ما سوى الله ناقص وضعيف وهو الحي القيوم الذي نتوكل عليه

موقع أنصار الله | من هدي القرآن | 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} (الفاتحة1: 7).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.

السلام عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته.

قد تقدم في الدروس السابقة أيضًا الحديث حول نعم الله سبحانه وتعالى وإحسانه العظيم إلينا فهنا يقول الإمام علي (عليه السلام): ((وإن أحق من كان كذلك)) أي من يجب أن يجل أو يكبر الله، ويعظم الله في نفسه فيصغر عنده كل ما سواه هو من؟ ((من عظمت نعمة الله عليه ولطف إحسانه إليه)).

من الآيات القرآنية التي نفهم منها ما يتعلق بهذا الموضوع قول الله سبحانه وتعالى: {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر 65) وقلنا: كل من يسمع كلمة (هو) والتي هي ضمير يعود إلى الله سبحانه وتعالى ليثير في نفسك كل ما قد عرفته وسمعته داخل آيات الله في بقية سور القرآن الكريم من حديث حول عظمة الله سبحانه وتعالى.

ويجب أيضا أن تتذكر (هو) في جميع مواقفك في هذه الدنيا، فمتى ما وقفت مترددًا بين أن تقف بصدق مع الله سبحانه وتعالى أو أن تقعد، أو أن تميل مع أطراف أخرى بعيدة عن الله سبحانه وتعالى فتذكر أنك تقارن بين الله وبين غيره فارجع إلى (هو).

{هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65) كل ما سوى الله سيفنى، وكل ما سوى الله ناقص وضعيف، إذًا فمن هو الذي يجب عليّ أن ألتجئ إليه، وأدعوه وأثني عليه وأثق به؟ الله أم شخص آخر؟ الله أم مطمع من مطامع الدنيا؟ الله أم هوى نفسي وشهواتها؟ أنا سأقول: (هو)، سأرجع إلى الله؛ لأنه من؟ {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} هو الحي الدائم البقاء الذي لا يفنى، وهو الإله الذي لا إله غيره، فهو من يجب أن أدعوه مخلصًا له في دعائي، من ألتجئ إليه مخلصًا له في التجائي إليه، من أتوكل عليه منقطعًا في توكلي عليه، من أثق به معرضًا عن كل من ليس في خطه وعلى صراطه.

وهو أيضًا من يجب أن أثني عليه؛ لكماله سبحانه وتعالى، ولعظيم إحسانه إليّ، ولسوابغ نعمه عليّ، إنه إله رحيم، إله عظيم الإحسان، إله يسبغ نعمه على عباده، عباده الذين أنا واحد منهم، وأنا مَن أَعَلَمُ بأن نعمه عليّ لا أستطيع أنا ولا غيري أن يحصيها. وكما قلنا في سؤال سابق أثناء درس من الدروس: من الذي يستطيع أن يحصي نعم الله عليه؟

هو المقدّس، هو المن‍زه، هو الذي من تسبح له السماوات والأرض ومن فيهن، وهو الذي له الحمد، والحمد معناه: الثناء على الله، هو وحده من يستحق الثناء، ومن له الثناء، وهو رب العالمين، إذًا فهو من يجب أن أخلص له.

الإنسان لا يرائي في أعماله إلا إذا لم يكن الله عظيمًا في نفسه، الإنسان لا يرائي في أعماله إلا إذا كان ما يريده من الناس هو في نفسه أعظم مما يمكن أن يحصل عليه من قِبَل الله، وهذا من أعظم الجهل بالله سبحانه وتعالى، من أعظم الجهل بما يسبغه علينا من نعم، من أعظم الجهل بعظم ما عنده مما وعد به أولياءه المؤمنين.

في آية أخرى يقول الله سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام 018) فمن الذي يستطيع أن يغالب الله؟ من الذي يستطيع أن يقهر أولياء الله المعتصمين به، والمتوكلين عليه والواثقين به؟ وهو الذي قال في كتابه الكريم: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (المجادلة:21) {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51) من الذي يستطيع أن يقف أمامه فيحول بينه وبين أن يفِيَ بوعده للمؤمنين الصادقين عنـدما يقول: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: من الآية40)  {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: من الآية7).

