قوام الدين العامة من الناس

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

المؤمن نفسه إذا ما ذكر بآيات الله، سواء تذكره موقفاً هو لديه معرفة نوعاً ما عنه، لكن آيات الله من خلال تذكيره بها سيظهر له أكثر وأكثر أهمية أن يكون له عمل، أن يكون له موقف أن ينطلق بجدية.

وعندما يقول: {خَرُّوا سُجَّداً}(السجدة: من الآية15) أولئك الذين يخرون لله سجداً هم من يرفعون رأس الأمة. ليس معنى أن آيات الله هي تنكس الناس، وأن آيات الله هي التي تضع الناس فيخرون إلى الأرض. الناس الذين يخرون إلى الأرض سجداً لله خشوعاً لله وخضوعاً لله لا يستكبرون أبداً.. هم أولئك الذين يعلون كلمة الله، هم أولئك الذين يعلون رأس الأمة، هم الذين يعلون الدين ويظهرونه فوق الأديان كلها، هم هؤلاء {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة:15) هم من سينطلقون انطلاقة فاعلة.

لأنه ما هو الذي ينقصنا نحن ونحن نجمد، ونحن لا نتكلم سواء من كان منا باسم عالم، أو متعلم، أو عابد، أو أي لقب يحمله: أستاذ، أو نحوه، فلأنا لم نصل إلى هذه الدرجة بعد: الخشوع الكامل لله الذي لا يحصل إلا من خلال معرفته بشكل جيد، التسبيح لله بألسنتنا وقلوبنا، الثناء على الله هذا هو ما ينقصنا، أن هذه ليست حالة مترسخة في أعماق أنفسنا. فإذا ما ترسخت في نفوس الناس تراهم أمة قابلة للنهوض، تجتمع كلمتهم بسهولة، يتحركون بمسارعة.

ألم نتحدث سابقا عن بعض آيات حول صفات المتقين أنهم يسارعون {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(البقرة: من الآية148) {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (آل عمران: من الآية133) قلنا في ذلك الدرس: أن هذه الآيات في [سورة آل عمران] من عند قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} إلى آخر الصفحة فيها من الحديث عن المتقين مطبوعة كلها بطابع المسارعة حتى في صيغها.. نحن نرى أنفسنا نتثاقل الآن.. أليس كذلك؟.

نتحدث جميعا عندما نجلس هنا، أو نجلس في المدرسة، وقد يقول البعض: أنه يود أن يكون هناك من يسمع هذا الحديث، لكن هل انطلقنا بجدية ومسارعة إلى أن نعمل العمل الكثير الذي يجعل الآخرين يسمعون هذا الحديث الذي قد تراه حديثا مناسبا أن يسمعه الآخرون.. حالة التثاقل، التباطؤ, وهي حالة سيئة عواقبها سيئة، ما تزال ماثلة.. لماذا؟ لسنا بعد ممن وصل إلى هذه الدرجة: {إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً} لعظم تأثيرها في نفوسهم {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} لا يستنكفون أمام أي شيء من آيات الله يسمعونه.

وأحيانا قد يكون موقف الإنسان موقف المستكبر، لكنه يبحث عن أي تبرير لموقفه، وهو يقعد أو وهو يعارض عملا مثل هذا يراه الآخرون أنه عمل فيه إرضاء لله، وفيه نصر لدينه، أو يعبر عن موقف ما في مواجهة أعدائه

ينطلق للتبريرات يعملها؛ لأنه في واقعه مستكبر، كلام سمعه من صغير وهو يحمل لقبا أكبر من لقب هذا، علامة مثلا، أو شيخ، أو فلان. فهو إذا ما قبل؛ لأن معنى {ذُكِّرُوا} من طرف آخر.. أليس كذلك؟.

{وَالّذ يْنَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً} ذكروا من طرف آخر ذكرهم بها، والله سبحانه وتعالى يعتبر للتذكير أهميته من أي طرف كان ولو من صغير {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا}(المائدة: من الآية23) ألم يقل هكذا في القرآن؟ {رَجُلانِ}، مؤمن آل فرعون، ذلك الرجل العظيم يصدر كلامه وكلام أولئك الرجال كما يصدر كلام الأنبياء في صفحات القرآن الكريم {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}(غافر: من الآية28) وهكذا يتحدث كلام طويل في [سورة غافر] قريباً من صفحة أو أكثر.

