النتيجة الحتمية لفقدان الهوية الإيمانية

 

نحن في هذا العصر كأمةٍ مسلمة إذا فقدنا هويتنا الإيمانية، فالنتيجة الحتمية المؤكدة هي الضياع، لا يحمي لنا كأمةٍ مسلمة كياننا ووجودنا كأمة، ويحفظ لنا وجودنا كأمة، ويحمينا كأمة، ويدفع عنا المخاطر والتحديات التي نعيشها كأمة، إلا الحفاظ على هذه الهوية، إلا الالتزام بهذا الانتماء بمفهومه الصحيح، والتمسك به بمفهومه الصحيح، وتنقية واقعنا حتى يتطابق مع هذا المفهوم بشكله الصحيح، هذا شيءٌ نحتاج إليه، حالة الاستهداف وما يمتلكه أعداؤنا من إمكانات تؤثر على الكثير من أبنائنا في كل شؤون حياتهم، إمكانات إعلامية هائلة، إمكانيات للغزو الثقافي والفكري، وللتضليل وللإفساد، تؤثر على الكثير من أبناء أمتنا في مفاهيمهم، في ثقافاتهم، في تفكيرهم، وحتى في نمط حياتهم، وفي سلوكهم، وفي أعمالهم؛ ثم بالتالي في واقعهم، حالة خطيرة جدًّا، حالة تساعد العدو على أن يسيطر علينا.

العدو إذا سيطر على أفكارنا، العدو إذا سيطر على مفاهيمنا، العدو إذا أثَّر علينا في سلوكياتنا وحياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، العدو إذا تغلغل إلى واقع حياتنا وأصبح متحكماً بتفكيرنا وبسلوكياتنا وأعمالنا؛ حينها سيكون- بلا شك- مسيطراً علينا، ومتحكماً بنا، ومسيطراً على واقعنا بشكلٍ تام، حينها نضيع، نصبح أمةً مستغلة، وهل العدو يريد لنا الخير؟ |لا| هم كما قال الله عنهم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، هم كما قال الله تعالى عنهم: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}[البقرة: من الآية105]، لو استطاعوا أن يقطعوا عنا حتى الأكسجين في هذه الدنيا لأوقفوه عنا وقطعوه عنا، لو استطاعوا لحجبوا عنا نور الشمس،

لو استطاعوا لسلبوا منَّا كل خيرٍ حتى من الله، فكيف يمكن أن يريدوا لنا الخير من أنفسهم ومن عندهم، كل سياساتهم، كل برامجهم، كل توجهاتهم التي يستهدفوننا بها هي تصب في اتجاهٍ واحد، ولتحقيق هدفٍ واحد: هو السيطرة التامة علينا، عندما يسيطرون على الأفكار، على الثقافات، على المفاهيم، حتى على نمط الحياة، والبعض يندهش لهم، يتأثر بهم، ينبهر بهم، ثم يسعى لتقليدهم، ثم يتقبل كل ما هو آتٍ من عندهم، وهو في هذه الحالة يصبح تحت سيطرتهم، السيطرة عليه تحققت بشكلٍ تلقائي،

 في مثل هذه الحالة نعيش حالة الضياع، لا نستطيع حتى أن نبني لنا حضارة إذا فقدنا هويتنا الإيمانية؛ لأنهم لا يريدون لنا أن نكون أمةً قوية، لا يريدون لنا أن نكون حتى في واقعنا الاقتصادي أمةً قويةً في اقتصادها، متمكنةً في اقتصادها، انظروا حتى إلى أولئك الذين يوالونهم ويقفون في صفهم ما هو حالهم؟ ما هو وضعهم الاقتصادي؟

أكبر ما يبنون واقعهم عليه هو أن يكونوا سوقاً لا أقل ولا أكثر، سوقاً، وهذا ما يريدونه لنا على المستوى الاقتصادي: أن نكون سوقاً لهم، أن ينهبوا الطاقة بشكلٍ خام، كل المواد الخام الموجودة في بلداننا أن ينهبوها: النفط، المعادن، الخيرات، كمادة خام أن تنهب، ثم أن يستغلوها هم، أن يستفيدوا منها هم، وأن يسوقوا البعض منها، وقد يكون مشوباً بالكثير والكثير من المضار، أن يسوقوه إلينا، ثم نجعل من أنفسنا سوقاً استهلاكية.

أما أن نكون أمةً تمتلك المعرفة، والعلم، والانتاج، وتحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي، وتكون قويةً بكل ما تعنيه الكلمة في اقتصادها بقوة انتاجها، فهذا ما لا يسمحون به، ولا يريدونه لنا كأمة.

