الصراع البحري ودور محور المقاومة في خلخلة الأمن الصهيو – أميركي

||صحافة||

بالرغم من عدم وجود مخاطر ولا تهديدات يمنية للمصالح الأوروبية باستثناء ما يخص الدول المتعاونة مع الكيان الصهيوني، أطلق الاتحاد الأوروبي رسميًا مهمّة تحت لافتة المساعدة في حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين في اليمن، وأطلق مجلس الاتحاد الأوروبي على هذه العمليات “أسبيدس”، أي الدرع، وزعم أنها من نوعية العمليات الأمنية البحرية الدفاعية.

وقد وردت إشارة ف البيان تفضح المخطّط الحقيقي للعملية، حيث تتطابق هذه الإشارة مع الخطط الجيوستراتيجية الأميركية في المنطقة، حين أشار البيان الأوروبي إلى أن العمليات تشمل مضيقي باب المندب وهرمز والمياه الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب وخليج عمان والخليج العربي.

وحول التفاصيل العسكرية المرتقبة، أوضح البيان أن المهمّة الدفاعية للعملية تشمل “مرافقة السفن وحمايتها من الهجمات المحتملة متعددة المجالات في البحر”، وأشار إلى أن مقر العملية سيكون في مدينة لاريسا شمال وسط اليونان.

وقبل الحديث عن التداعيات المرتقبة لهذا التطور، لا بد من التوقف عند بعض الدلالات المباشرة:

1 – الاتحاد الأوروبي هنا يعلن اصطفافه العسكري مع العدوّ الإسرائيلي لحماية مصالح الكيان كونها هي المستهدفة حصرًا من المقاومة اليمنية، وهو تطوّر أوروبي جماعي يتخطّى نطاق النفاق والغطاء السياسي الأوروبي والدولي بشكل عام للجرائم الصهيونية.

2 – الحرص على الإعلان أن العملية دفاعية تنطوي على خشية من المقاومة اليمنية وقوتها وهو فارق بين المشاركة في التحالف الهجومي الذي شكلته أميركا للعدوان على اليمن، وبين تحالف يعلن أنه للحماية، وهو دليل أن القوّة اليمنية تعاظمت لدرجة باتت أوروبا تخشى من معاداتها واستفزازها علنًا.

3 – نطاق عمل المهمّة الأوروبية يتطابق مع النطاق الجيوستراتيجي الأميركي في باب المندب وخليج عدن وبحر العرب والخليج، وهو ما يعني أن القوّة الأميركية غير كافية للقيام بمهام في البحار المغلقة والمفتوحة معًا وبحاجة لدعم، من جهة، ومن جهة أخرى، أن أميركا بحاجة لمزيد من الغطاء الأوروبي والدولي لسياستها المفضوحة في عسكرة البحر الأحمر لحماية الكيان حصرًا ودعمه في عدوانه الإجرامي.

4 – عسكرة البحر الأحمر بتوسيع التحالفات الدولية العسكرية العاملة به يوحي بأن المعركة في المنطقة تكتسب شيئًا فشيئًا صفة المعركة الدولية وتقترب من التحالفات التي جرى تدشينها في الحرب الروسية الأوكرانية، وهو بعد دولي جديد ينذر بمزيد من الانزلاقات.

وممّا لا شك فيه أن أميركا والتي تورط أوروبا في صراعات الهيمنة ترتزق من هذه الصراعات، ففي العام 2023 وحده، حقق المجمع الصناعي العسكري الأميركي ربحًا قدره 81 مليار دولار من بيع الأسلحة إلى دول أخرى، ومقارنة بالعام 2022، قفزت المبيعات بأكثر من 50 بالمئة! ووفقًا لإحصائيات وزارة الخارجية الأميركية نفسها، فإن العقود الأكثر ربحية هي من المروحيات الهجومية وطائرات النقل وقاذفات الصواريخ بعيدة المدى. وأكبر المشترين هما برلين ووارسو.

كما تفيد التقارير بأن جميع أعضاء الناتو يحاولون “تعزيز ومضاعفة” أسلحتهم استعدادًا لـ “مواجهة مستقبلية حتمية مع روسيا”. فالبيت الأبيض يؤكد باستمرار أن المجمع الصناعي العسكري الروسي الذي تعرض للعقوبات مجبر على الخروج من معظم السوق العالمية، وهذا “مجال فرص” للشركات العسكرية الأميركية. وقد صرح أكبر أقطاب صناعة “الدفاع” الأميركية، بكلّ فخر، بأنهم “أخذوا من الكرملين” شريحة كبيرة من سوق الأسلحة العالمية.

