أهمية التربية الإيمانية على الخوف من العواقب الوخيمة لمخالفة توجيهات الله
يبين السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي “حفظه الله” في المحاضرة الرمضانية الثامنة عشرة أن قدَّم الله لنا في القرآن الكريم قصةً لحادثةٍ مؤسفة، وقعت في الجيل الأول من المجتمع البشري، من أولاد آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ”، في مرحلةٍ مبكرةٍ من الوجود الإنساني، ووقعت فيها حادثة سفك الدماء، والقتل بغياً، وعدواناً، وظلماً، وتضمنت القصة كما قدَّمها الله لنا في القرآن الكريم الكثير من الدروس والعبر المهمة، التي نستفيد منها.
وقبل الدخول في تفاصيل القصة، يبين السيد القائد أن آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” كان يرعى أولاده من موقع الأبوَّة، ومن موقع النبوَّة، وقد أخذ الدرس الكبير والعظة والعبرة مما حصل له في تلك الجنة، نتيجةً للمخالفة للنهي من الأكل من الشجرة، وكان يسعى لتربية أولاده تربيةً صالحة، ويخاف على أولاده من مكائد الشيطان، ووساوسه، ونزغاته، ولاسيما وأن الشيطان أعلن الحرب والعداء على ذرية آدم.
وعندما نأتي إلى القصة كما ذكرها الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في القرآن الكريم، في قوله “جَلَّ شَأنُهُ”: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} يبين السيد القائد أن لأن في تلاوة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” لهذه القصة دروس مهمة جداً، وشواهد على نبوَّة رسول الله “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”، حتى أمام أهل الكتاب، الذين يعرفون عن هذه القصة في كتبهم، ويبين ان فيها دروس مهمة تتعلق بواقع الناس بشكلٍ عام، بدءاً من واقعهم الأسري والاجتماعي، ثم الدروس تجاه أيضاً النزعة العدوانية لبني إسرائيل، والتي سيأتي التعقيب بشأنها في آخر القصة.
ومن قوله تعالى: {نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ}، يبين السيد القائد أن القصة تعود إلى ذلك الجيل الأول من بني آدم، وأن القرآن الكريم يُقدِّم القصة الحقيقية الواقعية من دون شوائب وإضافات ليست صحيحةً، ويُقدِّم خلفية ما يحصل من أحداث على المستوى النفسي، ويبين أن هناك حاجة لمعرفة مثل هذه القصة، التي قُدِّمت بالحق في مضمونها، وبسلامتها من كل الشوائب التي ليست صحيحة، ويؤكد أن هذه مسألة مهمة في القصص، في الأخبار، في الروايات، بأن يكون هناك حرص على أن يقصَّ الإنسان القصة الحقيقية الواقعية، وألَّا يضيف أشياء غير صحيحة.
ويبين السيد القائد أن مشهد القصة يبدأ وأبناء آدم “عَلَيْهِ السَّلَامُ” يقربان القرابين إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وكان ذلك جزءٌ من عبادتهما، ويشمل التقرُّب إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ” الذبائح، والأعمال، وأنه في ذلك الجو العبادي، وهما في حالة عبادة، وتقديم القرابين إلى الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”{فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ} فقد كانت ردة الفعل عجيبة وغريبة ومفاجئة لذلك الذي لم يتقبل الله قربانه تجاه أخيه الذي تقبل الله قربانه: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}، وتحرَّك الحسد في نفس ذلك الذي لم يتقبل الله قربانه، وهاج إلى أسوأ مستوى، واتجه بردة فعله إلى أسوأ مستوى أيضاً؛ ليوجه إلى أخيه الذي تقبَّل الله قربانه التهديد بالقتل؛ ولذلك كانت حادثة غريبة جداً {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}.
