وثائقُ البنك المركَزي قبل 2014 واعترافاتُ المرتزِقة وإفرازاتُ المفاوضات تفضحُ هُــوِيَّة الناهب المتلاعب

||صحافة||

إن مسؤوليةَ عدمِ صرف رواتب الموظفين تقعُ على دول تحالف العدوان، وهذا ما لا يختلف عليه اثنان، ويقره من في رأسه عشر معشار ذرة فكر وإدراك، وَأَيْـضاً هذا ما يقره العقل والمنطق.

وتؤكّـده البيانات والإحصائيات المالية والنقدية في وزارة المالية والبنك المركزي الرئيسي في صنعاء والموضحة في التقارير الرسمية منذ العام 2014؛ أي قبل شن العدوان والحصار الاقتصادي على اليمن، حَيثُ كانت الموازنة العامة للدولة تعتمد على 75 % من الموارد السيادية من النفط والغاز، و10 % من إيرادات الضرائب والجمارك، و15 % من المنح والمساعدات والهبات الخارجية وغيرها، علماً بأن الـ 10 % من الضرائب والجمارك لم يعد يتحصل منها سوى أقل من 30 % فقط وهي نسبة استيفاء، والـ 70 % تذهب لحكومة المرتزِقة، وهذا ما يعرفه ويطلع عليه الجميع، مع العلم أن هذه النسبة المستوفاة لا تكفي لصرف مرتبات الموظفين؛ وهذا ما تؤكّـده وثائق البنك المركزي اليمني التي تكشف أن عائدات النفط والغاز هي المصدرُ الرئيسُ والمستدامُ لتغطية فاتورة الأجور والمرتبات، وما يتم تحصيلُه من إيرادات من قِبَلِ حكومة الإنقاذ بالكادِ يغطِّي جُزءًا من النفقات الأَسَاسية والضرورية في مجال الخدمات: من الصحة، والتعليم، والأمن، والقضاء، وأقل القليل من تغطية النفقات التشغيلية الضرورية لمؤسّسات الدولة؛ لكي تستمر في أداء أعمالها.

كما تتعمَّدُ دولُ العدوان المماطلةَ في عدم صرف مرتبات الموظفين؛ مِن أجل التهرُّب من باقي الالتزامات التي عليها، والمتمثلة في إنهاء الاحتلال، والكَفِّ عن نهب الثروات، واستغلال الموانئ، والممرات الاستراتيجية؛ وكي يستخدموها كورقة اقتصادية وسياسية؛ للضغط على الشعب اليمني والقيادة الثورية والسياسية.

وبلا شك فَــإنَّ صرفَ مرتبات الموظفين يُعَدُّ من الحقوق القانونية التي نص على وجوب استحقاقها جميع النصوص الدستورية والقانونية، المحلية والدولية، في السلم والحرب، كما يعد استحقاقاً إنسانياً قبل أن يكون ورقةً اقتصادية وسياسية تستخدمها دول العدوان؛ بغرض الضغط على الشعب اليمني والقيادة الثورية والسياسية، ويؤكّـد مسؤولية دول العدوان في عدم صرف مرتبات الموظفين ما جاء في تهديدات السفير الأمريكي للوفد الوطني المفاوِض بأنه سوف ينقل البنك المركزي إلى عدن ويجعل الريال اليمني لا يساوي الحبرَ الذي طُبع عليه، حَيثُ ترتب على ذلك قطعُ مرتبات جميع الموظفين، بالرغم من التزام الفارّ هادي أمام المجتمع الدولي بصرف جميع مرتبات الموظفين عقبَ تنفيذ قرار نقل البنك المركزي إلى عدن، ومما لا شك فيه أن هذا دليلٌ كافٍ على أن دولَ تحالف العدوان ومرتزِقتَها هي السببُ الرئيسُ لقطع مرتبات الموظفين كُـلَّ هذه السنوات.

كما سعَت دولُ تحالف العدوان ومرتزِقتُها إلى التهرُّبِ من عدم تنفيذ ما تم الاتّفاقُ عليه في مفاوضاتِ السويد بتوريد عائدات النفط والغاز المنهوبة إلى حساب موحَّد لدى فرع البنك المركَزي في الحديدة؛ لغرض صرف جميع مرتبات الموظفين، وهذا يعتبر دليلًا كافيًا على أن النقاشَ حول صرف مرتبات موظفي الدولة ما هي إلا مراوغة، وعدم مصداقية من جانب دول تحالف العدوان ومرتزِقتها في عدم تنفيذ ما تم الاتّفاق عليه من صرف المرتبات وفك الحصار الكلي والشامل عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، وأن الحَلَّ الوحيدَ في استعادة صرفِ مرتبات الموظفين، وبنود الإنفاق العام في الموازنة يكمُنُ في استعادة موارد الدولة السيادية والداخلية.

