أساليب خطة الشيطان في استهداف الإنسان
في المحاضرة الرمضانية الحادية عشرة، يواصل السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” في سياق الآيات المباركة من سورة الأعراف، الحديث عن أبرز الجوانب من قصة آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، وموقف الشيطان العدائي والمتعنت، وما تضمنت تلك الآيات المباركة، من الدروس والعبر المهمة التي نستفيدها من تلك القصة.
ويبين السيد القائد أن هناك أمورٌ خطرة جداً تؤثِّر على الإنسان، ومنها عندما يكون غارقاً في نفسه، ومتمحوراً حول ذاته، ويؤكد أن هذه الحالة حالة خطيرة جداً؛ لأنها في الأخير تحوّل نفس الإنسان إلى صنم، وتحوّل وجهته في العمل إلى النفس، وليس إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وهذه من المخاطر التي تورَّط فيها الشيطان،
ويشير السيد القائد إلى أن الإنسان قد يكون عنده بذرة خلل، فلا يحاول أن يُطهِّر نفسه منها، ويُبقي عليها في أعماق نفسه، ثم يواجه اختباراً معيناً في لحظة حساسة، فيتجلى ما قد وصل إليه ذلك الخلل، الذي كبر مع الوقت؛ لأنه يمكن أن يكبر فتزداد حالة الخبث في النفس والميل والانحراف نحو ذلك الخلل المُعَيَّن، الذي ينجذب الإنسان إليه، ويتجه إليه، ويضرب مثلاً في ميول البعض في شهواته النفسية، فلا يقتنع بالحلال، ومنها رغبته الجنسية التي لم يقتنع فيها بالحلال، فيكبر ذلك الخلل، وعند لحظة اختبار حساسة يسقط الإنسان سقوطاً خطيراً ومدوياً، وكذلك، الأطماع المادية، فلم يتطهر منها، ولم يحاول أن يتَّجه الاتجاه الإيماني المتكامل الذي تزكو به نفسه، فيكبر عنده ذلك الخلل، وكذلك الطموح في المقام المعنوي، عندما يريد أن يكون صاحب شهرة وسمعة كبيرة، ومكانة بين أوساط الناس، ويصبح هذا بالنسبة له هدفاً.
ويبين السيد القائد أيضاً أن هناك أمورٌ خطرة جداً تؤثِّر على الإنسان ومنها حالة الأنانية، وهي حالة خطيرة جداً، وأن الاستغراق في النفس، والتمحور حول الذات، من أخطر الأمور التي أثَّرت وتؤثِّر على الكثير من الإنس، كما أثَّرت قبل الإنس في الجن، وفي إبليس نفسه.
وفي سياق متصل، يبين السيد القائد أن الله كشف لنا خطة إبليس، الشيطان الرجيم، وأن خطته هي في قوله تعالى: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، فهو شديد العداء، ويريد أن يُلحِق أكبر وأقصى ضرر وأشد ضرر بالإنسان، ويوضح أن الضرر الذي يمكن أن يلحقه ابليس بالإنسان هو في صده وإغوائه عن صراط الله المستقيم، ويؤكد أن صراط الله المستقيم هو نهجه، نهجه وهدايته لعباده، ما وجَّهنا إليه وما شرعه لنا في هذه الحياة، والشيطان يريد أن يصدنا عن نهج الله، بأن لا نتَّبع هدى الله، ولا نسير في مسيرة حياتنا على أساس منهج الله وتعليماته القيِّمة، وأن منهج الله هو صراط مستقيم، يوصل إلى الغايات العظيمة، إلى الفوز العظيم، إلى الفلاح والخير في الدنيا والآخرة.