وممّا لا شك فيه أن أميركا تجد فرصة في مضيق “باب المندب” الذي يحتل الرتبة الثالثة عالميًا من حيث عبور موارد الطاقة، بعد مضيقي ملقا وهرمز، والذي تمر فيه معظم صادرات النفط والغاز الطبيعي من الخليج، التي تعبر قناة السويس أو خط أنابيب “سوميد”، والذي يقدر عدد السفن التي تمر عبره بأكثر من 21 ألفا سنويًا، بما يعادل 57 سفينة يوميًا، وتمر به معظم أنشطة التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا، ونحو 10% من حركة الملاحة العالمية.

لكن الشاهد هنا، هو ما أحدثته اليمن من تطوّر بالصراع ومن خطر حقيقي على الأمن القوميّ الصهيوني ومن خلخلة للمصالح الأميركية وخططها الجيوستراتيجية.

بشكل عام، ومع طبيعة العصر وتقدمه فقد تغيرت كثير من المفاهيم الاستراتجية والجيوسياسية، حيث أدى اكتشاف الموارد البحرية الجديدة التي يسهل استخراجها مع التقدم التكنولوجي إلى زيادة الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية للمناطق الاقتصادية الخالصة في البحار، فضلًا عن الأهمية المتزايدة للممرات الملاحية التي أصبحت تحتلّ مكانة استراتيجية لاستقرار النظام الدولي كونها شرايين حيوية لحركة التجارة العالمية وخطوط الإمداد والتوريد.

وبشكل خاص على مستوى الأمن القوميّ للعدو الإسرائيلي، فقد تزايدت خلال السنوات الماضية الأهمية الاستراتيجية لهذه المناطق البحرية، بحكم الجغرافيا الذي يجعل الكيان في تماس مع البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وبرزت جملة من الاعتبارات والمحدّدات التي تحكم أهمية تلك المناطق بالنسبة إلى الكيان.

ووفقًا لتقرير التقييم الاستراتيجي البحري لـ”إسرائيل” لعام 2016، الصادر لأول مرة عن مركز أبحاث حيفا للسياسة والاستراتيجية البحرية، فإنّ المخاطر يتمثل أولها في العنصر البحري كونه جزءًا من التهديد العام لـ”إسرائيل”، بما في ذلك الحدود البحرية المشتركة مع لبنان وحزب الله في الشمال وحماس في الجنوب.

وثانيها، طبيعة الاقتصاد الإسرائيلي، حيث يُنظر إلى “إسرائيل” بأن لديها (اقتصاد جزيرة)؛ نظرًا لكونها لا تملك تجارة كبيرة عن طريق البر مع الدول التي تحدها -باستثناء تعاملاتها المحدودة مع الأردن عبر ميناء حيفا في نقل البضائع- وبالتالي فالاقتصاد الإسرائيلي يعتمد بشكل شبه كامل على الممرات البحرية المفتوحة والموانئ في كلّ من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، حيث تستورد غالبية الاحتياجات الوجودية الأساسية مثل معظم الحبوب (القمح والأرز والذرة وما إلى ذلك)، وكذلك النفط الخام الذي يخدم احتياجاتها للطاقة.

وثالثها، البيئة الاقتصادية البحرية التي تحتوى على خزانات كبيرة للغاز الطبيعي. ومن المفترض أيضًا خزانات النفط، وبالتالي يحدث قدر كبير من النشاط التجاري على نحو يتطلب بيئة آمنة ومريحة تضمن إمدادًا رخيصًا وموثوقًا ومستمرًا للطاقة ودخلًا من عائدات تصدير الغاز الطبيعي.

ورابعها، الرغبة الإسرائيلية في تعزيز العمق الاستراتيجي؛ حيث إن نقص المساحات الأرضية المتاحة تؤثر على قدرتها على تخطيط وتطوير البنية التحتية مثل المطارات ومرافق تحلية المياه، ومحطات الطاقة، وما إلى ذلك. كما أن ندرة الأراضي المتاحة، خاصة على طول الساحل، حيث يتركز 80 ٪ من الإسرائيليين، تُثير معارضة الرأي العام لأي استخدام للأراضي بالقرب من الواجهة البحرية.