إنه القاهر فوق عباده، من هو ذلك الذي يمكن أن نصفه بصفة كهذه من ملوك وزعماء الأرض؟ من هو ذلك الذي قد نقارن بينه وبين الله في جبروته وقهره؟ لا أحد في هذه الدنيا مهما ملك من قوة الله وحده هو القاهر فوق عباده كبيرهم وصغيرهم، ملكهم ومملوكهم، رئيسهم ومرؤوسهم.

وهو الحكيم في أفعاله، الحكيم في تدبيره، أعماله لا عشوائية فيها، ولا جهالة فيها، الخبير بشئون عباده، الخبير بأعمال عباده، الخبير كيف يقهر من تمرد عليه، الخبير كيف ينصر من نصره، الخبير في كيف يفي بوعده لمن وثق به وتوكل عليه.

{وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام: من الآية18) في هذه الدنيا نجد أمثلة كثيرة تبين أن كثيرًا من أولئك الذين يعتمد عليهم الناس فمتى ما انطلقوا ليفوا بوعودهم لهم كم تحصل من أخطاء، أمريكا عندما دخلت أفغانستان، ووقفت مع أحزاب التحالف الشمالي، التي كانت معارضة لحركة طالبان كم حصل من أخطاء من قِبَل الطائرات الأمريكية فضربت مدنًا، وضربت مناطق هي تابعة لأحزاب المعارضة، فحصل قتلى كثير في مناطق هي تابعة لأحزاب المعارضة الذين هم تولوا أمريكا، وأمريكا وقفت معهم، لا أحد مهما كان ناصحًا معك إذا ما توليته وابتعدت عن الله سبحانه وتعالى يمكن أن يكون خبيرًا في كيف يقف معك.

بل نجد كيف أن أمريكا نفسها كم من الزعماء جنّدوا أنفسهم لخدمتها، وقضوا أعمارهم في العمالة لها، وفي تنفيذ مخططاتها، وفي الأخير في وقت الشدة، ووقت ثورة شعوبهم عليهم تتركهم وتتخلى عنهم، وأحيانًا تتخلى عنهم قبل ذلك، كم من شخص جنّد نفسه ليكون جاسوسًا للمخابرات الأمريكية أو غيرها، فيبدوا لهم في حين من الأحيان أن يقضوا عليه، أو يعملوا على أن تصيبه عاهة من الجنون أو نحوه تفقده شعوره.

هكذا يعملون بأوليائهم، أفعال ليست من الحكمة في شيء، أعمال هي فيما يتعلق بذلك الشخص الذي بذل جهده من أجلهم، وضحى بعمره من أجلهم تعتبر مكافئة سيئة على إحسانه إليهم، أما الله سبحانه وتعالى فهو من ينصر أولياءه، ومن يقف مع أوليائه، ومن لا يضيِّع جهود أوليائه، ومن يقرب أولياءه منه، ومن لا يفرط فيهم ولا يضيعهم؛ لأنه الحكيم الخبير.

ويقول سبحانه وتعالى: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ} (القصص70) هو من لـه الثناء، من لـه المجد في الدنيا في هذا العالم وفي الآخرة، هو المقدس، والمن‍زه عن كل نقص، وعن كل قبيح، وعن كل عيب في هذه الدنيا وفي الآخرة.

والدنيا والآخرة عالَمان الإنسان لا بد أن يمضي فيهما، نحن في هذه الدنيا في عالم الأولى، ولا بد أن نَفِدَ ونتحرك جميعًا إلى عالم الآخرة، فمن هو هناك الملك في اليوم الآخر؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى، فهو هناك من له الملك وحده، لا أحد يستطيع أن يتصرف في شئون عباده في اليوم الآخر.

