” دُمُوعُ المَآذِن “

الشاعر / بديع الزمان السلطان

 

ثَاوٍ عـلى الطّورِ، زادي (الشَّرحُ والعَلَقُ)

أُرَتِّــقُ الــدَّمْـعَ شِـعْــراً ، ثُــمَّ يـَنْــفَـتِــقُ

 

أَدُورُ في فَــلَـكِ الـمـعــنـى بِأَخْـيلَـتـَي

وأَنــتَــقـي لُــغَــةً أشْـهــى  وأَسْـتَــرِقُ

 

هُـنـاكَ حيـثُ مَـجَـازاتِـي مُسـَافِـرَةٌ

وحيـثُ يُشعـِلُني الـتِّـذكَــارُ والـوَمَـقُ

 

وقَـفـتُ في زَحـمَـةِ الـزُّوّارِ مُنـتَـظِـرَاً

كَــعَـاشِــقٍ وَلِــهٍ قــد شـَفَّــهُ الأَرَقُ

 

حَـمَــلْـتُ كُـلَّ انْكِـسـاراتـي على كَتِفـي

وجِـئْـتُ نَـحـوَكَ ، والأبْـوابُ تَـنـغَـلِـقُ

 

فــمُــدَّ لـي يـا مَـلَاذَ المُـتْـعَـبــيـنَ يَــدًا

خُـذنِـي إليـكَ فـإِنَّ الأرضَ تَنـطَـبِقُ

 

أَغْـفَتْ عُـيـوْنُ قُـرَيـشٍ جَفنَ ليلَتِـها

وَأطْـفَـأَتْ مَـكَّـةُ القِـنْـدِيـلَ ، وافْتَـرَقُـوا

 

وبـاتَ فِـي بَـيْـتِ عـبدِ اللّـهِ كَـوْكَـبَـةٌ

مِـنَ الـمــلائـِـكِ والأنــوارُ تَـنــبــثِــقُ

 

وَتَــنْـزَويْ فـي يَـمِـيـنِ الـدّارِ (آمِــنَـةٌ)

وَوَجْـهُـهـا مِثْـلُ وَجْـهِ الصُّبْـحِ يَـنْـفَـلِقُ

 

(وشَيْبَـةُ الـحَـمْدِ) قُرْبَ البـَـابِ مُـتَّكِـئٌ

عـلـى عَـصَـاهُ؛ وَسَحَّتْ دَمْـعَـها الحَـدَقُ

 

جـاءَ البـشـيـرُ الـذي ازدَانَـتْ بمَـوْلِــدِهِ

هـذي الـرُّبـى وزهـا بالـسُّـنـدُسِ الأُفُـقُ

 

طِـفـلٌ أطَـلَّ على الدُّنيا وقـد ذَبُـلَت

فأَيـنَـعَـت هـذهِ الأرجــاءُ والـطُّـرُقُ

 

أحـيا الـوجُـودَ بأَمـرِ اللّـهِ مَـولـِدُهُ

وكـانَ مِن قبـلُ مَيـتَاً مـا بِـهِ رمَـقُ

 

ضَجَّـتْ ديـارُ بنـي سَـعـدٍ وقـد وفَـدَتْ

بـهِ حـليـمـةُ خَيـرَاً ، وانحـنى الـوَدَقُ

 

نـادى ( بُحَـيْرَى) برَكْبٍ فيهِ طالِعُهُ

يا أهْـلَ مكَّــةَ هـذا خَـيرُ مَـنْ خُـلِـقُـوا

 

أَبٌ لـِكُـلِّ اليـَتـَامَى وَهْـوَ دُوْنَ أَبٍ

هُـدَىً لِـكُـلِّ الحَـيَـارَى وَجـهـُهُ الأَلِـقُ

 

إليـهِ تنـتَـسـِبُ الأخـلاقُ أجمـعُـها

عَـذبُ الشّـمائِـلِ ، سَهـلٌ ما بِهِ نَـزَقُ

 

سَمـحُ اليَـمِـيـنِ ، كَـريـمٌ ما ثـَنى يَـدَهُ

بـَاهِي المُحـَـيَّـا فَـنِعـمَ الخـَلـقُ والـخُـلُـقُ

 

إذا تـكَــلّـمَ أَصْغَــتْ حـولَـهُ أُمَــمٌ

وإنْ تبَــسّمَ ضـاءَ الـلّـيْـلُ والـغسَـقُ

 

عَـيْنـاهُ مِـئـذَنَـتـَـا ضَـوْءٍ وَدَمْعُـهما

حَـمائِـمٌ في سَـوادِ اللّـيلِ تَـنْـعـتِـقُ

 

تضَـوَّعَـتْ بشَذَاهُ الأرضُ قاطِـبَةً

أنّى توَجَّـهَ ضـاعَ المِسْـكُ والعَـبَـقُ

 

ما بَـيْنَ مِـنْـبَـرهِ البـاكـي ومَـرْقـدِهِ

ها قد وقَفْـتُ وخَلْفي كُـلُّ مَنْ صَدَقُـوا

 

يا سيّدي يا رسولَ اللّهِ قد طَفِحَتْ

شُجُـونُـنا ، وتلَـظَّـتْ هـذهِ الـوَرَقُ

 

يـا ابْـنَ الـذَّبِـيْحَـيْنِ قلبي بعضُ قافيةٍ

بِـرِيـشَـةِ الـدَّمْـعِ أتْلُـوها فـأخْـتَـنِـقُ

 

“ما كُنْتَ بِدْعَاً مِنَ الرُّسْلِ” الّذينَ خَلَوا

ولا أنـا شَاعِـرٌ بِــدْعٌ، فَكَـمْ سَـبَقوا

 

فَـمُـنـذُ أَن قـالَ ( كَعـْبٌ ) فِيْكَ بُـردَتَهُ

ونحـنُ نَـنْسُـجُها زُلْـفى فـتَـنْخَـرِقُ

 

ماذا نقـولُ؟! وفينا ألـفُ مُبكِـيَـةٍ

وأُمّـةٌ فـي جَحـيمِ الـذُّلِّ تحـتـَرِقُ

 

أَمْشي إليكَ كَفِيفَ الخَطْوِ مِن (سَبَأٍ)

تلـك الـبـلادِ التي قـد هـدَّها القَـلَقُ

 

مَعَيْ ارتِعـاشُ يَـدَيْ أُمِّـي ودَمْعَـتُها

وقلـبُها وهـو بالأحـزانِ يَـصْطَـفِـقُ

 

وَبِـي نَـخِــيـلُ مَـجَــازٍ مَـدَّ لِـي سَعَـفَـاً

مَـدَدتُّ رُوحي بِــهِ ظِـلَّاً لِـمَـنْ عَشِـقُـوا

قد يعجبك ايضا