ضحايا الجيل الثالث والرابع!
موقع أنصار الله ||مقالات||علي الشرفي
المتأمل للواقع اليوم يجد أن كَثيراً من الناس في حالة نزوح افتراضية عجيبة، وهذا النزوح الافتراضي لا يشمل الجغرافيا اليمنية فحسب بل يتعداها إلى أغلب دول العالم، ويختلف حجم النزوح من بلد إلى بلد وفق عوامل متعددة تختلف من بلد إلى بلد ولا يتسع المجال لذكرها إلا أن من أبرزها لدى العرب خُصُوصاً حالة الفراغ الكبيرة والرغبة في إتلاف الوقت، وكذا حب الظهور لدى فئة غير قليلة من النازحين.
ولكي لا نتشعَّبَ كَثيراً دعونا نرمِ ببصرنا واقعنا في اليمن؛ فاليمنُ في تركيبته الاجتماعية يتميز عن غيره بشكل كبير، وفيه من الإيجابيات أكثر من السلبيات إلا أن الغالبَ علينا هو كثرة الكلام فيما لا فائدة منه “الهدرة”، فنحن مستعدون أن نمضي مئات الساعات في تحليل حدث ما يتضح فيما بعد أنه لم يحدث!، ولك أن تتخيل كم حُفّ هذا الحدث الذي لم يحدث بحالات تأييد ومعارضة وكم ترتب عليه من حالات حب وكراهية، وأقلها إعجاب أَو استياء.
صحيح كما يقال “الطبع يغلب التطبع” لهذا تجدنا نذوب بشكل دراماتيكي في سياقات لسنا من رسمها ولا نعرف مآلاتها ولا إلى أين تصل بنا، سوى أننا رأيناها أمامنا باسطة لنا كفيّها ومحنية ظهرها فظنناها تهيأت لنا، فوهبناها قدراتنا ومنحناها تفكيرنا، وأقبلنا عليها بكل لهفة وشوق، وفي لحظة الشعور بنشوة السيطرة والتحكم غدرت بنا؛ لأَنَّها في الحقيقة كانت هُيِّئت لنا، ففرزتنا بين نادم وناقم.
ما يثير الدهشة اليوم أن كَثيراً من النازحين في هذا العالم الافتراضي باتوا يألفون محل النزوح أكثر من مسقط الرأس، بل ويهربون من الواقع المعاش وهمومه إلى الواقع الافتراضي، وهذا شكل فرصة ذهبية لأعدائنا التاريخيين الذين أنشأوا مخيمات النازحين هذه بدقة ووفق دراسة مسبقة لتكون مصيدة عامة للسيطرة على الأفكار وغرس الهزيمة النفسية، وتقزيم حالة الطموح وإعدام حالة الإبداع لدى المجتمع الإسلامي بشكل عام إلا من رحم الله.
نحن نعيش اليوم حالة تهدئة وخفض للتصعيد في حربنا مع تحالف العدوان الغاشم، والشيء الملفت والواضح أَيْـضاً أن العدوّ اتجه بثقله إلى الواقع الافتراضي لاستهداف الجموع الكبيرة النازحة فيه وهم نحن، فشهدنا تساقط الكثير من الضحايا ممن لم يستطع العدوّ طوال أعوام عدوانه أن يفتك بهم بمختلف أسلحته، ولم يقف الموضوع عند هذا الحد؛ بل بدأنا نجلد ذاتنا ونأكل لحمَ بعضنا وبكل شراهة، والعدوّ هناك منهمك في كيف يلتهمنا جميعاً، فمتى سنعود لواقعنا الحقيقي وندرك أن تلك المخيمات الافتراضية إنما هي مصيدة ويجب التعامل معها بحذر والدخول إليها بأدوات السلامة؛ حتى لا نكون من ضحايا الجيل الثالث والرابع!.