اليمنُ قادمٌ بصفعات خارج التوقعات
||صحافة||
بعدَ نحوِ شهرَينِ منذ بدءِ العدوانِ الأمريكي البريطاني على اليمنِ، في الـ12 من يناير الماضي، بات لزاماً على واشنطن ولندن إدراكُ أن عدوانهما سينعكسُ حتماً بنتائجَ عكسيةٍ ترجِّحُ الكَفَّةَ لليمن.
وبعد أن عقّب السيد القائد عبد الملك الحوثي –يحفظه الله- في الـ7 من رجب في أول خطاب بعد العدوان الجديد، وقدم حينها البشرى للشعب بتطوير القدرات، وما أعقب تلك البشارات من عمليات خاطفة ضد العدوّ الصهيوني ورعاته، براً وبحراً وجواً، وُصُـولاً إلى آخر العمليات، يرسّخ حقيقة البشرى، ويؤكّـد مصاديق قول القائد بأن الصلف البريطاني الأمريكي سيسهم أكثر وأكثر في تطوير قدراتنا، كما كان قبله العدوان السعوديّ -الأمريكي -الإماراتي.
هنا لم يتوقف اليمنُ وقائدُه عند هذه النقطة، بل جاء القائد في خطابه الأخير برسالة مدوية كان وقعها كالصاعقة على الأعداء، عندما توعد بمفاجآت فوق مستوى التوقعات؛ ليفتحَ صادقُ القول والفعل باباً جديدًا من أبواب الجحيم على أعداء اليمن.
وبالعودة إلى سلسلة العمليات النوعية التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية منذ بدء العدوان الأمريكي -البريطاني، وما لاحظه الجميع من تصاعد على مستوى العمليات وتوسيعها وتوسع أهدافها، يمكن لأي مراقب تقييم فاعلية غارات لندن وواشنطن، حَيثُ لم تتمكّن الطائرات والبارجات والقطع الحربية والخلايا الاستخبارية والوسائل التجسسية من عرقلة مسار اليمن الرادع، ولا حتى على الأقل من الحد من هذه العمليات وإرباكها، بل العكس من كُـلّ ذلك، زادت شهية الباليستيات والمسيَّرات والصواريخ البحرية والجوية الدفاعية، نحو الانقضاض على السفن المرتبطة بالعدوّ ورعاته، حَيثُ بلغت العمليات من الـ12 من يناير 21 عملية، استهدفت عشرات السفن في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، وفوقها عشرات الأهداف الحساسة للعدو في أم الرشراش، فضلاً عن اصطياد الطائرات التجسسية الأمريكية وتبديد فاعلية الغواصات الاستطلاعية المعادية.
وهذه الحصيلة كفيلة بأن تصنف عمليات لندن وواشنطن في قائمة الفشل الذريع، خُصُوصاً بعد ارتفاع منسوب النيران الصديقة في البحر.
عملياتٌ تظهر المفارقات:
وفي السياق ذاته، نسلط الضوء على آخر ثلاث عمليات للقوات المسلحة اليمنية التي نفذت في الـ20 والـ22 والـ25 من فبراير، واستهدفت الأولى سفناً حربية أمريكية في البحرين الأحمر والعربي بعدد من الطائرات المسيَّرة، والتي بدورها أَيْـضاً طالت مواقع حساسة للعدو في “أم الرشراش”، وسفينة إسرائيليةٍ “MSC SILVER” في خليج عدن، فيما كانت العملية الثانية تحمل ثلاثة مراحل استهدفت المرحلة الأولى أهدافاً للعدو في “أم الرشراش” بدفعة صواريخ بالستية وطائرات مسيَّرة، والمرحلة الثانية طالت سفينة بريطانية “ISLANDER” في خليج عدن؛ ما أَدَّى لاحتراقها وغرقها، وأعقبها المرحلة الثالثة باستهداف مدمّـرة أمريكية في البحر الأحمر بعدد من الطائرات المسيَّرة، أما العمليةُ الثالثةُ فقد طالت صواريخُها المناسبةُ سفينةً نفطية أمريكية “TORM THOR” في خليج عدن وسفناً حربية تابعةً لواشنطن في البحر العربي بعدد من المسيَّرات. وتعقيباً على ما ذكر حصراً عن العمليات الثلاث الأخيرة، نجد العديد من الدلالات التي تظهر مدى القدرات في عدة مستويات، مقابل فشل أمريكي -بريطاني ذريع.