ويوضح السيد القائد كيف كانت ردة أخيه المؤمن المتقي الذي تَقَبَّل الله قربانه: {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، فكان جواباً هادئاً، يُعَبِّر عمَّا هو عليه من حالة التقوى، وزكاء النفس، وطهارة القلب، وهو يرشد أخاه إلى ما به قبول العمل؛ لأنه ليس له مشكلة ولا ذنب فيما حصل لأخيه، أن الله لم يقبل قربان أخيه، ويؤكد أن التقوى أساسٌ لقبول الأعمال الصالحة.
ومن قوله تعالى:{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} يوضح السيد القائد منطق هذا المؤمن المتقي من أبناء آدم مشاعر الإيمان، والأخوّة، والتقوى، وزكاء النفس، والسلامة من العقد والأحقاد، فهو يخاطب أخاه بهذه اللغة وسعى بكل جهد لإقناع أخيه، ونصحه، والتأثير عليه، ومحاولة ثنيه عن الإقدام على تلك الجريمة، ولم يحصل من جانبه أسلوب استعراضي، يتباهى فيه على أخيه ويستفزه، أو يوبخه، أو يحتقره، أو يسيء إليه، ولا أي شيء، ويوضح السيد القائد أن عقدة الحسد كانت هي المؤثرة على أخيه: {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}، وكأنه شعر بغيرة ودافع الحسد، أن أخاه أصبح له منزلة عند الله أكبر منه وأهم منه، وشعر بالإهانة تجاه ذلك؛ فتحركت فيه عقدة الحسد، ويبين أن الحسد حالة خطيرة جداً على الإنسان.
كما يبين السيد القائد من قوله تعالى: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} جذور التقوى وأساسها الخوف من المعصية وعواقبها، والخوف من المخالفة لتوجيهات الله، وما يترتب على ذلك من العقاب الإلهي، والعواقب الوخيمة على الإنسان، ولهذا نجد أهمية التربية الإيمانية على الخوف من عذاب الله، الخوف من العواقب الوخيمة لمخالفة توجيهات الله، كيف يضبط الإنسان.
ومن قوله تعالى: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} يبين السيد القائد أن الأخ أقدم على تلك الجريمة الشنيعة بحق أخيه عدواناً، وبغياً، وظلماً، ومن دون أن يكون قد سبق من أخيه أي شيءٍ إليه يبرر له فعل ذلك، وأنه بعد قتله أصبح من الخاسرين، {فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ولم يفيده شيئاً، وكانت خسارته كبيرة، فخسر مستقبله مع الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأصبح مصيره خطيراً عليه، إلى جهنم والعياذ بالله، وخسر علاقته بأسرته.
وبعد مشهد الجريمة، يتطرق السيد القائد إلى مشهد الحالة التي كان فيها متحير، وجاهل، ولا يعرف كيف يتصرف مع الحالة التي يتعرض لها جثمان أخيه من مخاطر التعفن، والتحلل، ومن مخاطر افتراس الحيوانات، حيث بعث الله غراباً ليعلِّمه وليعرف كيف يتصرف مع الموقف، وكيف يدفن جثمان أخيه:{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}، وهذا يعتبر من التكريم لأخيه، والتكريم لبني آدم بشكلٍ عام، أن هداهم الله إلى هذه الطريقة في ستر الجثامين بعد الوفاة، وبعد القتل، ويبين أن القبر هو من نعم الله التي أنعم بها على الإنسان في إطار التكريم للإنسان، أن يُوارى جثمانه في التراب بتلك الطريقة التي شرعها الله لعباده؛ ليكون ذلك ستراً للجثمان، وهذا من التكريم للإنسان، ويعد نعم الله على هذا الإنسان.
ومن قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}يؤكد السيد القائد أن هذا الدرس في مقدِّمة من يذكَّر به بنو إسرائيل، الأكثر جرأةً على سفك الدماء، والذين يحملون نفسية ذلك القاتل من أبناء آدم، تلك النفسية الحقودة، والمستهترة بحياة الناس، والجريئة على ارتكاب مثل ذلك الجرم الشنيع بدون أي مبرر.