المؤمن لا يستكبر إذا ما ذكّر من صغير أو ذكر من طرف آخر يراه وضيعا، يراه دونه في المراتب الاجتماعية، يراه دونه فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أنا تاجر وهذا فقير، أنا من أعيان القبيلة وهذا مواطن عادي، أنا علاّمة وهذا ما يزال طالب علم, وهكذا كلمة: رجلان {قَالَ رَجُلانِ} تجعل للتذكير قيمته من رجل يحمل اسم رجل أقل شيء فيه، لم يقل قال عالمان، قال أستاذان، قال شيخان، قال الملأ من أصحاب موسى، أو بعبارة من هذه..

ألم يقل القرآن رجلان؟ يعتد بكلام الرجل مهما كان، يعتد بتذكير الرجلين مهما كان مقامهما.

ولأنه عادة يأتي التذكير بآيات الله في مقامات عملية، والأعمال – عادة – تكون شاقة على كثير من الكبار من الوجهاء وأصحاب المكانة الاجتماعية؛ لأنه ينظر إلى وضعيته وضعية محترمة لا يريد أن يخرج منها؛ ولهذا تجد في القرآن الكريم الكثير من أخبار من كانوا يعارضون الأنبياء معارضة شديدة هم الملأ الذين استكبروا من قومه، {قَالَ الْمَلأً الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}(الأعراف: من الآية66) {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ}(الأعراف: من الآية109) {قَالَ الْمَلأُ} يرد كثيراً في [سورة الأنبياء] وغيرها. ومن كانوا ينطلقون أنصارا لدين الله وفي أول المستجيبين لدعوة الرسل والمجاهدين بين أيدي الرسل من هم؟ كانوا هم المستضعفين، المواطنين العاديين، الناس العاديين، هم من كانوا ينطلقون ويستجيبون.

المؤمن إذا ذكر بآيات الله من أي طرف كان يتقبل، ويكون للتذكير قيمته، ويشكر من ذكره، ويعتبر أنه أسدى إليه جميلا، نصحه، وصَّاه، ذكَّره، عمل على إنقاذه، يعني: أنه عمل على إنقاذه، لكن لا يكون للتذكير قيمته عند كثير ممن يواجهون تذكيرك من الوجهاءإذا كان لديهم استكبار في أنفسهم، ألسنا نرى أننا بحاجة إلى أن نقول لأولئك الكبار؟ ونرى بأننا لو قلنا لهم: لو انطلق علماء، وانطلق مشايخ، وانطلق وجهاء ووقفوا هذا الموقف، أو قالوا هذا [الشعار]، أو عمموا هذا [الشعار]، لرأينا أنه سيكون أكثر فاعلية وأكثر تأثيراً.

لكن أولئك الذين تعتقد أنهم أكثر تأثيراً هم من في أوساطهم عراقيل تمنعهم عن أن يستجيبوا لك، فانطلق انطلاقة الأنبياء تحدث مع الناس جميعاً وعلى صعيد واحد ولا تحتقر أحداً، تحدث حتى مع ذلك الشخص الذي ترى بأنه فيما لو قبل مني هذا الكلام ماذا يمكن أن يعمل، الذين يعملون الأعمال الكبيرة هم صغار الناس، هم المستضعفون، الموعودون بالنصر الإلهي هم من؟ المستضعفون، الذين تتحرك رسالات الله لإنقاذهم من هم؟ المستضعفون، {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} (القصص5 -6).

أنت لا تجلس دائما ترى نفسك صغيراً، أو ترى الآخرين صغاراً، أو ترى تجمعاتهم تستقلها تحتقرها؛ لأنه ليس فيها شخصيات فلان وفلان وفلان. أولئك هم من لا يتحرك لك الواحد منهم إلا في الوقت الذي قد يمكنك أن تحرك مئة شخص من الآخرين. وهو إذا ما تحرك قد لا يكون له تأثير كتأثير الأشخاص الصغار، الذين آمنوا وانطلقوا بفاعلية، أولئك الكبار هم من لديهم اعتبارات معينة يحافظون عليها، ممن ينظر إليك وأنت تذكره أنك تحت، أنك دونه فلا يكاد يسمع منك، ولا يكاد يستفيد منك، حتى ولو دخل كلامك إلى أعماق نفسه سيتجاهلك، يتجاهلك، هو لا يريد أن يحسسك بأنه تأثر من قبلك، ممكن يتأثر بطرف آخر، يريد يرى واحد أكبر منك يتأثر به! نوعية متعبة.