وبغض النظر عن تتابع العمليات الذي يكشف الزخم العسكري المضبوط ويحمل معه عدة دلالات، فَــإنَّنا ننظر كمثال إلى العملية الوسطى المنفذة في الـ22 من فبراير على ثلاث مراحل، طالت ثلاثة أعداء “أمريكا وبريطانيا وكيان العدو”، على ثلاثة محاور جغرافية متباعدة “أهداف للعدو في أم الرشراش، وسفينة بريطانية في خليج عدن، ومدمّـرة أمريكية في البحر الأحمر”، وباستخدام ثلاثة أنواع من الأسلحة “صواريخ بالستية وأُخرى بحرية وطائرات مسيَّرة”، وبأعداد متفاوتة حسب التكتيك.
هنا يظهر للجميع أن استهداف أهداف متعددة ومتباعدة ومختلفة الطبيعة الجغرافية، يظهر حجم القدرات اليمنية على اختزال كُـلّ تلك النقاط في مسرح عملياتي واحد وواسع؛ بما يمكِّنُ اليمنَ من مواجهة أكبر عدد ممكن من الأطراف المعادية، في حين أن استخدام أسلحة متنوعة ومختلفة المزايا والقدرات وتوظيفها لضرب الأهداف في ثلاث نقاط جغرافية متعددة المسافات يؤكّـد مدى قدرات القوات المسلحة اليمنية على إدارة مسرح العمليات الواسع بعدة غرف عملياتية وبتناغم كبير أنتج تنسيقاً عاليًا في أزمنة الإطلاق بما يؤدي إلى توحيد لحظة الاستهداف، على الرغم من تعدد المسافات واختلاف العوارض الجغرافية وتنوع مزايا الأسلحة المستخدمة، وهنا جانب ينقل جزءاً من القدرات اليمانية الكاسرة لكل القيود.
وفي مقابل هذا التطور تظهر نقاط الفشل الذريع للأعداء وعدتهم وعتادهم، وفي جانب الفشل الدفاعي، فَــإنَّ العمليات أظهرت قدرة يمنية عجيبة على استهداف كُـلّ تلك النقاط المتباعدة في تلك المحاور الجغرافية المعقّدة المليئة بالقطع الحربية والبارجات المدججة بالأسلحة الدفاعية الأمريكي والبريطانية والغربية والصهيونية المتفرجة على تحليق البأس اليماني والعاجزة عن فعل شيء حياله؛ لتؤكّـد العمليات هشاشة ووهم ما تدعيه واشنطن وحلفاؤها بأنها فخر الدفاعات العالمية، مقابل نجاعة الإنتاج اليمني.
أما على جانب الفشل الاستخباري فقد لاحظ الجميع أنه تم استخدام أعداد كبيرة من الطائرات المسيَّرة والصواريخ البالستية؛ نظراً لتعدد المسافات والأهداف وتباعدها، غير أن استخدام كُـلّ ذلك الكم من الطائرات والصواريخ يظهر فشل المسار الاستخباري للأعداء، حَيثُ تحتاج كُـلّ تلك الأسلحة اليمنية مراكز إطلاق متعددة وكثيرة ومنتشرة، ورغم هذا استطاعت اليمن استخدام كُـلّ تلك النقاط “مراكز الإطلاق” على حين غفلة من الطائرات التجسسية والاستطلاعية المعادية، وبدون شعور الطائرات الحربية الأمريكية والبريطانية التي تفاجأت بهذا التفوق وواصلت الهستيريا بغارات عشوائية في صنعاء والحديدة ومناطق أُخرى على أهداف سبق قصفها عشرات المرات؛ ليتأكّـد للجميع أن قدرة صنعاء الاستخبارية في تعقب استطلاعات العدوّ واختيار أوقات العمليات فاقت بمئات السنين الضوئية ما لدى العدوّ من تكتيكات واستراتيجيات استخباراتية واستطلاعية لا تتجاوز حصيلتها ضرب المضروب وتدمير المدمّـر وقصف المقصوف.
اليمن يضبط إيقاعات المسارات و “التحالف” يتخالف ويتآكل:
وفي مقابل المرونة العملياتية اليمنية والقدرة على تنويع التكتيك القتالي والعسكري، ننتقل إلى الزاوية المقابلة، حَيثُ يقع الأعداء وتحالفهم، لنجد أنهم وإضافة إلى غرقهم في الفشل والعجز عن حماية العدوّ الصهيوني، قد انتقلوا إلى مرحلة التخبط والهستيريا، وقد أظهرت الضربة الألمانية الأخيرة ضد طائرة أمريكية في البحر، جانباً من هذا الضياع والتخبط في معركة كان التناغم والتنسيق اليمني هو سيد الموقف ومحور الارتكاز.
ألمانيا اعترفت بأنها تشارك مع عدة أطراف أُورُوبية إلى جانب أمريكا في حماية الكيان الصهيوني، غير أن مشاركتها المعلنة كانت كفيلة بإظهار الحال العصيب الذي ستؤول إليه تلك القوى الظلامية، حَيثُ اعترف مسؤولون أمريكيون وألمان أن الفرقاطة الألمانية “هيسن” التي تعمل إلى جانب عتاد واشنطن ولندن في عسكرة البحر وحماية كيان العدوّ، أطلقت النار عن طريق الخطأ على طائرة أمريكية بدون طيار من طراز MQ-9، فوق البحر الأحمر، الثلاثاء الفائت، معتقدةً أنها طائرة تابعة لسلاح الجو اليمني، لتأتي هذه الفضيحة وتزيد من كشف الضعف الاستخباري وضعف التنسيق بين رعاة الكيان الصهيوني وحماته، فضلاً عن حالة الاضطراب الشديدة التي تنتاب تلك الجحافل التي وصلت قدراتها إلى حَــدّ استهداف الطائرات الأمريكية الصديقة، والغفلة عن المسيّرات اليمنية العنيدة والعابرة والكاسرة لكل قيود الجغرافيا والعوارض المحيطة بها.
وفي السياق الاستخباري والاستطلاعي والتنسيق، أمام هذا الضياع الغربي الأمريكي في البحر، نعود بالعمليات اليمنية إلى الواجهة، فقد أثبتت العمليات التي نفذتها اليمن منذ بدء الإجرام الصهيوني على غزة مدى قدرة اليمن على الرصد والتتبع وتعقُّبِ الأهداف المراد استهدافُها، أَو تلك المسموحِ بمرورها، مقابل فشل العدوّ في تعقب وتتبع الأهداف، ففي الجانب اليمني لم يسلم أيُّ هدف مرتبط بالعدوّ الصهيوني ولم يتمكن من العبور وَالمرور، في حين لم يتم استهداف أي هدف غير مرتبط بالعدوّ ورعاته وحماته، أما في الجانب الآخر فقد أثبتت العمليات والفضيحة الأخيرة أن واشنطن وأدواتها تمارس في البحر تكتيك الاعتماد على ضربات الحظ؛ فقد لوحظ مرور الصواريخ اليمنية والطائرات المسيَّرة من فوق البارجات والقطع البحرية الأمريكية الغربية وُصُـولاً إلى فلسطين المحتلّة، في وقت تتعرض الطائرات والسفن التابعة لذلك التحالف للنيران الصديقة، وهذا في وقت ما تزال واشنطن تحشد قوى غربية جديدة، ومع تعدد القوى وتوافدها للبحر فَــإنَّ الضياع والتخبط مرشح للارتفاع بما يقود تحالف واشنطن نحو الانهيار والتلاشي الذاتي كما كان حالُه في البداية.
“المفاجَآتُ” تفتحُ كُـلَّ أبواب الاحتمالات:
وتعقيباً على ما ذُكر، نجد أننا ما زلنا في مرحلة البشرى التي قدمها القائد في أول الخطابات بعد العدوان الأمريكي البريطاني، أما الانتقال إلى مرحلة “المفاجآت” التي وعد بها في خطابه الأخير لا يسعُ لأحد الحديثُ عنها سوى البأس اليماني المتصاعد، وفق ما وعد القائد.
وعندما قال السيد القائد في خطابه التعقيبي الأول على العدوان الأمريكي البريطاني: “أقدم البشرى لشعبنا، هناك فعلاً خطوات، خطوات ملموسة من الآن في تطوير قدراتنا العسكرية”؛ فبعدها كانت الحصيلة أكثر من 40 عملية طالت سفناً تجارية وحربية للعدو ورعاته الأمريكيين والغربيين، فضلاً عن الفضائح السياسية والعسكرية والاستراتيجية التي منيت بها واشنطن ولندن وحلفاؤهما، أما مرحلة المفاجآت التي أعلن عنها القائد في خطابه الأخير بقوله: “لدينا بإذن الله تعالى مفاجآت لا يتوقعها الأعداء نهائيًّا، وستكون مفاجئةً جِـدًّا للأعداء وفوق ما يتوقعه العدوّ والصديق، مفاجآت ستأتي بصورة فاعلة ومؤثرة، لا نريد الحديث عنها؛ لأَنَّنا نريد أن تبدأ بالفعل، ثم نعقِّب عليها بالقول”، فَــإنَّنا هنا نترك الحديث والقولَ والمَدَّ والجَزْرَ لما ستأتي به القواتُ المسلحة مصداقاً لقولِ صادق القول والوعد وصاحبِ الرعد؛ فالحديثُ في ما لا يحق لأحد الخوض فيه، سوى ذلك المعهود بسبق الأفعال قبل الأقوال، يعد مضيعة للوقت، وتضخيماً لحجم التوقعات والتكهنات.
وبما أنه لا بدَّ من اختلاف وتنوع التكهنات حول تلك الرسالة التي فتح بها القائد كُـلّ أبواب الاحتمالات، فَــإنَّه من الحتمي أن تكون النتيجة واحدة، ولا تخرج عن سياق تصاعد العمليات اليمنية مقابل تصاعد الإجرام الصهيوني، وبشكل يزيد من تخبط وهستيريا الأعداء ويحول سفنهم وقطعهم الحربية إلى كتلة من القوات المتضاربة والمكوية بالنيران الصديقة، وأعظم منها العدوّة، المستعرة بالبأس اليماني الساعي للاقتصاص من قتلة الأطفال والنساء ورعاة التجويع والبؤس والإجرام بكل أشكاله.
وفي ظل إصرار واشنطن على تجاهل الطريق الذي أفصح عنه القائد وأكّـد أنه كفيل بوقف زحف التطوير العسكري اليمني، بقوله: “لو يعرف الأمريكي اختلاف نوعية السلاح الذي استهدفت به سفينة الأمس فسيتيقن أن مواصلة عدوانه سيزيد من تطوير قدراتنا العسكرية.. نؤكّـد للعالم أجمع أن العدوان الأمريكي البريطاني سيسهم أكثر وأكثر كلما استمر في تطوير قدراتنا العسكرية”، فَــإنَّ الحصيلة القادمة بناء على المعطيات الميدانية السابقة، سيكون عبارة عن مسار تطويري مُستمرّ، ومستعر، كفيل بإسقاط غطرسة الأعداء وصلفهم، وقادر على إيصالهم إلى “قعر البحر كما هو هلاك فرعون”، وفق ما وعد القائد في خطاب الـ7 أعوام من الصمود، وكما صدقت البشرى بعد خطاب الـ7 من رجب، وفي حضرة الـ7 من أُكتوبر وما بعد خطاب الـ19 من شعبان الواعد بالمفاجآت، فَــإنَّ على العالم أن يترقب، وعلى الصديق أن يتهيأ ولا يتعجب، وعلى العدوّ أن يتوجس، ويتحسس طرق الوقاية من الخطر قبل الوقوع في الضرر، وقد أُعذر من أنذر.
صحيفة المسيرة| نوح جلّاس