الوضع السياسي والاقتصادي في ظل الوصاية الأمريكية قبل ثورة الـ21 من سبتمبر

في المجال السياسي كان الوضع يتأزم أكثر فأكثر، الانقسامات تشتد أكثر فأكثر، السفير الأمريكي يلتقي بهذا الحزب ويعطيه وعوداً ويشجعه، ويلتقي الحزب الآخر ويفعل معه نفس الشيء، ويشجع هذا على القيام والتحرك ضد هذا، ويسعى إلى تفريخ كثير من الكيانات والقوى المتناقضة، ويعمل على التحرك تحت كل العناوين على قاعدة: تفريخ المزيد من الكيانات المتباينة، أتى العنوان فيما يتعلق بالمرأة في هذا السياق، كيف يثيرون انقساماً تحت عنوان حقوق المرأة وحقوق الطفل، ثم اتجهوا أيضاً على المكونات الاجتماعية، اتجهوا إلى المكونات السياسية، وكان المسار- كما يتضح- طويلاً، يهدفون من خلاله إلى بعثرة هذا الشعب وتفكيك كيانه تحت كل العناوين؛ حتى لا يبقى رابطٌ جامعٌ يجمع أبناء هذا البلد ويحميهم من الانقسام، ويصبح كل شخص أو كل فئة بسيطة من أبناء هذا الشعب ينظرون إلى أنفسهم كفئة مستقلة عن بقية أبناء هذا البلد، لا رابط يربطهم بهم ولا يجمعهم معهم، وكلٌّ يتجه لمصارعة من تبقى من أبناء هذا البلد في إطار أهداف صغيرة، ونفسية صغيرة، وذهنية صغيرة، ومشاريع صغيرة، وأجندة صغيرة، عملية تفتيت، تذويب، ودفع نحو التلاشي والانهيار بكل الوسائل، والبعض كان يتفاعل مع ذلك، وينبهر بمثل هذه المؤامرات التي تطرح بأساليب معينة، وتقدم لها مبالغ زهيدة لتمويلها وتشجيعها، وهكذا كانت المسألة خطيرة جدًّا.

في الجانب الاقتصادي كانت الأزمة الاقتصادية تشتد وتشتد بشكل غريب جدًّا، الثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كل هذا البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأننا بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، كل الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم هذا البلد، وينتفع به الشعب، كانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوماً، جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، وضع بائس جدًّا، الموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكلما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حلِّ المشكلة الاقتصادية لهذا البلد آنذاك.

مع ذلك كانت القروض من الخارج مستمرة، وما يأتي تحت عنوان هبات يأتي أيضاً، ولكن من دون أن يكون مجدياً، أو على الأقل يخفف من مستوى المعاناة الاقتصادية، فالأزمة خانقة جدًّا، الحصول على البترول آنذاك أصبح صعباً، مع أنَّ البلد ليس في حرب، مع أنَّ الثروة النفطية تحت سيطرة الدولة، مع أنه لا حصار على دخول المشتقات النفطية إلى البلد، لم يكن البلد لا تحت حرب، ولا في حصار خارجي، بل إنَّ البلد آنذاك في مرحلة يزعم الخارج أنه يساند السلطة التي كانت قائمةً بأمر هذا الشعب آنذاك، وأنه إلى جانبها، تعلن دول الخليج بكلها أنها إلى جانب تلك السلطة، يعلن ما يسمى بالمجتمع الدولي (أمريكا والدول الأوروبية) بكلهم أنهم إلى جانب تلك السلطة، وأنهم يدعمونها، وأنهم يقدِّمون لها الهبات والأموال، وتتلقى منهم الدعم السياسي، والحماية الكاملة، ومع ذلك انهيار اقتصادي مستمر ومستمر، يوشك أن يتجه بالبلد نحو الهاوية، كيف هذا؟!

هناك فارق كبير بين الضائقة المعيشية التي يعاني منها الشعب اليوم، وبين ما كان يعاني منه الشعب آنذاك، فارق ما بين السماء والأرض، الضائقة المعيشية اليوم هي نتيجة لحرب شاملة على بلدنا، عدوان بتحالف دولي إقليمي محلي على هذا البلد، وحصار خانق، ومنع لسفن المشتقات النفطية من الدخول إلى البلد، وسيطرة على الثروة النفطية في هذا البلد من جانب تحالف العدوان وعملائهم، الدولة اليوم في صنعاء لا بيدها الثروة النفطية، ولا بيدها المنافذ البرية والجوية والبحرية، هي جزءٌ منها مغلق، وجزءٌ منها تحت سيطرة مباشرة لتحالف العدوان، وسفن المشتقات النفطية من الذي يمنعها اليوم حتى لا تدخل إلى ميناء الحديدة، وإذا دخل منها شيء يدخل بعد تأخير لفترة طويلة، وينتج عن هذا التأخير غرامات مالية كبيرة؟ تحالف العدوان. من الذي تآمر على البنك المركزي حتى عطَّل دوره تماماً في صنعاء، إلَّا الدور الضئيل والمحدود، وأوقف كل نشاطه المباشر الذي كان يقوم به فيما قبل، وحوَّل هذا النشاط إلى عدن؟ تحالف العدوان. من الذي تآمر اليوم على العملة الوطنية واستهدفها في قيمتها أمام الدولار؟ تحالف العدوان. من الذي ينفذ الكثير من المؤامرات الاقتصادية التي يشنها حرباً على كل أبناء هذا البلد؟ تحالف العدوان. فهناك فرق ما بين الضائقة المعيشية اليوم، وما بين الانهيار الاقتصادي الذي كان قائماً في تلك المرحلة، والذي كان بفعل سياسات وتوجهات وإملاءات، ولم يكن بفعل ظروف، اليوم هو بفعل ظروف، ظروف حرب وحصار، آنذاك كان بسبب سياسات وتوجهات وحسابات، وهذا هو الفارق الكبير جدًّا.