وهو هو سبحانه وتعالى المستحق للحمد والثناء والمجد في الدنيا وفي الآخرة، وهو هو من لا يمكن أن يتنكر لك، فإذا ما وعدك هنا في الدنيا فقد يخلف في الآخرة، لا، هو من ستكون رحمته بك في الآخرة أعظم وأعظم، وسيبدو لك إحسانه إليك في الآخرة أكبر وأكبر مما حصل في الدنيا.

وكونه مستحق للحمد هو لكماله، لقدسيته، فهو، هو الكامل في الدنيا وفي الآخرة، فلا يمكن أن تخشى أن يتغير لديه مزاج كما يحصل للناس في هذه الدنيا، قد تجد شخصًا وفيًا معك، وصادقًا معك فترة، ثم تلمس فيه أنه بدأ يتغير مزاجه، وبدأ يقلب وجهه عنك، قد يصدق معك في موقف معين، ثم يأتي موقف آخر فتراه تغير وتبدل وقعد عنك، ألست ترى بأن هذا الشخص قد اعتراه نقص، قد علاه نوع من النقص، وسوء الخلق؟ فأنت تنظر إليه أنه أصبح يستحق الذم؟ أليس كذلك؟ بل قد تنطلق أنت لتذمه بعبارات قاسية تطلقها من فمك، أما الله سبحانه وتعالى فهو مَن سيكون شعورك نحوه في الآخرة أعظم مما كنت عليه في الدنيا، تتجلى رحمته لك أعظم، وإحسانه إليك أكبر، وتأتيك البشارات الواحدة تلو الأخرى وأنت في موقف الحساب، فالناس تشخص أبصارهم من شـدة الهول، وأنت هناك مطمئن {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس:62)، {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} (الزخرف:68)

يكون أولياؤه – والناس في شدة الحساب – مَن هم متكئون وجالسون على أرائك، والأرائك هي [الكنب] كما نقول في الدنيا، المقاعد الملبسة بالفراش، يقدم لهم الشراب، ويقدم لهم الطعام قبل أن يزفوا إلى الجنة، والناس هناك في هول شديد.

الله من لا يمكن أن تخشى منه أن يتغير أو يتبدل؛ لأن كماله هو كمال ذاتي، وكماله هو الكمال المطلق، إذًا فلماذا لا تثق به؟ لماذا لا تعظم ثقتك به؟ أنت قد تثق بشخص هنا في الدنيا حتى ولو كان رئيس دولة، وأنت تعلم بأنه من المحتمل أن يموت اليوم أو غدًا، من المحتمل أن يحدث عليه انقلاب اليوم أو غدًا، فيصبح مسكينًا لا يستطيع أن يعمل لنفسه شيئًا فضلًا عن أن يعمل لك شيئًا، أما الله فهو من لا يمكن أن يغيره نقص يعتريه، أو إله آخر يقهره، متى ما وثقت به هنا في الدنيا؛ لأنك تراه هو أهل المجد، وأهل الحمد، وأهل الثناء، كذلك ستجده في الآخرة هو أهل المجد، وأهل الحمد، وأهل الثناء لا يتخلف عنك، ولا يتغير أمامك، ولا يتبدل.

{وَلَهُ الْحُكْمُ} (القصص: من الآية70) هو من لـه الحكم هنا في الدنيا، وله الحكم في الآخرة أيضًا، له الحكم في الآخرة في يوم الفصل، لا أحد يستطيع أن يشفع لأحد إلا بإذنه، ولمن ارتضى من عباده، كل عباده يقفون صامتين بين يديه فلا تسمع إلا همسًا {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} (طـه: من الآية108) كل أولئك الذين كانوا يتجبرون في هذه الدنيا، ويطلقون العبارات القاسية ضد المستضعفين من عباد الله، هم مَن سيقفون أذلاء بين يدي مَن أنت تتولاه، هم من ستضحك منهم، وتسخر منهم في الآخرة كما سخروا منك في الدنيا، وكما كانوا يضحكون عليك في الدنيا {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ} (المطففين35).

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله – عظمة الله – الدرس الثامن

ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 26/1/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا