الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف… مشروع عملي يقود أمتنا إلى الخلاص
أيام قليلة تفصلنا عن مناسبة ذكرى مولد الهدى والنور رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذكرى الخالدة المجيدة التي يحتفي بها شعبَنا اليمني يمنُ الأنصار، يمن الأوس والخزرج الذين آووا ونصروا وحملوا رايةَ الإسْــلَام عاليةً، وكانوا سباقين إلى الإيمان والنصرة، الذين تبوؤا الدار والإيْمَـان؛ وهو اليوم يحذو حذوَ أسلافه ، بالتمسك بالإسْــلَام، وبقيمه، وبمحبة الرَّسُــوْل صلى اللهُ عليه وَعَلَـى آلِــهِ، وبالاهتداء به، وبالاحتفاء به، وبالتوقير له، وبالتعظيم له، وبالتقديس له صَلَــوَاتُ اللهِ وَسَلَامُـهُ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِــهِ.
و على نحوٍ متميز عن سائر الشعوب يتميز شعبنا اليمني بمدى احتفائه واحتفاله وابتهاجه وتفاعُله مع هذه الذكرى ومع هذه المناسبة العزيزة، من واقع محبته العظيمة لرَسُــوْل الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ، من واقع انتمائه الأصيل لقيَم ومبادئ الإسْــلَام العظيمة والعزيزة.
وإن ما يجب أن نتطلعُ إليه في هذه الذكرى لا يجب أن يتوقف على الجانب الفرائحي بل يجب أن نلتمس بركاتها في كل الجوانب ففيها دروس عظيمة وعِبَر كبيرة نحتاجُ إليها بما فيها من نور وبصيرة ووعي ومشروعاً عملياً يقود أمتنا إلى الخلاص، يقود أمتنا َإلى الفرج، يقود أمتنا إلى التغيير من الواقع السيء وإلى الواقع المنشود، الذي يمثل الخير ويمثل العز لهذه الأُمَّــة.
في هذه الذكرى نحن لا نستذكر غائبا
نتطلَّع إلى رَسُــوْل الله مُحَمَّد صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ من خلال هذه الذكرى وهو الحاضر دوماً؛ نحن لا نستذكر غائباً غاب عن وجداننا، أو غاب عن مشروعنا، أو عن واقعنا، أو عن اهتمامنا أو عن إيماننا؛ لِأَنَّ رَسُــوْلَ الله مُحَمَّداً صَلَــوَاتُ اللهِ وَسَلَامُـهُ عَلَيْـهِ وَعَلَـى آلِــهِ هو رَسُــوْلُ الله الذي نؤمنُ به هادياً وقائداً ومعلّماً، في صلاتنا في كُلّ يوم وفي كُلّ ليلة، نقفُ بين يدي الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى فنشهد له بالوحدانية وبالربوبية، ونشهد لعبده ونبيه مُحَمَّد بالرسالة، في موقعه رَسُــوْلاً قائداً مربياً، أُسوةً قُدوةً، نوراً نقتدي به، ونهتدي به، ونتأسى به، ونسير على دربه، فهو الحاضر دَائماً في وجداننا، حب مع قداسة عظيمة في موقعه العظيم، رَسُــوْل من عند الله، وفي كماله الإنْـسَـاني العظيم الذي تعشقه كُلُّ نفس سليمة في فطرتها.
الرَّسُــوْل الحاضر دوماً في إيماننا، وفي وعينا، وفي صلاتنا، وفي هَدْيِنا الذي نعودُ إليه، هُدًى من عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، وفي مبادئنا، وفي قيمنا، الرَّسُــوْلُ نستحضرُه اليوم أيضاً في هذه المناسبة أملاً لخلاص البشرية كُلّ البشرية من كُلّ ما تعانيه؛ نتيجة هيمنة وطُغيان قوى الاستكبار والطاغوت التي ملأت العالم كله بِشَرِّها وفسادها وإجْــرَامها وطغيانها وسُوئِها وقُبحها.
نتطلع إلى الرَّسُــوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ في حركته بالرسالة، نتطلع إليه بما أَحْدَثَهُ من تغيير عظيم بمشروعه الإلَهي العظيم في واقع العالم آنذاك ابتداءً من المنطقة العربية، ذلكم المشروع العظيم الذي كان به خلاصُ البشرية.
فالرَّسُــوْل صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ وهو خاتمُ النبيين وتمامُ عِدَّةِ المرسلين يحمل كُلَّ إرث الأنبياء، وفي حركته، وفي ذاته، هو فيما حمله من قيم وأَخْلَاق قدّم للبشرية في مرحلتها الأخيرة قدَّم لها كُلّ خلاصة الماضي فيما أودعه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى لأنبيائه ورُسُله وللبشرية في جميع مراحل التَأريخ من هدىً ونورٍ وقيم وأَخْلَاق وتعاليم، يترتب عليها سُمُوُّ البشرية وكرامتها وعزتُها وسعادتها، وتضمن الحلول لكل مشاكلها، وتضمن لها المسير في الاتجاه الصحيح، في الصراط المستقيم، نحو الله، ونحو ما يرضي الله، وفي استخلافها على الأَرْض بما يعمر هذه الحياة، وبالعدل، وبالحق، ولسعادة الدنيا، ولسعادة الآخرة أيْـضاً.
ذكرى المولد فرصة لتغيير الواقع المظلم لأمتنا
مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف تشدنا أكثر إلى رسو الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وعلى آله والذي استطاع برسالة الله الخاتِمَة، وبمبادئها العظيمة، غيَّرَت كُلّ ذلك الواقع، وابتداءً بالواقع العربي نفسه؛ ذلك العربي الجاهل البدوي المتخلف الذي يركَعُ ويسجد للحجر التي نحتها أو اشتراها، والذي يقتل ابنته وَيَئِدُهَا وهي طفلة، والذي لا يعيشُ الرَّحمةَ في وجدانه ولا كيانه، والذي يَحْمِلُ الخُرَافَة تجاه واقعه، والواقعُ من حوله بعيدٌ عن الحقيقة، والذي ليس له هدف، ولا مشروع في هذه الحياة.. بفعل الإسْــلَام، وبفعل مبادئ الإسْــلَام، وبفعل نور الإسْــلَام، وبفعل حركة نبي الإسْــلَام، تَحَوَّل إلى عربي آخر، إلى عربي راقٍ مؤمنٍ، مُوَحِّدٍ لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، يحملُ القيم، ويترفَّع عن سَفَاسِفِ الأمور، يحمل رسالة الخير وإرادةَ الخير، ويتَحَـرّكُ لإقامة الحق والعدل.
الأُمَّــة المبعثرة المتفرقة المتناحرة المقتتلة المتهالكة على عِقَالِ بَعِيْرٍ، أو على قليل من الغنم، أو على قليل من الأَرْض، أو أي اعتبارات أُخْــرَى، تحوَّلت إلى أمة مُوَحَّدَة تجتمع كلمتُها على أشرف رسالة، على أعظم مبدأ، على أشرف قيم، على أزكى أَخْلَاق، وتَحَـرّكت بعد صراع مرير، وبعد جهود كبيرة، من خلالها تَغَيُّرِ هذا الواقع، لم يكن بالشيء السَّهل ولا بالشيء البسيط الذي تمكّن به الرَّسُــوْلُ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَعَلَـى آلِــهِ من تغيير هذا الواقع.
تَحَـرّك يبلّغُ رسالات الله منذراً، ومبشِّراً، وهادياً، وصابراً على الناس، ومحتسباً في ذلك، بكتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، بآيات الله البينات حتى غَيَّرَ هذه النظرة، هذه الروحية، هذا التفكير السطحي والساذج الذي كان يحكُمُ الإنْـسَـان آنذاك.
فكانت حركة النبي صلوات الله وَعَلَـى آلِــهِ متجهةً إلى هذا الإنْـسَـان الجاهل الغبي المتخلف لتغيير فِكْره، لتغيير نظرته الساذجة، لتزكية نفسه، لتزكية روحه، لتعديل وتقويم سلوكه، للأخذ بيده نحو معارج الكمال الإنْـسَـاني، فلذلك اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى – بفضله، وبرحمته بالبشرية جمعاء، وبرحمته بالبيئة الأولى لهذا الدين بالمنطقة العربية – قال: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِه(الجمعة:2) تلك الأُمَّــة التي لم تكن ترتبط لا بكتاب من كُتُبِ الله، ولا بِهُدى من هُدَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِه وَيُزَكِّيْهِمْ.
وعِمادُ استقامة الإنْـسَـان في الحياة، وصلاحه في الحياة، وَنَفْعِهِ في الحياة، وعلاج مشاكل كُلّ الحياة، التي هِيَ منشأها الإنْـسَـانُ، وعلى يَدِ الإنْـسَـان، زكاءُ الإنْـسَـان، زكاءُ نفسه إذا تَدَنَّسَتْ النفسُ الإنْـسَـانية، ستتحوَّل إلى منبعٍ للشر، وتكونُ هي منشأ كُلّ المشاكل في هذا العالم يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ(الجمعة:2) فتتحوَّل إلى أمة الكتاب التي تتغير كُلّ ما لديها من رؤى سخيفة وأفكار ضالة ومنحرفة، إلى رُؤَى منشأها هُدَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَـى، منشأها كتاب الله؛ لتكون أمة الكتاب، أمة القُــرْآن، التي ترى بنور القُــرْآن، تقيِّم الأشياء من خلال القُــرْآن، نظرتها إلى الواقع من حولها، إلى الأحداث من حولها من خلال القُــرْآن، وتحمل رسالة القُــرْآن، وهدى القُــرْآن، وأَخْلَاق القُــرْآن.
وَيُعَلِّمُهُم الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ لتكون الأُمَّــة الحكيمة، تحمل الحكمة رؤيةً، وتحمل الحكمة سلوكاً، وتحمل الحكمة مواقف، وتتَحَـرّك على أَسَــاس من الحكمة، أمة مُتَّزِنة، تصرفاتها صحيحة وحكيمة، قائمة على أسس صحيحة.
أيُّ نقلةٍ من ذلك الواقع المظلم الذي كان يعيشه العرب! لا حكمة، ولا زكاء، ولا هدى، ولا مشروع، إلى أمة بين يديها الحكمة التي قدّمها رَسُــوْل الإسْــلَام من خلال القُــرْآن، من خلال تلك التعاليم العظيمة، الحكمة في السلوك، الحكمة في التصرفات، الحكمة في المواقف، الحكمة في القول، والحكمة في الفعل.
الرسالة الإلهية هي مشروع النجاة وملاذ الأمة بعد فشل كل الرهانات
إن الرسالة الإلهية بما فيها من قيم وأخلاق ومبادئ ونور ستبقى هي مشروع النجاة وملاذ الأمة بعد فشل كل الرهانات والاتجاهات الضالة والزيف المحسوب على الإسلام, وكما كان مسارها في حركة رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) مساراً عظيماً ومتكاملاً غيّر الواقع تماماً آنذاك، الواقع المظلم بكل ما فيه من ظلال وجهل وتخلف وشتات وفرقة وانعدام للمشروع والهدف وبنى بناء متكاملاً في شتى مجالات الحياة, ولم يكن مساراً قائماً على الرهبانية ومنغلقاً داخل أسوار المساجد في عزلة عن الحياة والواقع, بل كان له نتيجته التي في مقدمتها الإطاحة بالظلم والفساد وإصلاح الواقع والقضاء على نفوذ وتسلط المجرمين في الجزيرة العربية, ثم التأثير في الواقع العالمي, وتجلى بوضوح في حركة النبي محمد عظمة وقوة الرسالة الإلهية وقدرتها على التغيير ومواجهة التحديات, وإذا أرادت الأمة اليوم تغيير واقعها وتصحيح وضعها فذلك مرتبط بعودتها الجادة الواعية إلى مبادئ وقيم وأخلاق هذه الرسالة, وإلى الرسول (صلى الله عليه وآله) قدوة تقتدي به وقائداً وأسوة والتعرف عليه وعلى مسيرته العملية وحركته بالرسالة الإلهية التي هي رحمة من الله للعالمين, وبالتمسك بها تحظى الأمة من الله بالنصر والعون والتأييد وتستعيد دورها الحضاري بين الأمم مقيمة للعدل متخلصة من هيمنة الطغاة والظالمين.
إن فشل المسلمين للأسف في إبراز قيم الإسلام وتجسيدها في الواقع بالشكل المطلوب أساء كثيراً إلى الإسلام لدى الشعوب الأخرى, والمسؤول عن هذا الفشل هم الحكام الجائرون ومعهم المضلون والمبطلون الذين زيفوا الإسلام؛ ولذلك يسعى الأعداء إلى تقديم الزيف المحسوب على الإسلام ممثلاً عن الإسلام لإفقاد الأمة والشعوب الأخرى الأمل به مستقبلاً, وهم في هذه المرحلة يلبسون الاستبداد والعمالة ثوباً إسلامياً لأجل هذا الهدف, ويسعون لإيصال بعض القوى المتلبسة بالإسلام شكلاً والبعيدة عن مبادئه المثلى وقيمه العظيمة مضموناً يحاولون أن يوصلوها إلى السلطة لهذا الهدف, ويعملون على أن يكونوا هم البديل عن الرسالة والرسول وعن الأنبياء في موقع التأثير في الأمة وصياغة واقع الأمة حسب أهوائهم فيما يخدم مصالحهم ويطمس هوية الأمة الإسلامية, وفي مواجهة ذلك فإن الأمة اليوم معنية بالحفاظ على أصالتها في مواجهة الزيف والتحريف والتظليل, والعمل على الحفاظ على استقلالها, والانعتاق والتحرر من هيمنة أعدائها ومن عملائهم الذين يريدون تحويل أمة بكلها الأمة الإسلامية في المنطقة العربية وغيرها يريدون تحويل الأمة بكلها وكل ما لديها من مقدرات ومن جغرافيا إلى مجرد ورقة بيد أعدائها ومصادرة وجودها المستقل والحضاري وهذا ظلم كبير للأمة ولا يجوز أن تقبل به الأمة، ويمكنها الاستفادة من مناسبة المولد النبوي الشريف.