دول العدوان بتسهيل دخول الأجهزة والمعدات الخَاصَّة بمركز الألغام.
وتعد الألغام واحدةً من أبرز المشاكل التي تؤرق المدنيين وغيرهم، ولا سيما في المناطق التي شهدت مواجهات بين أبطال الجيش واللجان الشعبيّة ومرتزِقة العدوان، أَو تلك التي ألقاها طيران العدوان على هيئة قنابل عنقودية في عدة محافظات يمنية.
وبلغ عدد الضحايا بالألغام والقنابل العنقودية منذ بداية الهُدنة 255 ضحية منهم 84 طفلاً، حَيثُ يؤكّـد رئيس المركز التنفيذي للتعامل مع الألغام، العميد علي صفرة، أن القنابل العنقودية التي ألقاها طيران العدوان منتشرة في المنشآت المدنية وهذا ما رفع أعداد الضحايا، محملاً الأمم المتحدة المسؤولية الكبرى عن استمرار وقوع ضحايا؛ بسَببِ مخلفات العدوان من ألغام وقنابل عنقودية.
رحلاتٌ محدودةٌ عبر مطار صنعاء
وفي ما يتعلق بجانب الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء الدولي، يؤكّـد وزير النقل، عبد الوهَّـاب يحيى الدرة، أن تنفيذ بنود الهُدنة فيما يتعلق بالنقل لا يرقى إلى المستوى المطلوب والمتفق عليه؛ نتيجة تلاعب تحالف العدوان بالهُدنة وبنودها طيلة أربعة أشهر، مُشيراً إلى أن نسبة ما تم تنفيذه في قطاع النقل الجوي -خلال الهُدنة- يصل إلى 70 %، وذلك بسَببِ عدم تسيير رحلات جوية تجارية ومدنية منتظمة ومجدولة عبر مطار صنعاء الدولي إلى الأردن وجمهورية مصر العربية، حسب ما تضمنته الهُدنة”.
وأوضح الوزير الدرة أن عدد الرحلات الجوية، التي نفذت عبر مطار صنعاء الدولي، 22 رحلة إلى مطار الملكة علياء الأردني ورحلة وحيدة إلى مطار القاهرة الدولي، بينما هناك ثماني رحلات متعثرة، أَو تأجلت؛ بسَببِ تعثر وجهة رحلة القاهرة، لافتاً إلى أن إجمالي الرحلات المفروض تنفيذها -خلال فترتَي الهُدنة الأولى والثانية- 32 رحلة جوية موزعة على الأردن ومصر، وفقاً لما تضمنته بنود الهُدنة، التي أعلنها المبعوث الأممي بداية أبريل من العام الجاري.
وواصل الوزير الدرة كلامه في تصريح صحفي سابق: “رحلة القاهرة الوحيدة التي نفذت لا توجد فيها أية ملاحظات أَو مشاكل فنية”، مُشيراً إلى أن تعثر رحلات القاهرة جاء بتوصيات من قِبل تحالف العدوان لحكومة مصر لإيقاف تسيير الرحلات، كون أغلب المرضى يتجهون إلى جمهورية مصر العربية.
وتأتي هذه العراقيلُ المتعمدةُ من قبل العدوان الأمريكي السعوديّ كجزء من مخطّط عدم الالتزام بإحلال السلام في اليمن، ولتؤكّـد أن الهُدنة في مرحلتَيها الأولى والثانية هي أمر واقع، وجاءت نتيجة عوامل وظروف أجبرت العدوّ على الموافقة عليها، ومن بينها تنامي القدرات العسكرية للجيش واللجان الشعبيّة واستهداف آبار النفط في مملكة العدوان، في وقت تتطلع أمريكا والدول الأُورُوبية للمزيد من الإنتاج في هذه الطاقة بالتوازي مع الحرب الروسية الأوكرانية.
قرصنةٌ متواصلةٌ لسفن الوقود
وإذا كان العدوانُ قد وضع العراقيلَ الكثيرةَ أمام الرحلات الجوية، فَـإنَّه كذلك يتعمد الاستمرار في فرض الحصار البحري، وعرقلة وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة، وهي أساليب تثير غضب القيادة الثورية والسياسية وغضب الشارع اليمني، وتكشف عن القناع الحقيقي للعدوان.
ويؤكّـد رئيس المجلس السياسي الأعلى بصنعاء المشير الركن مهدي المشاط خلال لقائه يوم الخميس الماضي بمدير شركة النفط عمار الأضرعي أن احتجاز دول العدوان لسفن المشتقات النفطية يضع الهُدنة في المحك، لافتاً إلى أن العدوان يحاول من خلال الحصار الظالم، على الشعب اليمني استغلال الجانب الإنساني لتحقيق مكاسب سياسية لم يستطع تحقيقها في المعركة العسكرية، مشدّدًا كذلك على ضرورة التزام دول العدوان بما تضمنته الهُدنة وتنفيذ كافة بنودها بما يؤدي إلى المزيد من المعالجات الإنسانية والاقتصادية لتخفيف معاناة الشعب اليمني.
ويشير وزير النقل عبد الوهَّـاب الدرة إلى أنه تم تنفيذ ما نسبته 60 % فقط من بنود الهُدنة، حَيثُ كان من المفترض دخول 36 سفينة إلى ميناء الحديدة محمّلة بمشتقات نفطية بواقع 18 سفينة في الهُدنة الأولى، ومثلها في الهُدنة الثانية وفقاً لبنود الهُدنة.
وهنا يؤكّـد وزير النقل أن الإشكالية في عدم التزام العدوان ببنود الهُدنة يعود إلى أعمال القرصنة البحرية التي يمارسُها تحالُفُ العدوان بإخضاع السفن للاحتجاز، رغم حصولها على تصاريح أممية.
وفي ما يتعلق بالنقل البري، يؤكّـد الوزيرُ الدرة أنه لم يتم فتحُ أية طرق رئيسية لتسهيل عبور المواطنين والمسافرين والحافلات ونقل البضائع، بما يسهم في تخفيف معاناتهم وتأمين حياتهم وممتلكاتهم، إزاء ما يتعرضون له من أعمال تقطع وقتل وسلب في الطرق الفرعية وغير المؤهلة لسير القاطرات التجارية وباصات الركاب وغيرها.
وإزاء كُـلّ هذه الأجواء غير المبشرة بالسلام، تكثّـف القوات المسلحة وأبطال الجيش واللجان الشعبيّة تحَرّكاتهم؛ استعداداً لأي تصعيد أَو مواجهة قادمة، مؤكّـدين أن الرد اليمني على أية غطرسة قادمة سيكون شاملاً، وأن أية أيادٍ تمتدُّ إلى اليمن سوف تقطع.
صحيفة المسيرة