الكيان الصهيوني .. أسباب النشأة ومسؤولية الأمة في التصدي والمواجهة
مع اقتراب آخر جمعة من شهر رمضان المبارك، وهو اليوم الذي أعلنه الإمام الخميني “رضوان الله عليه” يوماً عالمياً للقدس، ودعا المسلمين لأحيائه في كافة أرجاء العالم الإسلامي، فإن من الأهمية بمكان التذكير بخطورة العدو الصهيوني ومسؤولية الأمة في التصدي لهذا الخطر.
إن الأمة الإسلامية معنيةٌ بالقضية الفلسطينية، والمسجد الأقصى، وكذلك الخطر الإسرائيلي، فهذه القضية ليست عاديةً، يسهل تجاهلها وعدم المبالاة بها، بل إن التجاهل لها، واللامبالاة نحوها؛ يمسُّ بالأمة في دينها، و أخلاقها، و قيمها، وله آثار سلبية كبيرة جدًّا على الأمة، فالقضية قضية مقدسة، لها صلة بمقدسات الأمة، بالمسجد الأقصى والذي هو أولى القبلتين، ومسرى النبي “صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم” وثالث الحرمين، وتتعلق بها مظلومية لشعب مسلم هو جزء من الأمة، لا ينبغي للأمة أن تتجاهل مظلوميته، ولا أن تغض الطرف عن مأساته.
المرحلة الأولى .. نشأة الكيان الصهيوني
إن نشأة الكيان الإسرائيلي الغاصب، المعادي للأمة، فيها دروس مهمة جدًّا، جديرة بالمراجعة والتأمل، فكيف تمكّن الأعداء من زرع كيانٍ غريبٍ معادٍ وشاذ في قلب منطقتنا العربية والإسلامية، ليكون كياناً معادياً؛ فيحتل أرضاً، هي جزءٌ من أرض الأمة، ويحتل مقدسات، هي في مطلع قائمة مقدسات هذه الأمة، ويضطهد شعباً بأكمله، هو جزءٌ من هذه الأمة.
هناك عاملان أساسيان ساهما في نشأة وسيطرة العدو الإسرائيلي على فلسطين والأقصى، العامل الأول هو اهتمام اليهود، والسعيٌ الجادٌ، والمنظمٌ، برعاية بريطانية وغربية، وفيما بعد حماية أمريكية، أما العامل الثاني فهو عامل ملازم للعامل الأول، وجزء أساسيٌ في المساهمة فيما حدث، وهو التخاذل والتقصير الكبير في الجانب العربي، باستثناء تحركٍ محدود في الواقع الفلسطيني والعربي، وهو تحرك محدود لا يرقى إلى مستوى حجم الموقف، و الخطر، و التحدي.
ويمكن القول إن مستوى التخاذل كان كبيراً، وكانت مساحة التخاذل في الداخل الفلسطيني والواقع العربي واسعة جدًّا لعاملين أساسيين، الأول: انعدام في الوعي عن الخطر و المؤامرة، و مستواها، والوعي عن الواقع المحلي، و الإقليمي، و الدولي، والعامل الثاني: هو النقص الكبير في الإحساس بالمسؤولية فالكثير من أبناء الأمة لا يعتبر نفسه معنياً، ولا مسؤولاً تجاه ما يحدث وتجاه ما يجري.
تحرك اليهود من نقطة الصفر
تحرك اليهود من نقطة الصفر وهم في حالة الشتات (في شتى أنحاء العالم)، فكان جزء كبير منهم مشتت في المنطقة العربية (في الدول العربية)، ويعيشون في وضع طبيعي، سواءً في الشام، أو في دول المغرب العربي، واليمن، ودول أخرى… ولكن جزء كبير منهم، كان يعيش في أوروبا، وجزء في أميركا، وجزء يعيش في مناطق متفرقة من العالم، كالاتحاد السوفيتي سابقاً.