ولذلك في الوقت الذي رضخ فيه أولئك في السلطة وبعض القوى والأحزاب وتماهوا تماماً مع الوصاية الخارجية، وصولاً إلى إدخال البلد في وصاية علنية وصريحة تحت عنوان البند السابع، ووصاية الدول العشر، وأصبح السفير الأمريكي في صنعاء بشكل رسمي وصريح، وبقرار من مجلس الأمن، هو المسؤول الأول في الوصاية على هذا الشعب وهذا البلد، وسلمت له السلطة بذلك وسلمت له بعض القوى السياسية معها بذلك، وكان حوله سفراء من تبقى من الدول العشر كأعوان للسفير الأمريكي بمنزلة الوكلاء لمحافظ محافظة مثلاً، وأصبح هو الذي يقرر أولاً السفير الأمريكي، يجتمع بسفراء الدول العشر من أعوانه ووكلائه، ويرسم لهم المهام والسياسات والتوجهات والتعليمات، ثم تقدم إلى من يسمى بالرئيس، ورئيسه السفير الأمريكي، ثم تنزل عبره إلى بقية المؤسسات، وفي بعضٍ من الأحيان لا تنزل حتى عبر من يسمى بالرئيس، بل يباشر السفير الأمريكي لقاءاته بهذا الوزير أو ذاك وبهذا المسؤول أو ذاك ويوجهه بشكلٍ مباشر، وهو يتجه للتنفيذ، توجيهات مباشرة وتنفيذ مباشر، وهذا مثبت في الصحف، في وسائل الإعلام، في القنوات الفضائية، في ارشيفها مثبت.

والسفير الأمريكي- كما قلنا- هو يعمل بسياسات عدائية، وصل التفريط بسيادة هذا البلد: إلى القبول بقواعد عسكرية أمريكية في هذا البلد، بدءاً بقاعدة في العاصمة صنعاء، وأتى المارينز الأمريكي إلى صنعاء، وتواجد في صنعاء، وأصبح له قاعدة في صنعاء، وتواجد في داخل العاصمة صنعاء، في تفريط واضح باستقلال وسيادة هذا البلد، وقاعدة أخرى في العند، وكان التوجه نحو المزيد والمزيد من القواعد في محيط صنعاء، في معسكرات معينة نعرف أسماءها، وفي مناطق أخرى، القائمة للسفير الأمريكي في القواعد العسكرية، وفي كلما يضمن له السيطرة الأمنية، والسيطرة في كل المجالات، قائمة طويلة، والمخطط واسع، والتوجه كبير، والمجال أمامه مفتوح، هذا الذي حصل، المجال أيضاً أمامه مفتوح.

وكانت هذه مأساة بحق شعبنا، شعبنا اليمني العزيز، يمن الإيمان، يمن الحكمة، أن يأتي السفير الأمريكي ويكون معه قواعد عسكرية، وعناصر أمنية، ويتدخل في كل شؤون هذا البلد، ويكون قراره فوق كل قرار في هذا البلد، وهو الأساس الذي يبنى عليه في الواقع التنفيذي في كل المجالات، طامة، كارثة ومأساة حقيقية، وخطر كبير يشكل تهديداً لهذا البلد؛ لأنه- كما قلت- كان يتجه بهذا البلد إلى حافة الانهيار، والضعف، والعجز، بما يمهد لسيطرة أمريكية في واقع مهيَّأ، وفي ظروف ملائمة بالنسبة للأمريكي، يكون هذا الشعب قد فقد كل عناصر القوة، وكل وسائل المواجهة، ويكون قد أصبح في وضعية ضعيفة جدًّا، ومجهزة ومهيأة للسيطرة الأمريكية بدون كلفة ولا عناء، يكون هناك من قد أعانه على تنفيذ مخططاته ومؤامراته التي توصل الناس إلى مستوى من الضعف والانهيار يساعد على السيطرة الأمريكية بدون تعب وعناء، هذه مأساة، مأساة كبيرة ومؤلمة جدًّا، هذا على المستوى الداخلي.

 

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي

من خطاب السيد في ذكرى 21 سبتمبر 2020م

قد يعجبك ايضا