الغاية من خلق الانسان هي الاستخلاف في الأرض وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.
في المحاضرة الرمضانية السابعة، يبين السيد القائد أن القرآن الكريم تحدث عن آدم “عَلَيْهِ السَّلَام” وعن خلقه فيما يقارب الثلاثين موضعاً في القرآن الكريم، فتكررت قصة آدم، وقصة خلقه، وقصته مع الملائكة والسجود، وقصة دخوله في الجنة التي سكنها ثم أُخرج منها، تكررت كثيراً؛ وذلك لما فيها من الدروس المهمة جداً، والتي- للأسف- لم تحظَ بالاهتمام اللازم من جهتنا نحن البشر، للاستفادة منها، ولما لها أهمية كبيرة في أن نسير في حياتنا بالاستفادة من التجربة الأولى في وجودنا كبشر على هذه الأرض.
ومن قول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}، يبين السيد القائد أن الله خلق السماوات والأرض، وخلق الملائكة بأعداد كثيرة جداً وهائلة، وخلق أيضاً على الأرض عمرها بالكائنات، وبث فيها من كل دابة، وهيأها مسبقاً- قبل خلق الإنسان بدهرٍ طويل، وأنه قبل خلق الإنسان أيضاً كان هناك مخلوقاتٌ أخرى قد خلقها الله.
ويؤكد السيد القائد أنه يجب على الإنسان أن يتذكر هذه الحقيقة في أنه لم يكن شيئاً مذكوراً، وأن الله خلق السماوات والأرض، وخلق الملائكة، وخلق الجان، وبث في الأرض من كل دابة، قبل أن يُخلق الإنسان، ثم خلقه الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” ووهبه الحياة، واستخلفه في هذه الأرض، وسخر له ما في السماوات وما في الأرض؛ ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ}
ويبين السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أخبر الملائكة مسبقاً بأنهم سيرتبطون بدور في حياة هذا الإنسان، الذي سيستخلفه في الأرض، وعمَّا سيحصل من البشر أثناء استخلافهم في الأرض، في أطار دورهم في هذا الاستخلاف، قال تعالى:{إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وذلك بما كان قد عرفه الملائكة مسبقاً بإخبار الله لهم، مما سيحصل من بعض البشر من مظالم ومفاسد على الأرض، ومنها سفك الدماء، أن يقتلوا بعضهم بعضاً عدواناً وظلماً، فضج منها الملائكة، واستعظموها.
وفي هذا السياق، يؤكد السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” خاطبهم بقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، فإن الملائكة كان ينقصهم معلومات عن طبيعة هذا الدور بالنسبة للإنسان، وعن تناسب الإنسان مع هذا الدور في الاستخلاف على الأرض، وأنهم نظروا من زاوية واحدة، ولم يعرفوا طبيعة هذا الدور على وجه التفصيل، وما يترتب عليه، وأين ينتهي هذا الدور.
ولذلك، يبين السيد القائد أن الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” أراد أن يجعل من الحادثة نفسها، ومن هذا التساؤل نفسه، وسيلةً لهدايتهم؛ لأن كل مخلوق الملائكة، والجن، والإنس والجميع بحاجة إلى هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأن الجميع ليس في مستوى أن يكون قد وصل إلى الاكتفاء بنفسه، فلا يحتاج إلى هداية الله.
ويتنقل السيد القائد إلى التأكيد بان الله خلق آدم كما قال “جلَّ شأنه”: {مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}، ويبين أن الحمأ هو: نوعٌ من الطين، الذي قد بقي لفترة طويلة خاضعاً للرطوبة والمياه حتى تحوَّل إلى تربة لزجة سوداء، ثم سوِّي منه شكل الإنسان من ذلك الطين، عُجن منه شكل مُعَيَّن، وهيكل مُعَيَّن، أشبه ما نشاهده في التماثيل، سوِّي منه شكل الإنسان، وركِّب منه بشكل الإنسان تماماً، وتُرِك حتى يبس.
ويبين السيد القائد أيضاً أن الله خلق الإنسان خلقاً مميزاً عن بقية الدواب التي على وجه الأرض، فخلقه في أحسن تقويم، وكرَّمه في خلقه، على المستوى الجمالي، على مستوى التركيب، على مستوى ما وهبه إيَّاه، بما يتناسب مع طبيعة ودور الاستخلاف على الأرض، والمهام الواسعة للإنسان في هذه الحياة، وجعل له السمع، والبصر، والفؤاد، والمدارك، التي تساعده وفق هذا الدور الواسع، الذي يختلف عن بقية الدواب على هذه الأرض، وكرَّم الإنسان، وأنعم عليه نعماً عظيمة، كما قال “جلَّ شأنه”: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.