وخامسها، الحاجة إلى تحلية مياه البحر، حلًا لنقص المياه؛ حيث قللت “إسرائيل” من اعتمادها على مصادر المياه الموجودة في أراضي الدول الأخرى.

ووفقًا لهذه المحدّدات التي تعكس أهمية حيوية لتلك المناطق البحرية للأمن القوميّ الإسرائيلي، إلى جانب التحولات الجيوسياسية التي شهدتها تلك المناطق، من ناحية تزايد التنافس الدولي والإقليمي على تعزيز النفوذ هناك، وتزايد الأهمية الاقتصادية في ضوء الاكتشافات النفطية، هذا فضلًا عن تصاعد الصراعات العنيفة داخل الدول المشاطئة، فقد تشكلت خريطة من التهديدات التقليدية وغير التقليدية.

وحدد العدوّ الإسرائيلي جملة من الحلول لذلك، إلا أنه لم ينجح في عمل شئ منها سوى خطوتين فقط، وهما:

الأولى: التنسيق العملياتي مع القيادة المركزية الأميركية وتأمين الدعم، وذلك نظرًا لتجاوز الحملة البحرية في جنوب البحر الأحمر وبحر العرب، وكذلك شرق المتوسط، القدرات البحرية المستقلة للبحرية الإسرائيلية، قرر الكيان تكثيف تعاونه مع الأسطول الخامس للولايات المتحدة والقيادة المركزية، واتجه إلى تعزيز علاقاته مع الجيش الأميركي في منتصف يناير/كانون الثاني 2021، قبل عدة أيام من تنصيب الرئيس الأميركي (جو بايدن)؛ حيث قررت إدارة ترامب في ذلك الوقت نقل “إسرائيل” من القيادة الأوروبية (EUCOM) إلى القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، والتي من الناحية الجغرافية ستجعل المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط ومناطقها البحرية أكثر ارتباطًا للاستراتيجية العسكرية الأميركية والتخطيط.

الثانية: التعاون الإقليمي حول تأمين المناطق البحرية، حيث يسعى الكيان إلى تعزيز تعاونه الإقليمي عبر الساحة البحرية، فرغم إنه ليس لاعبًا في البحر الأحمر بالمقارنة مع الأصول التي يمتلكها في البحر المتوسط، إلا أن لديه اهتمام بما يحدث في البحر الأحمر، لذا سعى خلال السنوات الماضية إلى إيجاد أرضية مشتركة مع الدول الإقليمية على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في إطار التهديد المحتمل من جانب الحوثيين والإيرانيين في جنوب البحر الأحمر. ووفقًا لتقديرات الباحثين الإسرائيليين التي جاءت في تقرير التقييم الاستراتيجي البحري لـ”إسرائيل”  لعام (2021 – 2022)، الصادر عن مركز أبحاث حيفا للسياسة والاستراتيجية البحرية، فإنّ “إسرائيل” تسعى إلى الإفادة من الانتشار العسكري الإماراتي في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن من أجل مراقبة الحركة البحرية في المنطقة. وأن “إسرائيل” تنظر للتحالفات العسكرية والاقتصادية المرتبطة بالبحر الأحمر، والتي أقيمت في إطار مبادرات سعودية في السنوات الأخيرة، وتتّجه بوصلتها نحو شرق إفريقيا، أن تكون بمثابة منصة للتعاون الإقليمي مكملأ لاتفاقات آبراهام. وهو ما سيسهل مهمّة “تل أبيب” في تحقيق هدفها المرتبط بالاعتراف بوضعها في البحر الأحمر.

هنا تأتي أهمية وحدة الساحات، بما يشكّله حزب الله من رادع للطموحات الصهيونية في المتوسط، وبما يشكّله اليمن من تأثير على المصالح الصهيونية في البحر الأحمر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ما يشكّله محور المقاومة من مواجهة للمحاولات الأميركية للهيمنة على البحار وضمان أمن الكيان وحل مشكلاته الوجودية.

 

العهد الاخباري: إيهاب شوقي

 

قد يعجبك ايضا