التقوى .. معيار قبول العمل

 

 

الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” حكى لنا في كتابه الكريم حكايةً تاريخيةً مهمةً فيها الكثير من العبر والدروس وفي مقدمة هذه الدروس الأهمية الكبيرة للتقوى قال “جلَّ شأنه”: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ} ابني آدم أبينا آدم “عليه السلام”، {بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ}المائدة الآية: 27 ، كل منهما قدم قرباناً إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أحدهما تقبل الله منه قربانه والآخر لم يتقبل الله منه قربانه، لاحظوا ما أكبرها من حسرة ومن خسارة والبعض قد يهدم نفسه قد يغش نفسه قد يجلس فترات طويلة ويتوجه في هذه الحياة لفتره طويلة بعيداً عن التقوى يعتبر أنه يعمل الكثير من الأعمال الصالحة وأن له في مجال أعمال الخير والبر والإحسان إلى الناس نشاطًا واسعًا وأنه يعمل ويعمل ويفعل ويفعل من الأعمال الصالحة هنا وهناك في مجالات متعددة ولكن بعيدًا عن التقوى فيمضي حياته على هذا الأساس يمضي عمره بناءً على هذا كيف ستكون حسراته يوم القيامة عندما يكون ما قدمه من الأعمال أعمال الخير أعمال إحسان قرابين معينة أعمال تقرب بها إلى الله فيكتشف أنها يوم القيامة تحولت إلى هباءٍ منثور {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان الآية : 23]، هباء مثل ذرات الغبار الصغيرة التي لا قيمة لها ولا أهمية لها ولم يتحقق له من ورائها أي نتيجة؟! هنا في الآية المباركة عندما يقول: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا}، كل منهما تقرب إلى الله بقربان، {فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}، تحركت فيه نزغة الشيطان وحالة الحسد والحقد، {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، وهذه نقطة في غاية الأهمية، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، القاعدة الأساسية، والمرتكز الأساس، لقبول الأعمال الصالحة، والقرب التي نتقرب بها إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، هي: التقوى، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، مهما عملتَ ومهما قدمتَ ولكن من غير التقوى ومن غير التزام بالتقوى وبعيداً عن الانطلاقة المستندة إلى التقوى في النيّة والهدف والتوجه والإسلوب .. إلى غير ذلك، إذا خرجت عن نطاق التقوى فما من قبولٍ لعملك مهما كان، هو عمل حابط، {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [آل عمران الآية: 22]، غير مقبولٍ عند الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، وليس له من آثار أو نتائج إيجابية لا على نفسك ولا في الواقع من حولك ولا فيما يترتب عليه من نتائج في الدنيا والآخرة عند الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.

فإذاً لهذا الاعتبار لهذه الأهمية للتقوى من المهم أن نستفيد من شهر رمضان من صيامه من قيامه من الأعمال الخيّرة فيه ولدينا هذا التوجه ونمتلك هذا الحرص في تحقيق التقوى في واقعنا؛ لأنه إذا كانت هذه المسألة غائبة عن ذهنيتنا وغائبة من اهتمامنا ولا وجود لها في توجهنا فستكون استفادتنا ضئيلة جدًّا أو منعدمة، استفادتنا من الصيام في شهر رمضان ومن ما في شهر رمضان من عوامل تساعدنا على تحقيق التقوى في واقعنا؛ سنفقد هذه النتيجة المهمة وكما هو لدى البعض ينحصر اهتمامهم في هذا الشهر المبارك أو نظرتهم إلى صيام شهر رمضان وغيره مما في هذا الشهر من قرب إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” كعملية انتاج للحسنات يعني تركيز فقط على الثواب تركيز فقط على الأجر، الثواب والأجر يتحقق إذا تحققت التقوى، النتيجة المهمة هي التقوى، إذا تحققت تحقق معها الثواب والأجر وبقية ما يؤمّله الإنسان من بركات هذا الشهر في صيامه وقيامه إذا لم تتحقق التقوى لن تتحقق بقية النتائج، فلا ثواب ولا أجر بل يكون واقع الإنسان كما ورد عن النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”: ()رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صيامه إِلَّا الْجُوعُ والظمأ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ والتعب)(.

فعلاً، رُبَّ صائم ولربما الكثير الكثير من الصائمين حظهم وما يتحقق لهم من الصيام أو ما لحقهم من هذا الصيام، هو ظمأ هذا الصيام وهو جوع هذا الصيام، أما الأجر أما الثواب أما الفضيلة أما القربى إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أما الآثار الطيبة التربوية والنفسية للإنسان من هذا الصيام فتكاد تكون منعدمة لدى الكثير، بل للأسف البعض قد يكون خلال شهر رمضان في نهاره أو في ليله يعصي الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” يهدر أعز وأقدس وأشرف الأوقات التي ينبغي اغتنامها لأهداف كبيرة لمكاسب عظيمة لنتائج طيبة ومهمة للإنسان في حاضره في الدنيا ومستقبله في الدنيا ومستقبله الكبير والأبدي والدائم في الآخرة.

’’’’’’’’’’

الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

 || المحاضرة الرمضانية الثانية (معنى التقوى2) 1438هـ||

قد يعجبك ايضا