ومن قوله تعالى:{لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، يبين السيد القائد أن إبليس، الشيطان الرجيم سيحاول في الإنسان لإغوائه بكل وسيلة، وأي طريقةٍ مؤثرةٍ عليه، ويحاول أن يَنْفُذ إليه من أي ثغرة، وأن يستغل أي نقطة ضعف لدى الإنسان، فإذا فيحاول في الإنسان- مثلاً- من جهة الأطماع، فإذا وجده ليس طماعاً، فإنه سيحاول فيه من خلال الشهوات الأخرى، وكذلك فإنه سيحاول عن طريق الغضب، والغضب كما قال عنه أمير المؤمنين عليٌّ “عَلَيْهِ السَّلَامُ”: ((جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبلِيس))، وهي ثغرة خطيرة على البعض من الناس، وكذلك فإنه سيحاول حتى الجوانب الدينية، وقد يدفع بالبعض إلى أن يتدين بالضلالة، وأن يفتري على الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” باسم الدين.
وفي ضوء ذلك، يؤكد السيد القائد أنه ينبغي أن يكون لدى الإنسان وعي بإن الشيطان سيترصد له، وإذا فشل في جهة أو جانب معيَّن، فإنه سيبحث من جانب آخر، وأن من المهم للإنسان أن يحرص على أن يكتشف هو ابتداءً نقاط ضعفه، ويبين من قوله تعالى: {وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، أن حقد الشيطان على بني آدم بكلهم، هو حقد شديد جداً، ولا يرضيه، ولا يكفيه، ولا يقنعه، أن يغوي مليار إنسان، ويكون مصيرهم إلى جهنم، ويحترقون معه في نار جهنم، لا يكفيه ذلك.
ويشير السيد القائد إلى نقطة هامة هي أن النفس البشرية من أصلها قابلةٌ للخير وللشر، وأن الله يقول عن النفس البشرية: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، والبشر بأنفسهم حتى لو لم يكن هناك إبليس، لو لم يغوَ إبليس، ولم يتحرك لإغوائهم؛ لكان منهم من يتَّجه في طريق الشر، ويصل إلى مرتبة شيطان من شياطين الإنس؛ لأن هناك شياطين أيضاً من الإنسان، ويبين أن الإنسان متى وصل إلى مستوى أن يفقد عنصر الخير في نفسه، ويتحوَّل إلى مصدر إغواء وإفساد للآخرين، فهو وصل إلى مرتبة شيطان، ووصل إلى درجة أن تحوَّل هو- بنفسه- إلى مصدر لإغواء الآخرين، يسعى لإغوائهم، ولإفسادهم، ولإضلالهم.
وبعد أن كشف الله خطته للناس باعترافه، قال الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}، فقد أخرجه الله وطرده من السماء التي يتعبَّد فيها مع الملائكة، ويبيَّن هذا الطرد الرهيب، كيف كان سخط الله عظيماً على الشيطان، ولذلك فإن حالة المعصية حالة خطيرة على الإنسان، وعلى الجن أيضاً.
ومن قوله تعالى:{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}، يشير السيد القائد إلى أنه مع مع طرد الشيطان بتلك الصورة المهينة، والمذلة، والمخزية، فقد أتى التكريم والرعاية لآدم وحواء “عَلَيْهِمَا السَّلَام”، وأسكنهما الله تلك الجنة، التي فيها مما يحتاجان إليه من طعام وشراب وملابس، وسائر متطلباتهما بوفرة، وبراحة، ويحصلان عليها من دون عناء.
ويبين من قوله تعالى:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا}، أن الهدف هو أن يُلحِق بهما المعاناة والإفلاس، وأن يخسرا تلك الجنة وما فيها من متطلبات الحياة، إلى درجة ألَّا تبقى لهما حتى ملابسهما، وأن يرى كلٌّ منهما نفسه في موضع الضعف، والإفلاس، وانكسار النفس والإرادة، فيكون لهذا أثر على المستوى النفسي والمعنوي والمادي، لأن الشيطان يريد أن يستهدف الإنسان في وضعه المعنوي، وأنه قام بالسعي لتصوير النهي الإلهي أنه ليس لمصلحتهما، ويؤكد السيد القائد أن هذا مما يشتغل عليه الشيطان مع بني آدم فيحاول أن يصوِّر الأمر، أو النهي الإلهي أنه ليس في مصلحة الإنسان، وأنَّ مصلحة الإنسان في مخالفته، وهذا خداع بلا شك؛ لأن الله فيما يأمرنا، أو فيما ينهانا، يريد لنا الخير، ومن منطلق رحمته بنا “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”.