وأثناء تحرك اليهود حرصوا على أن يكون تحركهم جاداً بكل ما تعنيه الكلمة، فتحركوا بجدية وباهتمام كبير، وكان عندهم عناية كبيرة بالإنفاق المالي، فكانوا يجمعون التبرعات من كل (أو من معظم) الأسر اليهودية في العالم؛ لتمويل هذا المشروع، بعد أن أعدوه كخطة، ومشروع عملي معين، باختيار فلسطين؛ لتكون موطناً يتوافدون إليه، وينشئون لهم كياناً فيه، ويسيطرون عليه، ومن ثم يجعلون منه منطلقاً للسيطرة على المنطقة بكلها، أو إقامة ما يسمونه بإسرائيل الكبرى، ويفرضون لهم- من خلال ذلك- نفوذاً عالمياً، وسيطرة عالمية لأن لديهم طموح أن يكون لهم كيان يتوافدون إليه، و يتحركون من خلاله؛ ليفرضوا لهم سيطرة عالمية، وإلا فالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” هو عالم بشرهم وفسادهم؛ وكانت الحكمة الإلهية قضت بتفريقهم، وتقطيع أوصالهم، وتشتيتهم في العالم، قال الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً}[الأعراف الآية: 168]، مزق الله شملهم، وقطع أوصالهم، وفرقهم في الأرض، وشتت شملهم في الأرض.
تفرق الأمة.. جمَّع اليهود!
عندما تخلت الأمة العربية والإسلامية عن مسؤوليتها في مواجهة التحرك اليهودي أوصلها إلى ظروف غريبة جدًّا من الشتات، وانعدام الوعي، وفقدان الإحساس بالمسئولية، والتخاذل، والضعف، والوهن… حتى رأى أعداء الأمة في الغرب، ورأت بريطانيا- آنذاك- وهي في نشاطها الاستعماري في العالم، ورأى اللوبي اليهودي أن الظروف مواتية في المنطقة العربية بالتحديد، لزرع الكيان الصهيوني.
وفي ظل ذلك التخلي من الأمة، كان هناك تحركا كبيرا من جانب اليهود وهم في الشتات، فأنفقوا الكثير من الأموال، حتى مولوا مشروع نقلهم إلى فلسطين، بعد الحصول على وعد بلفور من بريطانيا، و بدأوا بتشكيل الكيان، وزرعه في فلسطين.
الحافز الديني وأثره في نهضة اليهود
هناك عوامل تبنى عليها نهضة أمم، وسقوط أمم، واحدٌ منها هو الاهتمام والجدية، فالأمة التي تملك اهتماماً بقضايا معينة، وتتحرك، وتعمل، وتشتغل، وتقاتل، وتضحي، وتنفق، وتقدم، وتعطي، في مقابل أمة يبخل ويجمد ويسكن ويتنصل الكثير فيها، عن المسؤولية؛ تكون النتيجة لصالح الطرف الذي يتحرك، ويعطي، ويعمل، ويسعى، ويكدح، ويضحي، ويجد.
فاليهود في تحركهم نحو بناء كيانهم حرصوا على أن يكون لهم حافز، و دافع كبير في أوساطهم؛ للتفاعل مع فكرة الاجتماع من مناطق الشتات إلى فلسطين، والاحتلال لفلسطين، وإنشاء هذا الكيان، فكان عندهم حافز قومي، وحافز ديني ما يسمى (الأرض الموعودة) كما كان عندهم كذلك الحافز الفطري الطبيعي للناس، أن يكون لهم كيان، وشأن، واعتبار.
