واقعنا في العلاقة برسول الله.. العوامل والمؤثرات

 

نحن مثلاً في هذا الزمن، وقد مرّ زمن طويل، كيف يمكن أن نكون في قلة أدبنا، في قلة وعينا، في ضعف محبتنا، في ضعف علاقتنا، في مستوى ارتباطنا الإيماني برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، حتى في نظرتنا للرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” في الساحة الإسلامية، مع هذا الزمن الطويل الذي امتد بنا. إذا كان هذا حال بعض الذين عايشوه، وعرفوه، وسمعوه، وأبصروه، وصلَّوا خلفه، وجاهدوا تحت رايته، وعاشوا معه، كيف بنا وقد تعرضنا لكثير من المؤثرات، هذا البعد الزمني الذي شابَهُ كثير من العوامل:

  • أولها: التحريف للسيرة النبوية بمرويات وأخبار لا صحة لها: كثير من المرويات والأخبار التي دُسَّت في كتب التاريخ وفي كتب السير مما تسيئ أبلغ الإساءة إلى رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” أما جانب النقص فهو ذاك، كيف غُيبت أشياء مهمة، كيف أهملت قضايا رئيسية، كيف لم يركّز الكُتَّاب وأصحاب السِّيَر والمؤرخون على مسائل مهمة جدًّا للأمة، تحتاج إليها الأمة في كل زمن، تقدّم الصورة العظيمة عن حياة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.

النقص جانب كبير، ولكن أيضاً فيما ورد، فيما أثر، فيما كُتِب، فيما نُقِل، شابَهُ الكثير من التحريف، والكثير من الافتراءات، والكثير من المنقولات والروايات والأخبار التي يجمع كل المؤرخين وكل الدارسين والباحثين أن فيها ما فيها: من الخلل، من التحريف، من التشويه، من الأكاذيب، مما يسيء جدًّا إلى رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” لدرجة أن البعض من الكتاب المرتدين عن الإسلام، كـ(سلمان رشدي مثلاً)، أو المستشرقين الغربيين (بعض الأوروبيين، وبعض الغربيين) ممن كتبوا عن الرسول أو عن الإسلام استفادوا منها في التشويه لرسول الله، وفي الاستشهاد بها والاعتماد عليها في الإساءة إلى رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، بل لدرجة أن بعض الأفلام المسيئة للرسول التي أُنتِجَت بهدف الإساءة إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” استفادت من بعض تلك المرويات، ثم تُعتَمَد تلك المرويات في مناهج رسمية في العالم العربي وتصبح مصدراً معتمداً في معرفة السيرة النبوية، وفي الرجوع إليها والاعتماد عليها، وبعض الروايات في بعض الكتب، أخبار فظيعة، منتقصة، استفاد منها أعداء الإسلام من المستشرقين بعضهم، وأيضاً استفاد منها واعتمد عليها التكفيريون؛ ليجعلوا منها الوجه المعبر عن الإسلام وعن الرسالة والرسول؛ فقدموا صورةً سوداويةً فظيعةً مشوهة وقاتمة عن الرسول وعن الإسلام.

  • ثانياًص: النمط المعتاد في تقديم السيرة: مثلاً عادةً يركّز الكتاب في السيرة والمؤرخون على أشياء معينة اعتادوا على التركيز عليها والإيراد لها، ثم لا يهتمون بقضايا مهمة وقضايا رئيسية؛ كان المفترض أن يسلطوا الضوء عليها، وهي في غاية الأهمية، وفائدتها كبيرة جدًّا، ثم أسلوبهم في التقديم ليس أسلوباً جذاباً ومؤثراً، يترك أثره الكبير في الوجدان والمشاعر والأحاسيس، ويترك أثره العظيم في الواقع العملي… |لا|. تقديم جاف، وسرد غير مؤثر، غير منظم، لا يركّز على شخصية الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” بقدر ما يتأثر مثلاً: بالظروف المذهبية، بالجدل المذهبي، بالرموز المذهبيين…الخ.
  • ثالثاً: التراجع في الاهتمام بهذه المسألة، وانكماش مساحتها وحضورها في التثقيف والتعليم: كلما طال الزمن وكلما امتد الوقت وكلما كثرت المؤثرات في واقعنا في الحياة، كلما قلّ الاهتمام بهذا الجانب، وكلما غاب هذا من الذهنية، وبالتالي من الوجدان والواقع العملي.
  • رابعاً: الحرب الناعمة، الحامية الوطيس، المستهدفة للمجتمع، لشبابنا، لنسائنا، لأطفالنا، الحرب الناعمة: هي من أخطر ما يواجهه مجتمعنا المسلم، حرب خطيرة جدًّا، حرب تأتي إلينا من خلال وسائل التثقيف والتعليم والإعلام، تُستغل فيها المناهج، يستغل فيها الإعلام بكل وسائله: من مواقع التواصل، إلى المواقع على الانترنت والشبكة العنكبوتية، إلى القنوات الفضائية، إلى إلى إلى… حرب وزخم هائل جدًّا يتوجه نحو التأثير علينا في ساحتنا الإسلامية، في ثقافتنا، في آرائنا، في سلوكياتنا، في تصرفاتنا، في عاداتنا، في تقاليدنا، في اهتماماتنا، ويستهدفون زكاء أنفسنا، ويستهدفونا- أيضاً- بالتضليل: التضليل الثقافي، والتضليل الفكري، يسعون لاحتلال قلوبنا، واحتلال مشاعرنا، واحتلال أفكارنا، واحتلال ثقافتنا، والتحكم بآرائنا وتوجيهنا… هذه من أخطر الحروب على الإطلاق، هم أطلقوا عليها هم (الحرب الناعمة) التي تجعل خصمك يفكر كما تريد له أن يفكر، وبالتالي سيفعل ما تريده أن يفعل، ويتصرف كما تريد له أن يتصرف، وفق الوجهة التي حددتها له. الحرب الناعمة هذه تسعى إلى فصل مجتمعنا عن مبادئه، عن قيمه، عن رموزه وعن مقدساته.

 

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

المحاضرة الأولى من محاضرات المولد النبوي الشريف 1439هـ

 

قد يعجبك ايضا