 

تعمُّـدٌ فاضحٌ وخطواتٌ واضحةٌ لتدمير الاقتصاد:

ولا شك أن تلك العوامل مجتمعةً، إلى جانبِ استمرار العدوان والحصار والحرب الاقتصادية وتداعياتها منذ تسع سنوات وسيطرة دول العدوان على معظم موارد البلاد الاقتصادية، وخَاصَّة عائدات النفط والغاز وقرار نقل البنك المركزي إلى عدن، قد أثر بشكل مباشر، وغير مباشر، على أداء الاقتصاد القومي، وعمّق من تدهور الأوضاع الاقتصادية، وزاد من حدة المأساة الإنسانية، إلى درجة تصريح وكالات الأمم المتحدة بأن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وتسبب العدوان بمشاكلَ اجتماعية واقتصادية سيعاني منها المجتمع اليمني خلال السنوات القادمة، مثل تدنِّي مؤشرات التنمية البشرية، وانخفاض الإنتاجية، وتباطؤ معدلات النمو، وبالتالي استمرار ارتفاع مشاكل البطالة، والفقر، وانعدام الأمن الغذائي.

ولا يختلفُ اثنان على القول: إن العدوان الغاشم، والحصار الجائر الذي تعيشه اليمن منذ تسع سنوات خلَّفَ أزمةً اقتصادية بكل المقاييس، ومن المعلوم أن الاقتصاد اليمني واجه كمًّا من المتغيرات السياسية والأمنية والتشريعية، والتي كانت لها انعكاساتها المباشرة في رسم ملامح الاقتصاد في المرحلة الراهنة، حَيثُ يمر الاقتصاد اليمني بمتغيراتٍ؛ نتيجة العدوان والحصار، أوهنت قواه الحية، وأضعفت قدراته الإنتاجية، وبدَّدت طاقاتِه الماديةَ والمالية والبشرية؛ فالاقتصاد اليمني من الاقتصاديات الضعيفة، من حَيثُ هياكله الإنتاجية؛ نتيجة السياسات والقوانين والاتّفاقيات والبرامج المستوردة؛ بغرض إضعافه.

ويؤكّـدُ مسؤوليةَ دول العدوان ومرتزِقتها، في استمرار قطع المرتبات والتهرب من الوفاء بها، جميعُ المطالبات والحلول التي تقدمت بها القيادةُ الثورية والسياسية إلى المبعوث الأممي، والتي تقضي بصرف مرتبات الموظفين، وتجنيب القطاع الاقتصادي الصراعَ؛ لارتباطه بالجانب الإنساني، كما يؤكّـد أن دول العدوان وحكومة المرتزِقة هم المسؤولون عن الحصار والحرب الاقتصادية التي كانت وما تزال تُشن على الشعب اليمني، يرفضون رفعَها جزئياً، أَو كليًّا؛ بغرض استمرارهم في نهب عائدات النفط والغاز، وجميع موارد الدولة الأُخرى، واستمرارهم في مستنقع الفساد، من خلال المضاربة بالعُملة الوطنية وعمليات غسيل الأموال وتدمير الاقتصاد الوطني.

 

المفاوَضاتُ ومخرجاتُها تعرِّي اللصوص:

وبعد أن نجح الوفدُ الوطني في فرض صرف المرتبات وجعله شرطاً أَسَاسياً ضمنَ بنود اتّفاق انتهاء العدوان ومفاوضات السلام، يتبقّى التنفيذ، حَيثُ أصبح التفاوُضُ حول آليات الصرف إجراءً ضروريًّا ومهمًّا؛ لاستكمال تنفيذ عملية صرف المرتبات، وتتمثل في اجتماعات ومساعٍ حثيثة للاتّفاق على آلية صرف فعالة وشفافة لصرف جميع مرتبات الموظفين بشكل منتظم، حَيثُ تتمثل تلك الآليات في توحيد توريد إيرادات النفط والغاز مع إيرادات ميناء الحديدة، وصرف المرتبات حسب كشوفات 2014م، مع التطرق إلى تنفيذ إجراءات لحساب سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار قبل العدوان، وإعداد آلية صرف تنفيذية، من خلال تشكيل لجنة وفريق عمل مختص من البنك المركزي في صنعاء وفرعه في عدن تتضمن أعمالهم تنفيذ إجراءات وآليات تعمل على ضمان توريد كافة الإرادات العامة إلى حساب موحد في البنك المركزي اليمني وضمان استمرار صرف المرتبات دون انقطاع.

وبدون شك إن القبول بمقترح صنعاء لصرف المرتبات يأتي من عدة جوانبَ: منها أن عدم صرف المرتبات يؤدي إلى عدم الوصول إلى اتّفاق وحل سلمي، الذي بدوره يؤكّـد العودة إلى استهداف منشآت النفط السعوديّة والإماراتية؛ وهو ما يشكِّلُ خطراً كَبيراً يهدّدُ اقتصادَها، ويهدّدُ إمدَاداتِ النفط التي تستفيدُ منها القوى الاستعمارية الغربية، وعلى دول العدوان وحكومة المرتزِقة القبولُ بالمفاوضات واتّفاق السلام والإذعان لشروط صنعاء في صرف المرتبات؛ لتلافي الضربات على منشآت إنتاج النفط السعوديّ، وقد أثار ذلك الاتّفاق الذي ألزم تحالف العدوان على قبول شرط صرف المرتبات ارتياحاً كَبيراً بين أوساط الشعب اليمني، وأوجد بصيص أمل، وأحيا بارقة تفاؤل في نفوسهم، وأكّـد على أن تحرير اليمن واستعادة سيادته وحريته وقراره السياسي خطوةٌ لتحقيق النصر الكبير بإذن الله.

وفي هذا السياقِ تضغَطُ دولُ العدوان، بشكل مكثّـفٍ، في حربِها الاقتصادية على بلادنا، حَيثُ تبدو الورقةُ الاقتصادية هي آخر الأوراق التي يعمل عليها العدوانُ الأمريكي السعوديّ، والهدف من وراء ذلك هو تركيعُ الشعب اليمني؛ لتغطية هزيمته في الجبهة العسكرية والسياسية؛ ولتحقيق أهدافه في تدمير الاقتصاد الوطني وانهيار العملة المحلية، من خلال تدمير البنية الاقتصادية اليمنية وتدمير المنشآت الصناعية والإنتاجية، وفرض الحصار الشامل، مُرورًا باستهداف البنك المركزي، وضرب قيمة العملة الوطنية، والاستمرار في طباعة العُملة المزورة، وفرض القيود على الواردات والصادرات، والسيطرة على معظم المنافذ، ونهب مواردها من الرسوم الجمركية والضريبية، ونهب ثروات البلاد السيادية من النفط والغاز.

 

نتائجُ الحرب الاقتصادية حفّزت العدوانَ على الاستمرار:

وتمارسُ دولُ العدوان مؤخّراً المزيدَ من الضغط في حربها الاقتصادية على بلادنا، من خلال السحب من الحقوق الخَاصَّة لاحتياطات النقد الأجنبي في الخارج، والاقتراض من صندوق النقد الدولي والعربي بمليار وثلاثمِئة مليون دولار، ورفع الرسوم الجمركية والضرائب 200 % على جميع السلع المستوردة، والكثير من الإجراءات الاقتصادية الفاشلة التي سيكون لها تأثير على الوضع الاقتصادي والمعيشي لليمن، حَيثُ سيؤدي ذلك إلى الارتفاع الكبير في سعر السلع والخدمات، وبالتالي زيادة في معدلات التضخم بنسبة كبيرة، وانخفاض معدل دخل الفرد إلى أكثر من 80 %؛ نتيجة انخفاض القوة الشرائية للعُملة الوطنية، وأضرار وآثار مالية واقتصادية كارثية أُخرى، منها بصفة خَاصَّة الانهيار والمعاناة في الجانب الإنساني والجانب الخدمي، وعجز المواطن عن شراء احتياجاته الأَسَاسية والضرورية من الغذاء والدواء.

وقد استهدفت دول العدوان الاقتصاد الوطني بشكل مباشر وغير مباشر؛ مما تسبب في تدهور حاد، وعدم استقرار في الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية.

كما أفضت إلى خسائرَ وتكاليفَ اقتصاديةٍ جسيمة ترتب على ذلك بروز عدد من الأزمات، حَيثُ انخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة (48 %)، وبالتزامن مع ارتفاع المستوى العام للأسعار والذي أثّر في انخفاض متوسط دخل الفرد بأكثر من (68 %)؛ أي أن الأفراد خسروا ما يعادل أكثر من ثلثَي دخولهم، كما ارتفع مستوى البطالة إلى أكثر من (60 %)، وَأَيْـضاً أثّر استمرار العدوان والحصار وتداعياتهما منذ تسع سنوات على أداء الاقتصاد القومي وعمّق من تدهور الأوضاع الاقتصادية، الذي دفع بالكثير من السكان إلى دائرة الفقر والحرمان، حَيثُ تشير التقارير إلى أن ما يقارب (90 %) من السكان تحت خط الفقر وَ(35 %) منهم وصلوا إلى المرحلة الخامسة من المجاعة، ومن ناحية ثانية فقد شهد الاقتصاد خسارة إضافيةً، معبَّرًا عنها بتكلفة الفرصة الضائعة، تضاف إلى الخسائر في السنوات السابقة، وتجدر الإشارة إلى أن تكلفة الفرصة الضائعة ستستمرُّ في التراكم خلال السنواتِ القادمة.

 

صحيفة المسيرة- الدكتور يحيى علي السقاف*

* وكيلُ وزارة المالية، كاتبٌ وباحثٌ في الشأن الاقتصادي

قد يعجبك ايضا