ولذلك يؤكد السيد القائد أن نظرية [التطوُّر] هي سخيفة، ونظرية باطلة، لا مستند لها، ولا حقيقة لها، هي نظرية تافهة، وسخيفة، ولم يكن ينبغي أبداً أن يتقبَّلها الغرب، وأن تنتشر في الأوساط الغربية لعقودٍ من الزمن، أو لمدة طويلة، أكثر من مسألة عقود من الزمن، لفترة طويلة من الزمن؛ بينما لم تكن منذ البداية تستند إلى أساسٍ علمي، كانت مجرد نظرية، وتصوُّر خاطئ، تصوُّر خاطئ لا يستند إلى حقائق أبداً، ويكذِّب بآيات الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويكذِّب بحقائق الواقع التي نراها في واقع الحياة.
ولذلك يؤكد السيد القائد أنه عندما يؤدِّي الإنسان هذا الدور وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”؛ تتجلَّى فيما أنعم الله به عليه من النعم الواسعة، وفي واقع حياته، ثم يتجلَّى من خلال ذلك بكله الشهادة بكمال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، ويؤكد أن ذلك يعني أن الإنسان يؤدِّي دوراً فيه عبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فينتهي دور الإنسان في الأخير في إطار العبادة لله، في الشهادة بكمال الله. وفي المقابل يؤكد السيد القائد أن الإنسان في مخالفته لهدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” فإنه يجني على نفسه، عندما يُفسِد في الأرض، ويسفك الدماء، وينحرف عن تعليمات الله؛ فإنه يسبب لنفسه الأخطار، والشقاء، والعذاب.
ويقدم السيد القائد مثال رائع قدَّمه الشهيد القائد “رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ”، يُقَرِّب إلى الأذهان هذه المسألة: أنه في واقعنا نحن البشر، عندما يذهب الإنسان إلى الطبيب، ويقدِّم لك وصفةً طبية، ويحذِّرك من أشياء معينة تؤثِّر على صحتك، فإذا التزمت بتلك الوصفة الطبية، وحصلت على النتيجة من ورائها؛ أنت ستشهد لذلك الطبيب بأنه ماهرٌ، وحاذقٌ، وصاحب خبرة ومعرفة في مهنته الطبية، وعندما لا تلتزم، وتعمل أو أنك مثلاً تمارس أشياء حذَّرك منها، أو تأخذ أشياء وتتناول أشياء حذَّرك منها، فتتضرر بذلك؛ أنت أيضاً ستلحظ ما قال لك، ما هو شاهدٌ على حكمته، على معرفته، على خبرته؛ لأنه كان قد حذَّرك، ونهاك، وبيَّن لك المخاطر الناتجة عن استخدامك لتلك الأشياء، أو تناولك لها.
ولذلك، يؤكد السيد القائد أن الإنسان في واقع حياته، عندما يسير وفق هدى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في دوره في هذه الحياة، فإنه سيقدِّم من واقع حياته الشهادة بحكمة الله، وبعلمه، وبرحمته، وبفضله، وبكرمه، ويتجلى ذلك فيما تجلَّى من خلال عمله، والنتائج المترتبة على ذلك، وعندما ينحرف، فتكون المخاطر والعواقب التي حذَّره الله منها، هذا أيضاً فيه شهادة على علم الله، على حكمته، وهو حذَّر الإنسان من ذلك، ونهاه عن ذلك.
وفي ختام المحاضرة يشير السيد القائد إلى أن البعض يقدِّمون المسألة بأنَّ الإنسان نفي إلى هذه الأرض، وأنه خُلِقَ في الجنة، بناءً- في تصوُّرهم- على أنها جنة الآخرة، ثم إنه بسبب معصية آدم نُفي نفياً إلى هذه الأرض، وأصبح منفياً على هذه الأرض، ويؤكد الإنسان ليس منفياً على هذه الأرض، بل أن الإنسان خلق منها، وخلق للاستخلاف فيها، ووجِدَ لهذا الدور الذي هو دورٌ عظيم، ليس دوراً مسيئاً إليه، أو ينتقص منه، وفيه خيرٌ كبيرٌ له، وهو نعمةٌ عظيمةٌ عليه.