الربيع الموؤود بالمبادرة المشؤومة!

‏موقع أنصار الله ||مقالات ||عبد العزيز البغدادي

من المؤكد أن وصف الربيع الذي عرف بـ(الربيع العربي) نسخة اليمن بالموؤود لا يعني أنه كان ثورة أصيلة تم وأدها بالمبادرة السعودية المسماة بالخليجية لأن الأحداث التي تلاحقت منذ أحرق بوعزيزي في تونس نفسه بينت أنه كان حراكا استباقيا أدير بالخداع والمكر بهدف تغيير حكام والحفاظ على أنظمة فاسدة بناها وأدارها من يدير غالبية دول المنطقة ومنها دول ما يسمى مجلس التعاون الخليجي، وحين أدرك المدير أن من يديرهم صاروا أوراقا محروقة حرك الشارع (القطيع) لإسقاطهم، ولهذا كان من أهم أخطاء التواقون للتغيير في الحياة العامة والخاصة هيمنة الاعتقاد لديهم بأن تغيير أماكن تموضعنا في الحياة وتغيير أشخاص الحكام المستبدين المسكونين بهاجس توريث الحكم يكفي وحده لنقلنا إلى حال أفضل، هذا الاعتقاد أفسد حياتنا العامة والخاصة، وهنا وبمناسبة الذكرى الثانية عشرة لما أسمي ثورة الشباب في 11فبراير2011 ضمن ما أطلق عليه (الربيع العربي) أركز على بعض خطايانا في الحياة العامة ومنها عدم إدراك أهمية الترابط بين السلطة والمسؤولية، وانصراف الأذهان إلى أن المقصود بشعار(الشعب يريد إسقاط النظام)، الذي رددناه هو تغيير شخص الحاكم وبقاء نظامه الفاسد وهو ما حصل فعلاً وهذه حيلة أفرغت الثورة من محتواها لأن رأس النظام كان قد بسط على صلاحيات يصعب معها التمييز بينه وبين نظام الحكم، فأصبح قادرا على تغيير الدستور وكل القوانين وتفصيلها على مقاسه وطبق أهوائه!، واستبداله بغيره مع الصلاحيات ليس له معنى لأن من جيء به بعده قد ورث الصلاحيات ولهذا لا بد من اعتراف واعتذار كل من شارك في ترديد الشعار بذلك الحماس لأنهم لم يكونوا أكثر من أفراد في قطيع مع اختلاف المسؤوليات باختلاف المواقع في السلطة كل سلطة يقابلها مسؤولية بمستواها، وهذا لا يعني إخلاء مسؤولية من هم خارج السلطة ف: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) بمنطق حق المواطنة لا بمنطق تبعية القطيع لراعيه!.

وبهذا المنطق يمكن أن يكون للثورة معنى وطني وإنساني يبنى على أساسه الوطن ويكبر، ولا يوجد ما هو أهم من حسن اختيار الحكام وإلزامهم باحترام الدستور والقانون والتسليم بالتداول السلمي للسلطة وإغلاق باب توريثها بغض النظر عمن يكون الحاكم و تحت أي مسمى وأي عنوان لأن النظام الديكتاتوري أوصل الدولة اليمنية إلى حالة الدولة الفاشلة وانتقلت الرغبة في توريث الحكم من هاجس إلى خطوات عملية واضحة أبرزها تمكين الأبناء والأقارب من أهم المواقع في مؤسسات سلطات الدولة العسكرية والمدنية، وفتحت كثير من صحف المعارضة الهشة هذا الملف، ومن أبرز من كتب في الموضوع الدكتور أبوبكر السقاف رحمه الله  الذي تعرض لاعتداء شنيع وتم ربطه ورميه خارج العاصمة والشهيد الأخ العزيز الأستاذ عبدالكريم الخيواني الذي فتح  الملف في حلقات متواصلة بصحيفة الشورى وبشكل جريء اعتقل بسببه واعتدي عليه بالضرب.

