الأبعادُ الضمنية للمراكز التعليمية الصيفية
موقع أنصار الله ||مقالات ||منتصر الجلي
الخطاباتُ القرآنيةُ تضمّنت مفاهيمَ بعيدةَ المدى لإصلاح الحياة وشؤون الإنسان عامةً، في دنياه وآخرته، ومنها العبادات، وهي ركيزةٌ ذاتُ أَسَاس مهم في العلاقة القائمة بين الإنسان وخالقه الله سبحانه وتعالى، وفي سياق هذا عمد الخطابُ القرآنيُّ إلى توصيل المفاهيم العبادية ذات الشكل القلبي والنفسي، وشكلٌ هو العملي الأدائي، وبينهما وُضعت مفصلياتٌ هامة هي تحقيق «المعرفة» المعرفة بجنسها الصحيح، الذي تترتب عليها العباداتُ الصادرة عن الإنسان والتي يؤديها تقرباً إلى سبحانه، لتحقّق رضاه.
والمعرفةُ القرآنية ذات شكلٍ واسعٍ بعيدة الأفق، لها من الغايات المهمة والثوابت الأَسَاسية التي تُبنى عليها مقومات حياة الفرد والمجتمع على حَــدٍّ سواء؛ وهنا وكون الفرد المسلم موضعَ الثقافة والمعرفة التي أمر بها القرآن كان لزاماً تحقيقها، ووجب عليه التطلع إلى تلك المعرفة القرآنية عبر مصادرها الصحيحة والتي قرنها الرسول -صلوات الله عليه وآله- في حديث الثقلين؛ بمعنى آخر، أخذ معالم الثقافة الصحيحة من «القرآن والقرين»؛ كونهما منبعَ البناء الصحيح للعقيدة الناضجة التي أُمِرَ المسلمُ بها، ومن هذين المنبعَين تستقيمُ دورةُ الحياة في المجتمع المسلم، استقامةً تحقّق أبعادَ البناء الصحيح للحياة على جوانبها المختلفة في واقع الفرد والمجتمع رجالًا ونساءً، في اتّجاهاتها المتنوعة، ومعرفة طبيعة الصراع ومبادئ العيش وكيفيات التعامل مع المجتمعات غير المسلمة، كاليهود والمشركين وغيرهم، وتحديد مبدَأَي: «الولاء والعِداء» تحت أسس تلك الآيات التي وضحت أمراً ونهياً.
في هذا كله تكونُ للمعرفة الصحيحة أهميّةٌ بالغةٌ في اكتسابها لكل فئات المجتمع، خُصُوصاً الجيل الذي هو في تهديد بارز في صرف نظره عن الثقافة القرآنية، بمعناها الحقيقي، والتي عمد الآخرون ممن قدم ازدواجية دينية خارج الثقلين النص القرآني والعترة، في إطار هدم شباب المجتمع اليمني عبر وسائل هدامة وأساليب مشوهة، تنشئ جيلاً منحل الهُــوِيَّة، عَمَّا أمر الله به اتباعه.
فكان للتعليم والتعلم من بوابة العلم الحقيقية، ضمانةٌ تحفَظُ للمجتمع توازُنَه الأخلاقي والروحي وتماسُكَه الوطني ووَحدتَه الشاملة؛ وهذا لن يكون إلا عبر المراكز الصيفية التعليمية في أهدافها العامة واستراتيجياتها الضمنية التي تؤهل الفرد والمجتمعَ تأهيلاً يحفظُه من الانحراف الشديد الذي طرأ مع تكنولوجيا العصر، والحاضر.
وحفاظاً على النشء، جُعلت المدارس والمراكز التعليمية القرآنية مع ما تملكه هذه المراكز من رؤى وأنشطة وبرامج تثقيفية؛ لتحقّقَ غايةَ التكامل والبناء الحقيقي الذي أراده الله سبحانه من الإنسان في الأرض، وتحقّقَ مبدأ العبودية في مفهومها الناضج والصحيح، ومعرفة أعداء الأُمَّــة معرفة تحصّن الجيل وتحفظ له ركائزه الوطنية والإيمانية والشمولية العامة في الحياة، لينطلق فرداً صالحاً، بعيداً عن التأثير الخارجي نفسياً وعقائدياً.
لذا نجدُ أن التطرُّفَ الذي حصل من بعض مدعيي الوطنية والزهد، وتحذيرَهم من المراكز الصيفية هو بسبب خوفهم من قيام جيل ومجتمعات هُــوِيَّتها قرآنية؛ لأَنَّهم يدركون أن القرآن لا يُهزم، ويستحيل هزيمته على مختلف الأصعدة؛ لذا حتماً كان على كُـلّ ذي علم وكلّ أبٍ التفاعل الجاد مع هذه المراكز المهمة الفاعلة والدفع بالأبناء للتعليم، واكتساب المعرفة الربانية التي تضمن للجميع الحياة الحضارية وفق التوجّـه القرآني عملاً وقولاً، وهذه من أَسَاسيات اليوم لتكن بذرة الغد مشرقة في سماء العلم طموحة الأفق بسعة القرآن.