اليمنُ يواكبُ التصعيدَ الصهيوني في غزة: أمريكا وبريطانيا مردوعتان في البحر
||صحافة||
مَثَّــلَ يومُ الاثنين، التاسع عشر من فبراير الجاري، محطَّةَ تحوُّلٍ كبيرٍ في مسارِ الجبهةِ اليمنية المسانِدةِ لغزةَ على طريق معادلة “التصعيد بالتصعيد”، حَيثُ فتحت عمليات إغراق سفينة بريطانية واستهداف سفينتَينِ أمريكيتين وإسقاط طائرة أمريكية مقاتلة بدون طيار مستوىً جديدًا متقدمًا من النشاط العسكري اليمني يواكب مستوى تصعيد العدوّ الصهيوني في غزة، ويثبِّتُ ميزانًا مهمًّا يقضي بأن استمرار إبادة الفلسطينيين وما ينطوي عليه ذلك من عدوان مُستمرّ على اليمن، لا يمكن أن يمر بدون رد فعل مؤثر وفاعل مفتوح على كُـلِّ الاحتمالات، بما في ذلك توجيه ضربات تأريخية على أركان نظام الهيمنة الغربية الصهيونية في المنطقة.
ضربات يوم الاثنين، الأربع، بما تضمنته من تنوع عملياتي ملفت، أثبتت مجدّدًا للأعداء أن انخراطَ اليمن في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدَّس” لم يكُنْ لأجل إسقاط الواجب فقط؛ بل لأجل إحداث التأثير المطلوب على العدوّ لوقف العدوان والحصار على قطاع غزة؛ ولأن العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن جاء لتحقيق هدف رئيسي هو منح الكيان الصهيوني الفرصةَ لمواصلة إبادة الفلسطينيين؛ فقد جاء تصعيد الرد اليمني على هذا العدوان بصورة تحقّق الردع لواشنطن ولندن وتل أبيب معًا.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن تأثيرَ عمليات يوم الاثنين، على كيان العدوّ الصهيوني ليس تأثيرًا غيرَ مباشر؛ لأَنَّ هذه العملياتِ تثبت أَوَّلًا واقعَ إغلاق البحر الأحمر والبحر العربي أمام وصول أية سفن أَو إمدَادات إلى العدوّ، كما أن مضاعَفَةَ فاتورة خسائر الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وزعزعة نفوذهما الجيوسياسي وهيمنتهما في المنطقة، تؤثِّرُ مباشرة على موقف العدوّ الصهيوني من حَيثُ ضرب الأَسَاس الذي يعتمد عليه في وجوده وفي مواصلة حربه الإجرامية، وهذا الأَسَاس هو الدعم الأمريكي البريطاني الذي إن توقف لن يستطيعَ الاحتلالُ الصمودَ لأسابيعَ.
هذا التأثيرُ هو الإطارُ الأَسَاسي لقراءة الموقف اليمني في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن؛ فكما أن العدوان الأمريكي البريطاني على اليمن لم يكن منفصلًا عن الإبادة الصهيونية في غزة، تحرص القيادة اليمنية على أن تجعل الرد على هذا العدوان أَيْـضاً بالمستوى الذي يحقّق الضغط اللازم؛ مِن أجل وقف تلك الإبادة؛ ولهذا جاء تركُّزُ التصعيد على مواضع الألم التي لا يستطيع الأمريكيون والبريطانيون تحملها كَثيراً، فرفع وتيرة استهداف السفن الأمريكية والبريطانية وُصُـولاً إلى إغراق إحداها، يضع الأمريكيين والبريطانيين أمام حقيقة أن ما يواجهونه في البحر الأحمر لن يكون قابلًا للاحتواء والتحمل كما يظنون، خُصُوصاً بعد أن ثبت فشلُهم تحَرُّكُهم العسكري الذي يبدو أنهم كانوا يعوِّلون عليه كثيرًا في التقليل من مستوى وحجم العمليات اليمنية بحيث يمكن تحمُّلُها على الأقل.
إن التصعيدَ اليمني الذي شهدته الجبهةُ البحرية هذا الأسبوع، يوصلُ رسالةً رئيسية واضحة وهو أن أُفُقَ العمليات اليمنية يحدِّدُه مستوى الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ولا تحدّده الاعتبارات السياسية والخطوط الحمراء المزيَّفة التي طمسها كيانُ العدوّ الصهيوني ورُعاته بشكل كامل في غزة، وبالتالي فَــإنَّ وقوف الولايات المتحدة وبريطانيا أمام أكبر مواجهة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية وأمام أسلحة لم تُستخدَمْ من قبلُ في التأريخ هو يعكس حقيقة أن الجبهة اليمنية ليست جبهةَ إسقاط واجب، بل جبهةُ مواكبة وتأثير، ومثلما أن الإبادةَ التي يتعرض لها سكان قطاع غزة غيرُ مسبوقة، فعلى الأمريكيون والبريطانيون ألا يطمئنوا إلى حساباتهم بخصوص سقف العمليات اليمنية الهادفة لوقف تلك الإبادة.
وقد عكست عملياتُ التصعيد اليمني هذا الأسبوع -ومنذ بداية اشتعال الجبهة اليمنية في الواقع- إدراكًا من القيادة اليمنية لضرورة حرق المراحل والبدء من مستوياتٍ متقدمة؛ لتحقيق الضغط المطلوب الذي لا يستطيع العدوُّ الاعتمادَ على فكرة تحمله.
ويمكن القولُ في هذا السياق إن القواتِ المسلحةَ قد وصلت إلى مرحلة تحقيق ردع حقيقي لأمريكا وبريطانيا في الجبهة البحرية؛ إذ أكّـدت عملياتُ يوم الاثنين، بشكل واضح أن كُـلَّ مقاليد المواجهة البحرية بيد صنعاءَ خفضًا وتصعيدًا، وأن القرار اليمني في إيلام الأعداء ليس محكومًا بأية قيود تضع له سقفًا معيَّنًا يقف عنده، أما أمريكا وبريطانيا فقد أثبتتا أنهما “مردوعتان” بشكل واضح من خلال الاعترافات الصريحة بالفشل في التأثيرِ على قدرات وعزيمة اليمن، ثم من خلال اللجوء السريع إلى الوساطة الصينية والفشل في ذلك أَيْـضاً.
وستمثِّلُ التأثيراتُ الفوريةُ لهذا الردع اليمني ضغطًا هائلًا على الحكومتين الأمريكية والبريطانية؛ لأَنَّ الوصول إلى مرحلة إغراق السفن ستكون له -وفقًا لتجربة المرحلة الماضية- تأثيراتٌ سريعة وكبيرة على حركة التجارة الأمريكية والبريطانية، عبر البحر الأحمر وباب المندب، ناهيك عن التأثير طويل الأمد على قوة ونفوذ واشنطن في المنطقة والذي سيدرك الأمريكيون أن الوقت قد فاتَ لتداركه، وإن قرّرت مواصلةَ التزامها بدعم وحماية الكيان الصهيوني وتجاهل هذه التأثيرات فَــإنَّها ستضاعف بذلك هشاشةَ موقفها الذي يعتمد عليه الكيان الصهيوني لتكونَ النتيجة النهائية هزيمتهما معًا؛ إذ لا أفق – في هذا الواقع- لانتصارهما.
صحيفة المسيرة| ضرار الطيب