ولأن كثيرا من الزعامات الحزبية والسياسية في الساحة قد سلمت قيادها للسفارات الأمريكية والبريطانية والسعودية فقد غاب الهم الوطني وعشنا منذ ذلك اليوم حالة من التيهان والأوهام أوصلت إلى الحكم وجوها أدت ممارساتها البليدة وغير المسؤولة إلى الانقسام الحاصل في اليمن لتصبح ساحة تتجاذبها عناصر قذرة من تجار الحروب والأزمات وإعادة إنتاج الاستبداد واستمرار الاضطرابات وعدم الاستقرار وبما يزيد من تدخل القوى الخارجية الذي وصل إلى درجة مخزية لأن قوة المتدخل تنبع من تشتت وتبلد وجشع وغرورهذه القوى مصدر إضعافنا وهواننا المتسابقون على وهم السلطة.

نعم لقد حلم اليمنيون بتغيير النظام الحاكم وليس شخص الحاكم ولا شكله وملبسه ودينه ومذهبه ومعتقده وقبيلته وطائفته، ويرفضون الظلم والاستبداد والتسلط، ويريدون كما قال الشهيد أحمد شرف الدين ثورة تقيم دولة مدنية يغيب فيها الخطاب الديني ويستبدل بخطاب وطني يكرس مبدأ المواطنة المتساوية على الأرض، ويقضي على كل أشكال التمييز والتكلس الفكري والتبلد السياسي، ثورة وطنية سلمية علمية أساسها ومدخلها تسليم الجميع بأهمية التداول السلمي للسلطة والتأكيد عليه خطابا وسلوكا والتعامل مع الوظيفة العامة وسلطات الدولة باعتبارها ملكية عامة، فالتدخلات السعودية هدفها كما هو واضح إدخال التوريث إلى نظام الحكم، ولذلك فقد سعت باستمرار لإيصال عناصر غير مؤهلة إلى الحكم ودعمتهم ليصبحوا ألعوبة في يدها سواء حكام ما قبل الربيع أو بعده ممن ألبستهم ثوب الشرعية ورأت فيهم لعبة تحقق مصالحها، ولأنها تعلم ويعلم من يديرها أن إدخال التوريث إلى نظام جمهوري من المستحيلات نظرياً وعملياً لأن اليمنيين قد قدموا آلاف الشهداء في سبيل النظام الجمهوري الديمقراطي، ولأن التداول السلمي للسلطة هو جوهر النظام الجمهوري والمخرج من المأزق الذي تقع فيه اليمن فقد عمل النظام السعودي بهمة ونشاط للحيلولة دون تحقيق ذلك لما يؤدي إليه من إنهاء الصراع الدموي على السلطة ويمكن اليمنيين من التفرغ الجاد لبناء دولة يمنية قوية موحدة يشتركون جميعاً في بنائها دون استثناء أو تمييز وهو ما عجزت عن تحقيقه جميع السلطات السابقة التي رفعت شعارات دينية أو إيديولوجية ، ووقوف السعودية دون تحقيق هذه الغاية عمل عدواني وخاطئ لأن الدولة القوية العادلة وحدها القادرة على تحقيق السلام في اليمن وفي ذلك مصلحة لليمن والجوار والعالم لأهمية موقع اليمن الجيو سياسي والمصالح المشتركة تبنى على الشراكة لا على التبعية، وعلى اليمنيين جميعاً إدراك أن الوضع القائم إنما يؤدي إلى مزيد من الدماء والمعاناة، وأن السلطة ليست ملكا حصريا لفرد أو حزب أو فئة أو جماعة أو قبيلة أو مذهب وأنها مسؤولية وأمانة وليست مغنما ، فهل يتحقق هذا الحلم؟.

ليس لي في خبايا البلاد سوى اسمي

وليس لهم في عوالم أحشائهم

غير هذا التراب

فمتى يستفيق الربيع

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com