نهايات سوداء.. مرتزقة رهائن وفي السجون وآخرون في مقابر مجهولة
موقع أنصار الله ||مقالات ||عبدالرحمن الأهنومي
تحولت قصة العسكري الذي تم استئجاره في مصر من قبل نظام الخواجات ضد المصريين إلى فيلم سينمائي ظل ممنوعًا من العرض حتى سُمح به عام 1982 ، ويبدو أن الراوية التي جعلت قصة العسكري الأسود نواة لفكرة جيش مُستأجر يشارك جنود العدو في الحروب مقابل المال ، تنطبق على حال المرتزقة اليوم الذين انتهى بهم الأمر إما قتلى وإما في السجون السعودية والإماراتية.
في مارس 2015 أحضرت مملكة العدوان السعودية مرتزقتها من اليمن إلى مؤتمر الرياض ، وصرفت لهم أموالا وإقامات ومعاشات ، قبل ذلك أطلقت الحرب العدوانية على الشعب اليمني بحجة إعادة شرعية المرتزق هادي الذي أحضرته حينها إلى قصر فخم في الرياض ليكون ذريعة للحرب الغادرة وحجة لها.
كان الفار هادي رئيساً انتقالياً لما بعد ثورة 2011 ، يعمل من صنعاء كموظف مأمور لدى السعودية ، أما في الرياض فبقي على مدى سنوات الحرب العدوانية حجة للحرب وذريعة لاستمرارها .
في مارس 2022 أحضرت مملكة العدوان السعودية المرتزقة أنفسهم إلى قاعة في الرياض لما أسمي بالمشاورات ، وفيها قامت بحبس الفار هادي ومعه علي محسن الأحمر وأخضعتهما لإقامة جبرية في أماكن غير معروفة ، وأحلَّت بديلاً عنهما مجلساً شكلته من ثمانية مرتزقة من مستويات أدنى من هادي وعلي محسن الأحمر.
وما بين مارس 2015 ومارس 2022 ، شكلت مملكة العدوان السعودية حشداً المرتزقة والعملاء في فصائل وعصابات زجت بها إلى ميدان المعارك في الحدود وفي السواحل والأطراف ، وزجت بهم كالجرذان إلى المعارك في الحدود ومارب والسواحل وفي أكثر من خمسين جبهة أرادت بها تطويق اليمن واحتلاله.
خلال سنوات الحرب العدوانية شكلت مملكة العدوان السعودية جيوشاً جرارة من المرتزقة اليمنيين ، وزجت بهم إلى خمسين جبهة ميدانية ، في المقابل جندت دويلة الإمارات آلافاً آخرين وزجت بهم في حروب الساحل والبيضاء وشبوة ، لا جيش وطني ولا مقاومات، بل جيوش عميلة ومأجورة توزعت على فصائل تقبض وتقاتل من أجل السعودية ، وأخرى تقبض وتقاتل من أجل دويلة الإمارات ، وعلى هذا النحو قُتلوا بالآلاف المؤلفة تحت رايات تحالف العدوان ، وقتلوا بالآلاف أيضاً في حرب التصفيات البينية العنيفة.
وفي خضم الحرب الميدانية لقي مئات الآلاف من المرتزقة اليمنيين مصرعهم في ميدي ونهم وحرض والساحل والبيضاء ومارب وفي الحدود وهم يقاتلون مجتمعين ضد اليمنيين يخوضون معارك كالجرذان المهووسة مجتمعين في جبهات عديدة مع تحالف العدوان على اليمن.
وكما رأيناهم بالآلاف يقاتلون مجتمعين مرتزقة ومأجورين تحت راية تحالف العدوان الأجنبي على اليمن ، رأيناهم عصابات متناحرة تقتتل فيما بينها لصالح مشغليها ورعاتها على تعددهم ،.وقُتلوا بالآلاف كوقود لحروب التصفيات البينية التي اشتعلت بينهم في عدن وشبوة والساحل ، فحين كانت الألوية المؤلفة من المرتزقة المحسوبين على المجلس الانتقالي ومن المرتزقة المحسوبين على الإصلاح وبقية الفصائل التي تتبع مملكة العدوان السعودية تقاتل مجتمعة في حدود السعودية ولحمايتها ، كانت تقتل في عدن وأبين وشبوة التي تحولت إلى محارق بينية شارك فيها الطيران الإماراتي والسعودي أيضا لحصد مزيد من القتلى في صفوف مرتزقتهم.
على امتداد سنوات الحرب العدوانية على اليمن تشكل المرتزقة في شكل فصائل وعصابات ومليشيات تحت رايات وبيارق تحالف العدوان ، وظلوا يدَّعون بأنهم جيش وطني ومقاومات وطنية ، والحقيقة أنهم مجرد أدوات وبيادق في أيدي المشغلين يتفقون ويتصارعون حسب أهوائهم.
في وقت سابق قالت مجلة التايم الأمريكية الشهيرة: إن المرتزقة اليمنيين أرخص مرتزقة في العالم، بحيث لا يصل سعر المرتزق في جنوب اليمن الذي تسيطر عليه دويلة الإمارات إلى مئة دولار وأحياناً إلى مئتين ، أما في الحدود السعودية فالقصة كانت أفظع.
إذ كشفت قناة الجزيرة في العام 2019 في فيلم تحقيقي أن مملكة العدوان السعودية تجند حتى الأطفال اليمنيين وتحشدهم إلى المعارك ، بل وكشفت الجزيرة عن أن السعودية تستخدم اليمنيين الذين تستدرجهم عبر شبكات الاتجار بالبشر للقتال في حدودها الجنوبية ، وقالت: إن الآلاف من اليمنيين الذين ذهبوا للقتال مع السعودية في محارق الحدود ، قُتلوا أو جُرحوا وعاملتهم السعودية كما لو أنهم غير موجودين.