فاليهود حرصوا على أن يجعلوا من الحافز الديني، الدينمو الذي يحرك الكثير منهم؛ فينطلقون بكل قناعة، و جدية، وباعتبار المسألة مسألة دينية؛ فركزوا على عنوانهم المشهور (أرض الميعاد)، وهيكلهم المزعوم، وجعلوا من هذا الاعتبار الديني دافعاً رئيسياً ليحرك اليهودي أينما كان، في أي قطر من أقطار العالم، وأن ينظر إلى المسألة باعتبارها مسئولية دينية، فاليهودي تحرك على أساس أن ثقافته الدينية تفرض عليه أن يذهب إلى فلسطين، وأن في فلسطين أملاً؛ لأن الله- على حسب زعمهم- قد وعد نبيه إبراهيم بهذه الأرض لهم؛ فانطلقوا بحافز وبأمل ديني.
احتفاظ اليهود بهويتهم
بالرغم من تفرق اليهود في بلدان العالم قبل احتلال فلسطين، إلا أنهم حافظوا على هويتهم، فقد عاشوا في أوساط أمتنا الإسلامية مئات السنين، عاشوا فيها كمعاهدين في ظل ظروف مستقرة، و لم يكونوا مضطهدين، فكان وضعهم طبيعي مستقر، يمارسون فيه نشاطهم الحرفي، ويعيشون وضعية آمنة ومستقرة، ومع هذا احتفظوا بهويتهم؛ لاعتبارات كثيرة، ولتقصير في داخل الأمة أيضاً.
فاليهود في تلك الفترة التي عاشوا فيها في أوساط أمتنا الإسلامية لم يتأثروا بالإسلام والمسلمين، ولم يذوبوا في المجتمع الإسلامي، ولم يندمجوا- بالشكل المطلوب- مع المجتمع الإسلامي، فاليهودي لا يزال اليهودي يعيش جيلاً بعد جيل بعد جيل في المنطقة العربية، وهو يحمل شعوراً أنه ليس من أمتنا الإسلامية، وأنه يرتبط بأمة أخرى، ويرتبط باليهودي الذي في دولة أخرى وأنه ليس من أولئك الناس الذين يعيش بينهم، والذين- قد يكون أحياناً- وُلِدَ بينهم، وترعرع بين أوساطهم، ويتكلم بلهجتهم، ولكنه يحمل شعوراً أنه ليس منهم.
ليس هذا فحسب، فمن أعجب الأمور في اليهود أنهم احتفظوا بعداء شديد جدًّا جدًّا جدًّا لأمتنا الإسلامية فالبعض من اليهود عاش في مناطق في العالم العربي والإسلامي في واقع طبيعي جدًّا، و لم يكن فيه ما يثير لديه حالة الحقد فلم يُظلم، ولم يُضطهد، و لم يُذل، ولم يُقهر، و لم ينلهُ أي سوء من جانب هذه الأمة، فكيف حملوا كل هذا الحقد الشديد؟، إنها ثقافة حملوها، وحافظوا وتربوا عليها، وآمنوا بها، واعتنقوها، واعتقدوها و صنعت عندهم كل هذا الحقد.
تحرك اليهود العسكري
كان لليهود تحرك واسع وعلى أكثر من صعيد، فكان اليهودي ما أن يصل إلى فلسطين ينشط في كل أشكال الحياة، وشراء الأراضي والممتلكات ولكن الأهم من ذلك أنهم نشطوا عسكرياً، وحملوا الروح العسكرية، فكانوا يتشكلون ضمن مجموعات مقاتلة تنفذ في البدء عمليات، وتفجيرات، واغتيالات ، وفيما بعد نشاط عسكري واسع من اقتحام لقرى، واقتحام لمناطق، ثم تنامت، وتضخمت، وكبرت هذه التشكيلات العسكرية، حتى أصبحت تشكيلات كبيرة (بالآلاف).
ولا زال اليهود كذلك إلى اليوم فاليهود وحدهم في المنطقة من يجرون مناورات حربية، يدخل فيها ” المدنيين” كما يحرصون على أن يعيشوا في واقعهم الداخلي- بشكلٍ مستمر- حالة الجهوزية للحرب، والاستعداد النفسي والفعلي للحرب، فحالة التعبئة العسكرية هي جزء أساسي من ثقافتهم، و أنشطتهم، وسياساتهم، و توجهاتهم.
وبالتالي فقد نشط اليهود عسكريا فقاتلوا، وحملوا السلاح، وامتلكوه ، سعي دؤوب لامتلاك أفتك أنواع السلاح، كما نفذوا اعتداءات كبيرة جدًّا، وجرائم رهيبة جدًّا، فقتلوا وجرحوا وشردوا الملايين من الشعب الفلسطيني، وآنذاك برعاية بريطانية.
في مقابل ذلك تخاذل كبير في الواقع العربي، فكان التحرك محدوداً، في الداخل الفلسطيني، وفي الواقع العربي بشكل عام، لم يرق هذا التحرك إلى مستوى الخطر، وما هناك قراءة صحيحة، حتى اليوم.
المرحلة الثانية.. فرض حالة الحضور والحماية الغربية
ا بعد نشأة الكيان الإسرائيلي، فقد نشأ الكيان الإسرائيلي، وفرض حضوره العسكري بالقوة، وبالحماية السياسية، والحماية بكل أشكالها من بريطانيا، ومن الغرب، ثم فيما بعد من أمريكا، دعم -فيما بعد- من مجلس الأمن، أو- آنذاك- من الأمم المتحدة، وأصبح حالة مدعومة عالمياً من تلك الأطراف الدولية، ومرحب به لديهم.
جرح نازف.. وأمة تائهة!!
كان المفروض أن يشكل زرع هذا الكيان المعادي في قلب المنطقة عامل يقظة واستنهاض لدى أمتنا، وعامل مراجعة، أن تنتبه الشعوب، حدث كبير، وحدث استثنائي، وغريب، وخطير، وليس عادياً، كيان معادي، ويأتي فيقتطع جزءاً من المنطقة، جزءاً من أرضنا العربية والإسلامية، ومن مقدساتنا، ويفتك بشعب كامل من شعوبنا، وبجزء كبير من أمتنا، يعني: جُرحاً كبيراً، الجرح الفلسطيني جرح كبير، وكان المفترض أن يكون موقظاً للأمة من حالة السبات التي كانت مستغرقةً فيها، ولكن حجم هذا الجرح- للأسف- لم يوقظ الأمة.
ومنذ ذلك اليوم إلى اليوم لم تحظ هذه القضية، ولم يحظ هذا الحدث الكبير، وهذه المشكلة الكبيرة من الاهتمام في أوساط الأمة بقدر ما ينبغي، وبقدر ما يفترض، لا لدى نخبها، ولا لدى جماهيرها، فالموقف العربي والموقف في العالم الإسلامي لا يزال متواضعاً، لم يرق بعد في اهتمامه تجاه هذه المسألة إلى المستوى المطلوب وكما ينبغي، ولم يلتفت إليه بجدية كما يفترض؛ فيحظى باهتمام كبير جدًّا.
لماذا تمكن الأعداء من أن يفعلوا بنا كل هذا؟ كيف نحج اليهود، من نقطة الصفر، أن يتحولوا في منطقتنا، ، إلى كيان قوي، وكيان فاعل، وكيان يحضر بقوة، وينهزم الكثير أمامه؟
كان هناك فشل كبير للأداء الرسمي: الحكومات والأنظمة فشلت فشلاً ذريعاً إلى حدٍ كبير، ولكن- فيما بعد- كان هناك نجاح شعبي لقوى نشأت في الأوساط الشعبية، سواءً في فلسطين من خلال الحركات المجاهدة هناك، حركات المقاومة التي كان من نتائج مقاومتها تحرير قطاع غزة، وهزائم واضحة وصريحة، وانتكاسات كبيرة لإسرائيل، أو قبل ذلك، وأجلى من ذلك بكثير بكثير، ما حققه حزب الله في لبنان، والذي حققه حزب الله في لبنان كان يجب أن يحظى- من كل أبناء الأمة- بالاستفادة وبالاهتمام الكبير، فهو يمثل درساً مهماً جدًّا جدًّا، ويمثل- في الوقت نفسه- حجة على الشعوب، في مواجهة كل الذين حاولوا أن يفقدوا هذه الأمة الأمل بالنصر، و الذين حاولوا أن يعمموا حالة اليأس في أوساط الأمة، وكل الذين أشاعوا الروح الانهزامية في أوساط الأمة… هؤلاء كلهم ثبت أنهم مخطئون، واهمون، وأن هناك ما يمكن أن يبنى عليه.
الأمة الإسلامية بين المعادي والمطبع مع الكيان الصهيوني
في واقع الأمة اتجاهان بارزان: الاتجاه الأول: هو الاتجاه المعادي لإسرائيل، والداعم للقضية الفلسطينية: يتشكل هذا الاتجاه من قوى المقاومة (اليمن وإيران وحزب الله، و الحركات الفلسطينية المجاهدة)، يتشكل من قليل من الأنظمة في العالم الإسلامي (الموقف الإيراني في طليعة هذا الموقف) .
وهناك صوت يتعالى في أوساط الشعوب، في مختلف شعوب المنطقة، هو الصوت الحر، و الصوت المسؤول، الذي ينسجم مع حق هذه الأمة الفطري والديني، ومع مسؤوليتها (الدينية، والوطنية، والقومية، والإنسانية…) في مواجهة الخطر الإسرائيلي، والتصدي للخطر الإسرائيلي… اليوم الصوت هذا هو: صوت قوي في أوساط الأمة، والحضور لهذا التوجه المعادي لإسرائيل هو: حضور كبير، وفاعل، ومقلق إلى حد كبير لإسرائيل، وبالتالي لأمريكا والغرب.
أما الاتجاه الثاني: الاتجاه الذي نستطيع القول بكل اطمئنان ووضوح، وأمامنا كل الشواهد والأدلة، أنه الاتجاه الموالي لإسرائيل ولأمريكا في المنطقة، والماد معها لجسور التطبيع، والداخل معها في تحالفات: وهذا- أيضاً- بات اليوم توجهاً معروفاً، أنظمته معروفة، بات الإسرائيلي يتحدث عن النظام السعودي، يتحدث عن الإماراتي، يتحدث عن البعض… هؤلاء في الطليعة باعتبارهم أصبحوا ضمن تحالفات، وضمن مصالح يسميها الإسرائيلي: (مصالح مشتركة)، يشيد بمواقفهم، بأدوارهم التخريبية في المنطقة.
الـمـرحـــلة الثـالثـــة.. مسؤولية الأمة في التصدي والمواجهة
مسؤوليتنا اليوم بالتأكيد هي إحياء حالة العداء لإسرائيل، وباعتبار ذلك واجباً إسلامياً، وفريضة، مسؤولية دينية، ففي مواجهة سعي الآخرين لأن يفرضوا حالة الولاء لإسرائيل، وأن يمسحوا النظرة العدائية، ويغيروها، تجاه إسرائيل؛ يجب أن نحيي حالة العداء لإسرائيل، وباعتبار ذلك ليس فقط خياراً سياسياً، أو ردة فعل. |لا|، واجباً إسلامياً، فريضة دينية، فالعداء لإسرائيل فريضة دينية، وجزء من الالتزامات الدينية، لاعتبارات واضحة فشعب فلسطين جزءٌ من الأمة الإسلامية، وواجب علينا- دينياً- مناصرة هذا الشعب في مواجهة العدو الإسرائيلي، كذلك أرض فلسطين جزء من أرض الأمة، وواجب علينا- إسلامياً- السعي لتحرير كل هذه الأرض حتى لا يبقى منها ذرة رمل واحدة، كذلك المقدسات، وعلى رأسها الأقصى الشريف: مسرى النبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه” أولى القبلتين، ثالث الحرمين، وعلينا مسؤولية دينية في تخليص وتحرير هذه المقدسات… ثم لنعي جيداً، في هذا العالم العربي والإسلامي، أن فلسطين هي: المترس المتقدم، والخندق الأول، الذي كلما اهتمت به الأمة، وكلما ناصرته الأمة، كلما وقفت معه الأمة؛ كلما تقلصت الأخطار في بقية أقطارها.
لو أن العرب اتجهوا بكل جدية، وبكل مسؤولية، وبوعي، وبشكل صحيح إلى المناصرة للشعب الفلسطيني، ودعم موقفه، ومواجهة الخطر الإسرائيلي كما ينبغي؛ لحفظوا الميدان، والساحة العربية والإسلامية، من كثير من المؤامرات، ولم يصل إليها شر إسرائيل، ومؤامرات إسرائيل وأمريكا، بل وربما قد مسحت ” إسرائيل”
لكن الأمة تركت فلسطين؛ فانتقلت المؤامرات لتغزوها إلى بلدانها، وأصبحت- هي بنفسها- ساحة مفتوحة، غير محصنة لا بوعي، ولا بتعبئة، ولا بأي شيء.
ترجمة حالة العداء إلى مواقف عملية
يتحتم على الجميع العداء الواضح، الصريح، المترجم إلى مواقف، وهذه مسألة مهمة أن نترجم عداءنا لإسرائيل إلى مواقف عملية، ليس من الصحيح أبداً أن يأتي البعض ليقول: [كلنا يعادي إسرائيل]، لكن ويحتفظ بحالة العداء في أعماق نفسه، لا تترجم إلى أي موقف، هذا عداء: ليس له إيجابية، ليس له أهمية، ليس له قيمة.
التصدي لمن يشوِّهون حركات المقاومة
حزب الله يشكل جبهة مباشرة في التصدي لخطر إسرائيل، حركات المقاومة في فلسطين- كذلك- تشكل جبهة مباشرة في مواجهة إسرائيل، ومواجهة العدو الإسرائيلي… ففي مقابل سعي الآخرين لتجريم هذه الحركات المجاهدة والمقاومة في فلسطين ولبنان، نرفع صوتنا عالياً، نواجه هذه المحاولة من التجريم والعزل والتشويه، ونتصدى لها في أوساط أمتنا، وفي أوساط شعوبنا، ثم أن نترجم عداءنا لإسرائيل بشكل واضح: في الشعارات، في الفعاليات، في نشاطنا الإعلامي… أن لا يغيب الاهتمام بالقضية الفلسطينية، التوعية للأمة عن الخطر الإسرائيلي، التعبئة والتحريض على إسرائيل من وسائلنا الإعلامية، في نشاطنا التثقيفي بين أوساط الأمة وفي مناهجنا…إلى غير ذلك.
المقاطعة الاقتصادية.. مبدأ قرآني وسلاح فعال!
المقاطعة الاقتصادية للبضائع الإسرائيلية والأمريكية هو من أهم الخيارات المتاحة لكل شخص، و ما هناك مبرر، الكثير يريد لنفسه ألا يتحمل أي مسؤولية، وألا يتخذ أي موقف، وألا يتحرك أي تحرك، يبقى إنساناً فارغاً، ليس له أي موقف! هذا لا ينجيك أمام الله، لا ينجيك أمام الله أن تعتبر نفسك غير معني بشيء… الله هو من يحدد مسؤولياتنا كمسلمين، وحدد لنا المسؤولية: أن نقف ضد الطاغوت، ضد الظلم، ضد المتكبرين، والمستكبرين، والظالمين… {كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ}[الصف الآية: 14]، هذه مسؤولية أن نتجه… كيف نكون من أنصار الله، إلا بأن نواجه قوى الطاغوت، قوى الظلم، قوى الظلام؟ ثم إعفاؤك لنفسك من المسؤولية؛ لن يعفيك من آثار ذلك ونتائجه، لذلك نتائج كبيرة وسيئة في الواقع.
المقاطعة مهمة جدًّا، الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” في كتابه الكريم قال : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة الآية: 104]، هذه الآية المباركة، نزلت تمنع على المسلمين استخدام مفردة، وكانت مفردةً عربية، {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا}، رَاعِنَا: كانت مفردة عربية، يقول المفسرون والمؤرخون أن اليهود كانوا يستخدمون هذه المفردة، ويقصدون بها معنىً آخر فيه إساءة ضمنية للنبي “صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه”؛ فكانوا يستفيدون من معنىً محتمل من هذه المفردة.
القرآن الكريم منع على المسلمين استخدام هذه المفردة، وأمرهم إلزاماً بمقاطعتها، لاحظوا معي، بمقاطعة مفردة (مفردة عربية) {لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا}؛ لأن اليهود كانوا يستفيدون من هذه المفردة، فمنع القرآن استخدامها حتى لا يستفيد اليهود من استخدامها؛ لأنهم كانوا سيستمرون في استخدامها لو بقيت مستخدمة لدى العرب.
فإذاً، كان هناك مقاطعة لكلمة (لمفردة عربية) يستفيد منها اليهود، أما اليوم فالبضائع الإسرائيلية والأمريكية؛ لأن أمريكا هي: أكبر داعم، وحاضن، وحامٍ لإسرائيل… البضائع الإسرائيلية والأمريكية تشكل مصدر دعم رئيسي لهما (لإسرائيل ولأمريكا)، ولا بد من المقاطعة من أبناء الأمة، اليوم عالمنا العربي هو سوق من أكبر الأسواق في العالم، سوق مستهلك؛ لأن مستوى الإنتاج عندنا في العالم العربي ضعيف، ويكاد يكون صفراً؛ فنعتمد في مشترياتنا، واستهلاكنا على المنتجات الأجنبية (نستورد)، كل شيء مستورد مستورد، لا ننتج كما ينبغي؛ وبالتالي تذهب معظم أموالنا إلى أعدائنا، وتشكل ثروة لهم، مصدر دخل كبير لهم.
لن نسلِّم لمن يفرض حالة الصمت
علينا أن نحرص على ألا نسلّم باحتكار الجانب الرسمي في بلداننا للقضية الفلسطينية، ولموضوع إسرائيل، والعلاقة مع إسرائيل، فهم يريدون أن يكون شأناً رسمياً، لا علاقة للشعوب بها، ثم نحن كشعوب يقال لنا: [اصمتوا، لا تتدخلوا نهائياً].
بلى نتدخل، نحن معنيون، نحن أصحاب مسؤولية دينية، ومعنيون؛ لأن هذا خطر يتجه إلينا، لنا حق في مواجهته، ولسنا عبيداً لأحد، وليست هذه الشعوب ملكاً إلا لله، ليست ملكاً لأمير هنا، ولا لملك هناك، ولا نظام هنا، ولا لسلطة هناك… نحن شعوب حرة، يجب أن نحافظ على حريتنا، وأن تكون خياراتنا مستمدة من قناعاتنا، ومن أخلاقنا، ومن مبادئنا، ومن قيمنا.
أن نتصدى لمحاولة فرض الصمت والجمود، كلما قالوا لنا: [اصمتوا] أن نرفع أصواتنا أكثر، وكلما قالوا: [أجمدوا] أن نزيد من فعالياتنا، وأنشطتنا، ولا نكترث- أبداً- لأساليب الصد، أساليب الصد المعروفة.
| مقتبسة من كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في يوم القدس العالمي 1438 هـ |