انظروا مثلاً إلى البعض من دول الخليج، هذه الإمارات العربية المتحدة كنموذج كل بنيتها الاقتصادية هي بنية سوق، الحالة التي تعيشها مثلاً المملكة العربية السعودية كذلك على المستوى الاقتصادي، هل هي دولة منتجة؟ هل هي كما الصين؟ هل هي كما اليابان؟ مع أن البعض من تلك الدول (دول الخليج) تمتلك من الثروات ما لا تمتلكه اليابان، ما لا تمتلكه الصين، ولكن أين هي على مستوى انتاجها، على مستوى أن تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي حتى في القوت الضروري، أن تنتج من القمح ما يغطي احتياجها؟ هي بعيدة عن ذلك.

أسواق تبنى في منطقتنا، وثروات خام تصدر وتؤخذ لصالح أعداء الأمة، فلذلك حتى على المستوى الاقتصادي، حتى على مستوى مقومات الحضارة من امتلاك العلم، ثم توظيف هذا العلم في بناء حضارة، هذا ما لا يريدونه، هم من قتلوا العلماء واستهدفوا الكثير من العلماء في العراق وفي غير العراق، هم من يحرصون على أن تكون السياسات التي تبنى عليها مناهجنا التعليمية بالشكل الذي يبني واقعنا على حسب ما يريدون ويرغبون، وواقع الأمة حتى بالنسبة للذين يوالونهم هو معروف واقعٌ غير بنَّاء.

فالإيمان بمفهومه القرآني الصحيح وبمنظومته الكاملة هو عنصر خلاص، عنصر حرية، هو عاملٌ أساسيٌ لتماسك الأمة، هو عاملٌ رئيسيٌ تحتاج إليه الأمة لتواجه كل هذه التحديات وكل هذه الأخطار، ولتصحح وضعيتها، ولتنقذ نفسها في واقعها، وفي مواجهة التحديات والأعداء؛ فلذلك نحن بحاجة إلى العناية بالهوية الإيمانية، إلى أن نرسِّخها؛ لأنها عملية تربوية، وعملية تعليمية، وعملية نحتاج إليها كعادات وتقاليد ونمط حياة.

لاحظوا، بقدر ما بقي لنا من هذه الهوية، واستفادتنا الكبيرة منه في مواجهة هذا العدوان الذي نعاني منه، العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الإسرائيلي الغاشم، عندما نعود إلى أهم عامل لتماسك شعبنا في مواجهة هذا العدان، بالرغم من حجم هذا العدوان، أقول لكم بكل ثقة، بكل يقين: أن أهم عامل هو الانتماء الإيماني،

وما بقي لنا في هويتنا الإيمانية، ما بقي لنا من آثار إيجابية معنوية ونفسية وعملية، من أثر على المستوى الاجتماعي، هو الذي مثَّل عامل قوة، هو الذي جعلنا نطمئن ونثق بالله -سبحانه وتعالى- ونعتمد على الله -سبحانه وتعالى- كشعب في مواجهة هذه التحديات وهذا العدوان بالرغم من الظروف الصعبة.

ولاحظوا، في ظل هذا التوجه الذي عليه شعبنا حالياً، في ترسيخ هذه الهوية الإيمانية، في الانطلاقة على أساس هذه المنظومة المهمة من المبادئ والقيم والأخلاق والتعليمات الإيمانية، كيف نزداد قوةً يوماً بعد يوم بالرغم من حجم إمكانات أعدائنا الهائل، بالرغم مما يمتلكونه، بالرغم من مستوى هذه التحديات والأخطار، بالرغم من حجم الصعوبات؛ إلا أننا نرى في الهوية الإيمانية في منظومتها المتكاملة، في مبادئها وقيمها وأخلاقها وأسسها، عامل قوة يبنينا بالفعل، حتى يبني قدراتنا العسكرية.

في الماضي والنظام السابق في هذا البلد كان يحرص على أن ينافس الآخرين في الولاء لأمريكا، ويتقرب إلى أمريكا، ويتودد إلى أمريكا، ويقدم نفسه كحليف لأمريكا، وموالٍ ولاءً تاماً لأمريكا، ثم ما الذي حدث؟ هل حل هذا المشاكل الاقتصادية في البلاد؟ أم أنها تفاقمت مع ذلك؟ هل رسَّخ أمناً واستقراراً في البلاد؟

أم أن المشاكل الأمنية تفاقمت؟ سواءً النظام ما قبل المبادرة الخليجية، أو النظام ما بعد المبادرة الخليجية، ما قبل وما بعد المبادرة الخليجية الحالة الرسمية في البلد كانت قائمةً في سياستها على أساس الولاء لأمريكا، وعلى أساس الاستجابة التامة لأمريكا في كل ما تريده أمريكا، وفي كل ما تطلبه أمريكا، وفي كل ما تحدده لهم أمريكا، لدرجة أن كان السفير الأمريكي في صنعاء هو المسؤول الأول فوق الرئيس، فوق أي مسؤول في هذا البلد، تتنافس السلطة والأحزاب في التودد إليه، في أخذ المكاسب والتنافس على المكاسب السياسية بالاعتماد عليه، يرون فيه القوة الأكبر، ويتعاملون معه باستجابةٍ تامة.

 

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

من كلمة : ذكرى جمعة رجب 1441 هـ

قد يعجبك ايضا