وأشارت إلى أن السعودية عملت على ترقيم الآلاف من هؤلاء المرتزقة كجنود ومنحت بعضهم رُتباً عسكرية وهمية ، حين قُتلوا اعتبرتهم جنوداً وهميين لا يملكون أي حقوق ، ولفتت إلى أن آلافاً من هؤلاء الذين قتلوا في معارك دفاعاً عن الحدود السعودية، دُفنوا في مقابر داخل المملكة دون علم أُسرهم، وأن آخرين ما زالت أسرهم لا تعلم مصيرهم.
وتضيف أن هؤلاء اللفيف من المرتزقة حصلوا على رواتب لمرة واحدة فقط، وحين يطالبون بالحصول على إجازة يكون التعامل معهم في المنفذ السعودي كمتسللين غير شرعيين، تسجل السعودية بصماتهم إلكترونياً، ثم يُمنعون من دخول المملكة حتى لو حصلوا على تأشيرة رسمية.
قبل أن يستجيب لطلب السعودية بإعلان التنحي والاستقالة في مارس 2022 ، تعرض المرتزق هادي لصفع وركل ودوس الضباط السعوديين لإجباره على التنحي ، لم يظهر هادي في مشاورات المهزلة تلك، فقد زُجَّ به في السجن حينها وإلى اليوم ، وقد كشفت صحيفة التايم الأمريكية في أبريل هذا العام أن السعودية تحتجز هادي وعائلته رهائن في سجن مخفي ، وحال علي محسن الأحمر غير معروف أيضاً.
في مارس من هذا العام أيضا أعلنت مملكة العدوان السعودية مجلساً رئاسياً نصَّبته حاكما على اليمن في ختام ما أسمتها مشاورات الرياض التي أحضرت إليها ألف مرتزق ليشهدوا الإعلان بتنحي هادي وتفويض مهامه لمجلس العليمي المكون من ثمانية مرتزقة ، لم يكن أحد من المرتزقة يعلم عما تريده السعودية شيئاً حتى سلمت الأرواق لأحدهم لقراءتها.
لم تكتمل سنة واحدة على تصعيد المرتزق العليمي ومجلسه بدلاً عن هادي المسجون ، إلا وقد أصبح العليمي تحت الإقامة الجبرية هو الآخر ، إذ تكشف المصادر أن السعودية وضعت المرتزق رشاد العليمي تحت إقامة جبرية في الرياض ، قبل ذلك استدعت المرتزق عيدروس الزبيدي إلى الرياض لتضعه في السجن هو الآخر ، غير أن الإمارات التي تدخلت ونقلت الزبيدي إليها وضعته هي الأخرى تحت إقامة جبرية واحتجزت عائلته رهينة هناك.
أمين العكيمي الذي عمل محافظاً للعدوان على الجوف ، اختطفته السعودية ووضعته في سجن انفرادي منذ أشهر ، وحين أراد هيكل حنتف- وهو أحد قيادات المرتزقة الذي كان يعمل بمنصب قائد منطقة عسكرية- السفر للعلاج إلى القاهرة أجبرت السعودية الرحلة الجوية التي كان على متنها على الهبوط إلى إحدى مطاراتها ، لتخطف حنتف وتقتاده إلى السجن، ومن حينها لم تُرَ له صورة ، سلطان العرادة وحسب المعلومات هو الآخر رهن الإقامة الجبرية لدى السعودية ، أما عوائل كبار المرتزقة وقادتهم فتستخدمهم السعودية والإمارات رهائن لديهما وتحتجزهم منذ سنوات.
هكذا أضحت السعودية معتقلاً لكبار المرتزقة بعدما استخدمتهم وشغلتهم في معاركها ، وظلوا مجرد بيادق وأدوات طيّعة لها في حربها ضد اليمن ، وكذلك فعلت دويلة الإمارات ، وحسب تقديرات فإن أكثر من ثلاثمائة ألف مرتزق جلبتهم السعودية وشكلت بهم جيشاً لخوض المعارك الميدانية بعدما واجهت مأزقاً كبيراً في المعارك البرية بسبب ضعف وهشاشة جيشها ، أما دويلة الإمارات فقد شكلت جيوشاً عديدة في شكل شركات أمنية مأجورة للسيطرة على عدن وبعض المناطق اليمنية.
هكذا استخدم تحالف العدوان الفار هادي وعلي محسن والعكيمي والعليمي وألف ألف مأجور ومرتزق يمني رخيص ، هكذا تجند ثلاثمائة ألف مرتزق يمني في صفوف الغزو والعدوان الأجنبي على بلادهم ، لكنهم أغفلوا مشهد الذروة الذي انتهى بهم إلى السجون ، حيث الصفع والركل والإخفاء وحجز العوائل والأبناء رهائن ، هكذا ينتهي الحال بكل من يخون بلده وأهله وشعبه ويتجند في صفوف السعودية والإمارات.
هذه النهايات والمصائر لمرتزقة العدوان تشبه ذروة البعد التمثيلي في فيلم «العسكري الأسود» الذي أحاله السرد القصصي إلى أمثولة دالة تنطق ببعض دلالاتها المباشرة، امرأة عجوز من الجيران حضرت على أصوات الصراخ الفظيع مع الجارات، ولم تملك سوى أن تهمس للواقفة جوارها، وهي ترى ما انتهى إليه حال «الزنفلي» الذي كان مستأجراً من أعداء بلاده لتقول «لحم الناس يا بنتي، اللي يدوقه ما يسلاه يفضل يعضّ إن شاء الله ما يلقاش إلا لحمه».