ولهذا تجد كيف أن القرآن الكريم يحكي لنا أنه كان يعرض على عدد من الأنبياء من قبل الكبار [الملأ] أن اطرد أولئك الناس من مجلسك، الضعاف هؤلاء الضعاف المساكين اطردهم من مجلسك ونحن سنؤمن، قالوا لنوح وقالوا لغيره من الأنبياء، وقالوا لمحمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، الله وقف مع أولئك، لا يمكن إطلاقا أن تطرد ولا شخصا واحدا من ضعاف الناس وإن كان مقابل أن يؤمن مائة شخص من هؤلاء الكبار، و[سورة عبس] تحكي لنا السخرية من أولئك: لا تهتم بهم، التفت إلى هذا المسكين الأعمى هو يريد أن يستفيد منك {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} (عبس5 – 7) اتركه. إن أحب أن يؤمن كما يؤمن الناس.. فهذا دين الله للناس وليس للملأ الذين استكبروا، هذا دين للناس جميعا، ومن انطلق فيه وتحرك فيه فهو كبير، هو كبير عند الله سبحانه وتعالى.

الله لا ينظر إلى رأس ماله، ولا ينظر إلى مكانته الاجتماعية، ولا ينظر إلى الطبقة أو الفئة التي هو منها، استجاب هو كبير عند الله مكرم عند الله، في مصاف أوليائه.. لم يسمح الله أبدا لأنبيائه أن يطردوا أحدا.

وأنت تتحرك في هذا الميدان كما يتحرك الآخرون في الميدان الثقافي. لا تربط مشاعرك أبدا بالكبار، لا يكن همك أن يدخل هؤلاء الكبار، ولو بواسطة أن نقدم تنازلات لهم، أن نسلمهم زمام أمورنا، أن نمجدهم، أن نشجعهم، أن نُنَخِطَهُمْ بعباراتنا، نفرح – في هذا الوقت – ونفرح، ونفرح، هذا هو الخلل الكبير؛ لأن من دخل بإملاءات وشروط هو ذلك الذي يريد أن تكون حركة الناس على وفق ما يريد وبالشكل الذي يراعي مشاعره ومصالحه.

أما أولئك الصغار من الناس الذين هم صغار في نظر الآخرين، هم من ينطلقون وليس لديهم قائمة من المصالح المادية والمعنوية، يريدون أن يسخروا هذا العمل الثقافي، أو الاجتماعي، أو الجهادي، لمصالحهم.

الصغار تكون عادة نفوسهم طاهرة أكثر من الكبار، صغار الناس – إن صح التعبير – أي الناس العاديون عوام الناس، وهذه هي كانت نظرة الإمام علي (عليه السلام) كان يقول: ((وإنما قوام الدين العامة من الناس)) كان يقول لـ[مالك الأشتر] – وانظروها في عهد الإمام علي لمالك الأشتر في [نهج البلاغة] – : ((فليكن صغوك إليهم.. وليكن.. كذا)) يوجهه لأن يهتم بالعامة من الناس، لا تشغل نفسك بأولئك الكبار.

لاحظنا أخطاء حصلت في الماضي في عملنا الثقافي، وكم سمعنا من زملائنا من محاولات – بحسن نية – قد توقعنا في أخطاء أيضا، ورأينا الآخرين هم يتحركون باسم الدين يغلطون أيضا وهم يحاولون أن يسكتوا عن هذه من أجل أن نكسب فلاناً، ونتمشى مع هذا من أجل أن نكسبه، ومن أجل نكسب هذا الحزب، ونكسب هذا الشيخ، ونكسب هذا الشخص، هم لم يعرفوا أنهم في الأخير إنما سخروا هذا الدين الذي يتحركون باسمه لأولئك الكبار.

 

 [الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله وعده ووعيده

الدرس الثالث عشر

ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 5/2/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا