عمليتا الضبَّة وقنا: نذيرُ المُسيّرات خارجَ وداخلَ اليمن
||صحافة||
شكّل الاحتلالُ للمحافظات الغنية بالطاقة غِطاءً لمرحلة جديدة من هدر الثروة ورعاية أشكال الفساد والنهب المنظم لمقدرات اليمن وأهمها الثروة النفطية، ومع محاولة مضي معسكر العدوان نحو تمديد الهُــدنة دون اتّفاق في ميدان الاقتصاد بعد هُــدنة 6 شهور تدحرجت مقاربة جديدة لمِلف الثروة السيادية المنهوبة، حُرّمت المياهُ اليمنية على الشركات الناقلة للخام اليمني، ووُضعت الشركاتُ المشاركةُ في الإنتاج والمشغِّلة أمام مهمة رفع اليد عن عمليات الإنتاج وطي مرحلة الاتّفاقات الأُحادية، ورغم البيانات والمراسلات الرسمية من اللجنة الاقتصادية العليا والتصريحات السياسية المتكرّرة تجاهلتها الشركاتُ ذات الصلة، حتى تحوّلَ التهديدُ بالكلام إلى خطوةٍ عملانية في إطار التحذير وبدا للناهبين بصفاتِهم المتعددة أن ما اعتقدوه ضمن ضغوط التفاوض، لم يكن كذلك، وفي المقابل لم تتوقف ردودُ الفعل المُزايدةُ والمندّدة والمستهجِنة والمستغربة على الشعب اليمني فرضَه مِظلَّةَ حماية ضامنة لحق سيادي يجب توجيهه لحساب المرتبات والأجور والخدمات العامة، ضمن حملة المزايدة، الدور الرئيسي أمريكي بريطاني فرنسي، لماذا؟ ما وراء الامتعاض الغربي؟ وغيره من تعليق إنتاج النفط اليمني حتى التوصل لاتّفاق تذهب معه مداخيل هذه الثروة السيادية لتغطية مرتبات موظفي الدولة وتحسين الخدمات العامة بدرجة رئيسية؟ ولما الانزعَـاج من إنجاز حماية الثروة اليمنية وَوقف نهبها؟
الصورةُ قد تتكرّر
هذا الإنجازُ في حماية الثروة يكرِّسُ تحوُّلَ موازين القوى ويحمل رسالة قاسية لأمريكا والدول التابعة لها أُورُوبيا، جوهرُها أن الصورة في اليمن ــ توقف إنتاج النفط وتصديره ــ مثال على ما يمكن أن تكون عليه الحالة في المملكة العربية السعوديّة، في ظل استمرارِ محاصَرة تدفُّق سفن الوقود والبضائع التجارية صوب موانئ الحديدة وتطور تداعيات وأثر ذلك وأية تطورات ميدانية تفرض ردَّ فعل يناسبها ويباغت المعتدين في أحد أهم مراكز إنتاج الطاقة في العالم في مرحلة لا تحتمل أي تراجع في إمدَاداتها وتصاعد في أسعارها.
وليس العامِلُ الزمني وحدَه ما يجبُ النظرُ إليه فيما قد يحدث، إذ إن مخاوفَ الاهتزاز قائمة في ظل أفضل الأوضاع ثباتاً في سوق الطاقة على المستوى العالمي، وراء التصريحات الغربية وملحقاتها تجاه معادلة حماية الثروة، تخوُّفٌ أمريكي غربي من انتظام مواصلتها كاستراتيجية لتأمين استحقاق رفع الحصار على اليمن بشكل كلي وقائمة الاستحقاقات المشار إليه في خطابات السيد قائد الثورة.
هذا التخوُّفُ زامنته شواهدُ عبَّرت عنه، وإن بشكل غير مباشر، أبرزها ما أوردته تقارير غربية عن إمْكَانية توجيه إيران ضربةً غيرَ مباشرة للسعوديّة، وما نقله موقع بوليتكو الأمريكي عن مسؤول في البنتاغون “من المحتمل أن إيران تخطط لشن هجمات على البنى التحتية النفطية في السعوديّة”، إيران هنا تعني اليمنَ!، فدائماً ما اعتبر الأمريكيُّ كُـلَّ عملية يمنية بوجه العدوان والحصار، عمليةً إيرانية!، ويمكنُ هنا التذكيرُ على سبيل المثال بالاتّهام الأمريكي المباشر للجمهورية الإسلامية في إيران بتنفيذ عملية بقيق وخريص الشهيرة ومن الأراضي الإيرانية، هذا الجنوحُ بمصدر المخاوف لا يلغيها ولا يخفِّفها ويمكنُ عَدُّه إشارةً للمقايضة في مِلفات التفاوُضِ وأوراق الضغوط مع طهران التي لم تتأخر في التأكيد على “أن الشعب اليمني وقادته من يتخذ القرارَ بشأن تمديد الهُــدنة” بحسب بيان للخارجية الإيرانية قبيل أَيَّـام.
أمرٌ آخر هو تعاظُمُ حضور عُنصر الطائرات المُسيَّرة بقوة في فرض المتغيرات والانتصار للحقوق، من اليمن إلى لبنان ــ كما عكست عمليةُ المسيَّرات الثلاث فوق حقل كاريش ــ واحديةَ الأدَاة هذه ضمن محور واحد ثبت واحدية المعركة مع معسكر الاستكبار وحلفائه في منطقتنا، الأمريكي أَيْـضاً يمعن النظر جيِّدًا إلى مسرح مواجهة واسع يبدأ في البحر العربي ويمتد حتى البحر الأبيض المتوسط.
المعادلةُ وإنجازُها يحرم سوق الطاقة من ثلاثة ملايين ومِئتَي ألف برميل شهريًّا من النفط الخام -وفقَ وثائقَ جديدةٍ حصلت عليها “المسيرة”-، حتى عودته، وهذا الأمرُ وإن كان ليس ذا ثقل لكنه بشكل أَو بآخر يعني نسبةَ طلب مُضافة في الساحة الدولية وسط زحمة اللهاث الغربي ــ الأمريكي ــ أَوَّلًا لتهدئة أسعار النفط.
الأرَقُّ متعدِّدُ الوجوه
ما يؤرِّقُ الأمريكيَّ والفرنسي والبريطاني وأدواتِهم إقليميًّا ومحليًّا لا يقتصرُ على أبعادِ معادلة حماية الثروة وإنجازها على المستوى الخارجي، بل وانعكاسهما على ترتيبات قوى العدوان في المحافظات المحتلّة أَو قل في جغرافيا مأرب شبوة حضرموت، الأخيرة باتت بمثابة قاعدة للقوات الأمريكية وشبوة للإماراتية، وهي أَيْـضاً مركز تسييل وتصدير الغاز، أما مأرب فمنطقةُ المنبع لهذه السلعة الحيوية التي ظن الفرنسيون أنها ستخفِّفُ برودةَ الشتاء.
المعادلة الحامية للموارد أغلقت ثغرةَ نهب الغاز الطبيعي وأعدمت أية إمْكَانية للعبور منها لصالح أزمة الطاقة في فرنسا ولربما بريطانيا، وهو ما قد يفسر الحضور البريطاني ضمن طابور الممتعضين من معادلة حماية الثورة وإنجازها وإن كان عداءُ كُـلّ القوى الغربية متأصلاً تجاه اليمن، تحَرِّكُه عواملُ ترتبطُ بعقيدتها وتوجُّـهاتها وسياساتها تجاه الأُمَّــة الإسلامية بشكل عام واليمن على وجه الخصوص.
معادلةُ حماية الثروة وإنجازها يسهلان مهمةَ المفاوض اليمني ويمنحانه زخماً جديداً في المعركة الدبلوماسية، وتحقيق رضوخ المعتدين في الميدان الدبلوماسي والتفاوض يعني أَيْـضاً تعميقَ أزمة التناقُضات وسط قوى العدوان وتوسيع امتدادِها إلى مساحات غير مسبوقة.
ضمن خفايا حملةِ الامتعاض والضجيج الغربي تجاه فرض معادلة حماية الثورة وإنجازها هو النتائجُ المستقبليةُ المرتبطة بأي اتّفاق يوجه عوائد النفط لحساب المرتبات والأجور والخدمات، على أكثر من صعيد، بما سيُحْــدِثُ من دورة اقتصادية أولاً ويخفِّفُ من آثار ضغوط العدوان والحصار ثانياً، ويخلقُ من رضا شعبي فائض ثالثاً، وغيرُ ذلك يمكنُ تتويجُ هذه القراءة بالإشارة إلى أن الصُّراخَ الغربي من حماية اليمن ثروته يتصل بسياسة تجويع اليمنيين ومفاقمة معاناتهم، نحن أمام دأبٍ مُستمرٍّ حريصٍ على تخليقِ المعاناة يمنياً، أمريكا لا تريدُ أن يقومَ للشعب قائمة، وهذه الحملةُ جزءٌ من سياسة ابتزاز المجتمع وإرهابه، وأصحُّ الردود عليها تزخيمُ خُطُواتها وتوسيعُ دائرتها، وهو ما قد تشهده الفترة القادمة.
صحيفة المسيرة| عبد الحميد الغرباني