مسؤولون وباحثون سياسيون: مؤسّساتُ الحكومة في وضع كارثي ويجب إعادة بناء الدولة بما يخدم مصالح الشعب

||صحافة||

يكشف خطاب قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- فيما يتعلق بمسار أداء الحكومة عن رصد دقيق للعمل الرسمي، وعدم تجاهل لما يحدث من وضع غير سليم، وجهود كبيرة لتصحيح الاختلالات.

ووصف قائد الثورة في خطاب له بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد الوضع الرسمي لأجهزة ومؤسّسات الدولة بالمزري، مشدّدًا على ضرورة العمل الجاد في تحسين وتفعيل الدور الرقابي ورفع أداء المؤسّسات الرسمية.

ويأتي خطاب السيد في مرحلة مهمة من مواجهة بعض التحديات والمشاكل التي يعاني منها البلد في ظل استمرار العدوان الأمريكي السعوديّ للعام الثامن على التوالي وتأثيراته الجسيمة على كُـلّ أشكال الحياة في اليمن.

ويرى عدد من الباحثين والمستشارين أن خطاب السيد يحمل دلالة عميقة مفادها أن دماء الشهداء لن تذهب هدراً في ظل عدم المبالاة والتسيب في أجهزة الدولة، موضحين أن هناك أسباباً ذاتية وموضوعية أَدَّت إلى ذلك، متعلقة بمسار تاريخي من تدهور الدولة اليمنية، وهي سابقة لانتفاضة 2011م، ومن بعد هذا العام بدأ مسار التدهور يمضي بسرعة أكبر، وتأزم الوضع مع الصراع الاجتماعي السياسي المُستمرّ من 2011م حتى 2014م، لتدخل البلد في وضع جديد أكثر كارثة، أثر على الدولة بصورة مباشرة من بعد التدخل العسكري والحرب العدوانية الأمريكية السعوديّة على بلادنا والتي بدأت في العام 2015م، فما نلمسه اليوم من كارثية في وضع مؤسّسات الدولة وأداء الحكومة لا يُمكن فصله عن هذا المسار التاريخي، دون أن يعني ذلك تبرير الأداء الحكومي البائس لحكومة الإنقاذ الوطني.

 

دماءُ الشهداء لن تذهبَ هدراً

وفي هذا الجانب يؤكّـد مستشار المجلس السياسي الأعلى عبدالإله حجر، أن حديث قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي -يحفظه الله- عن الوضع الرسمي ومؤسّسات الدولة له دلالة عميقة مفادها أن دماء الشهداء لن تذهب هدراً في ظل عدم المبالاة والتسيب في أجهزة الدولة، موضحًا أن وصفه لها “بالوضع المزري” أي الأكثر سوءًا ينبه إلى أن هناك رصداً دقيقاً وكاملاً وتقييماً لأداء أجهزه الدولة، وخَاصَّة بعد ما قدمه السيد -يحفظه الله- من دروس ومواعظ في شهر رمضان المبارك، وكذلك المحاضرات المخصصة لعهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر، وما تبعها من لقاءات مع قيادات الدولة ومسؤولي ووجهاء المحافظات.

ويضيف حجر في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة”: “وفي الحقيقة أن رفع أداء المؤسّسات يتطلب إجراءات عديدة منها: تقليص عدد الوزارات إلى الحد الأدنى بدمج الوزارات ذات الطبيعة المتقاربة ودراسة ضم كُـلّ الهيئات والمؤسّسات المستقلة إلى الوزارات المعنية، والتزام مكتب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء بمهامها الإشرافية والمساندة والمساعدة لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وكذلك العمل على إلغاء الازدواج الوظيفي في كُـلّ أجهزة الدولة التنفيذية، والعسكرية، والأمنية، والقضائية”.

ويزيد بالقول: “إعداد قاعدة بيانات لقيادات الدولة وإيلاء الاهتمام اللازم لحسن اختيار القيادات بحيث يجمعون بين الولاء والنزاهة والكفاءة، والاستعانة بالكوادر الوطنية ذات الخبرة والمشهود لها بالقدرة وحسن السيرة، بالإضافة إلى العمل على صرف الرواتب شهريًا لكل الموظفين الذين على رأس العمل (المتواجدين والعاملين بالفعل)، إضافة إلى تشكيل هيئات استشارية في كُـلّ مصلحة أَو وزارة ومؤسّسة من قدامى الموظفين العاملين وكذلك المتقاعدين لإعانة القيادات العليا للجهات لاتِّخاذ القرارات السليمة وإدلاء المشورة السديدة.

ومن ضمن الإجراءات التصحيحية التي يذكرها حجر، التقيد بأنظمة وقوانين ولوائح الأجهزة والمؤسّسات وقانون الخدمة المدنية، وإخضاع شغل الوظيفة العامة للإعلان والمسابقة والاختبار، إلى جانب إيقاف الترقيات إلى الدرجات العليا (وكيل، نائب، وزير) إلى حين توقف العدوان، وكذلك تفعيل إدارات الرقابة والمراجعة في جميع المؤسّسات.

ويكمل قائلاً: “الاكتفاء بجهة رقابية واحدة متخصصة لأجهزة الدولة وهي الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وتفعيل دوره والالتزام بتقاريره وإحالة القضايا المتعلقة بالفساد للنيابة العامة، تفعيل وزارة التخطيط والجهاز المركزي للإحصاء لأداء دورها المهني والفني كاملًا”.

ويتحدث حجر عن أن هناك بعض المشاكل والمعوقات التي تحول دون رفع أداء مؤسّسات الدولة، من أهمها الحصار القائم وانعدام الموارد المالية الخَاصَّة بعائدات تصدير النفط والغاز والاستمرار في اتباع سياسة التقاسم في أجهزة وسلطات الدولة، وكذلك نقص الخبرة والكفاءة لدى بعض القيادات الشابة والتي يمكن صقلها بالتأهيل والتدريب والاستعانة بالخبرات.

 

يجبُ متابعةُ تطبيق القرارات

بدوره يرى الباحث والكاتب السياسي أنس القاضي، أن الوضع بالفعل مزرٍ، بل وكارثي، وأن هناك أسباباً ذاتية وموضوعية أَدَّت إلى ذلك، أما الأسباب الموضوعية فهي متعلقة بمسار تاريخي من تدهور الدولة اليمنية، وهي سابقة لانتفاضة 2011م، ومن بعد هذا العام بدأ مسار التدهور يمضي بسرعة أكبر، وتأزم الوضع مع الصراع الاجتماعي السياسي المُستمرّ من 2011م حتى 2014م، لتدخل البلد في وضع جديد أكثر كارثة، أثر على الدولة بصورة مباشرة من بعد العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا سنة 2015.

ويشير القاضي في حديثه لصحيفة “المسيرة” إلى أن ما نلمسه اليوم من كارثية في وضع مؤسّسات الدولة وأداء الحكومة لا يُمكن فصله عن هذا المسار التاريخي، دون أن يعني ذلك تبرير الأداء الحكومي البائس لحكومة الإنقاذ الوطني.

ويضيف أن المسألة الأُخرى متعلقة بالتناقض ما بين الأشكال التنظيمية والقوانين والنُظم في الدولة اليمنية التي تنتهج الرأسمالية اللبرالية في الاقتصاد والإدارة، وما بين المهام الملقاة على عاتقها المتمثلة في خدمة الشعب، فجهاز الدولة اليمنية وأنظمتها مضادة لمصالح الشعب ولا تستطيع أن تكون خادمة للشعب بدون تغيير طبيعتها الحالية فهي حتى اليوم جهاز لخدمة الطبقات الاجتماعية الرأسمالية والفئات الثرية والمترفة، وهناك حاجة إلى إعادة بناء الدولة على أسس شعبيّة، وبما يخدم مصالح الشعب، وهذه مهمة الثورة الشعبيّة.

ويزيد بالقول: “إلى جانب هذه العوامل الموضوعية، المتعلقة بمسار التدهور التاريخي والعدوان، وطبيعة الدولة اليمنية كدولة غير شعبيّة، إلى جانب ذلك فهناك، تقصير وأخطاء، وقعت وتقع بها حكومة الإنقاذ الراهنة والقيادة السياسية عموماً”.

ويؤكّـد أن هناك هوة بين قرارات الحكومة وبين الاحتياجات الواقعية للشعب، فالدولة بعيدة عن الواقع الملموس وعن احتياجات الشعب، ويكذب من يزعم غير ذلك، فكل جهود الدولة موجهة حَـاليًّا نحو القضايا النظرية، مثل الرؤية الوطنية لبناء الدولة، مدونة السلوك الوظيفي، الربط الشبكي، الخارطة الرقمية، وغيرها من القضايا التي هي مهمة، لكنها ليست ملحة اليوم، فالملح اليوم هو متابعة القضايا المرتبطة بصورة مباشرة بحياة الشعب.

ويواصل حديثه: “هذا من جهة ومن جهة أُخرى، وحين توجد قرارات وتوجّـهات موضوعية، تهدف إلى خدمة الشعب ويؤكّـد عليها قائد الثورة بشكل دائم، فلا يتم تطبيق هذه القرارات ولا متابعتها، ومنها على سبيل المثال متابعة وضع خدمة الكهرباء الخَاصَّة والحكومية، ومتابعة الأسعار، ومتابعة أوضاع العلاقة بين المؤجر والمستأجر، صندوق دعم المعلمين، وعدم استيراد بعض المنتجات الزراعية، وغيرها من التوجّـهات والقرارات المهمة، موضحًا بقوله نجد أنها حبر على ورق، فهناك تقصير في المتابعة والتنفيذ، وهناك مصالح طفيلية غير مشروعة تحول بين هذه القرارات وبين تنفيذها.

ويشير إلى أن حكومة الإنقاذ عليها أن تدير الدولة بحكمة، وترشد الإنفاق، وتوجّـه ما في يدها من الموارد نحو الاحتياجات الواقعية، وتتابع القرارات التي تصدرها، وتخفف من فرض الضرائب والجبايات الكبيرة التي تنعكس في أسعار السلع والخدمات، لافتاً إلى أن على الحكومة أن تراعي فعلاً الوضع التاريخي فالبلد في حالة حرب وعدوان، وهو ما يتطلب أداء حكومياً ثورياً، ومعاييرَ علمية في التعيينات.

ويستطرد حديثه: “وهناك مسألة مهمة وهي ضرورة تجسيد الشراكة الوطنية، وعدم اتِّخاذ أية إجراءات ذات طابع ثقافي وسياسي وتعديل المناهج والتدخل في الحريات العامة، فالإجراءات الأحادية التي تشعر المواطنين بأن الدولة تخص مكوناً ومذهباً ومنطقة بعينها مسألة خطيرة جِـدًّا، موضحًا أن الموظف الحكومي حين يشعر أن الدولة باتت تمثل مكوناً بعينه لا دولة كُـلّ الشعب لا ريب أن دافعه لرفع الإنتاج وتطوير العمل سيكون أقل، بل وسيتعامل مع الدولة كجهاز غريب عنه سيهمل ويقصر وإن وجد فرصةً سيخرب وينهب.

ويضيف كما أن مسألة العمل الجاد في توفير ما أمكن من رواتب للموظفين أَو مساعدات، هذه المسألة أَيْـضاً مهمة؛ لأَنَّه واقعياً من لا يملك لا يعطي، والموظف الذي يذهب ويعود إلى المقر الحكومي ولا يجد إيجار الطريق لن يقدم الكثير.

 

 

صحيفة المسيرة

قد يعجبك ايضا