العدو الصهيوني يتوغَّل في رفح ويغلقُ معبرَها مع مقترح التهدئة.. محكٌّ فاضحٌ لنوايا عدوٍّ لم يرتوِ دماً
|| صحافة ||
بعد 214 يوماً من عدوانه، لم ينجز كيان الاحتلال الإسرائيلي أيًّا من أهدافه المعلَنة وغير المعلَنة التي وضعها للحرب على قطاع غزة، على الرغم من حجم الدمار والتخريب الهائل وبشاعة الجرائم والانتهاكات التي مارسها طوال هذه الفترة، وحتى لحظة كتابة هذا التقرير.
وفيما تدعم كُـلّ دول العالم وقف هذه الحرب الإجرامية العبثية، حتى الإسرائيليون أنفسهم، إلا أن حكومة هذا الكيان، وحتى الآن، لم توافق على أي مقترح قدمه الوسطاء، وجاء إعلان المقاومة الفلسطينية الموافقة على مقترحات إنهاء العدوان مفاجئاً لهذه الحكومة.
اقتحام رفح استراتيجية نتنياهو لإرضاء الداخل:
بعد ساعاتٍ على إعلان حماس موافقتها على مقترح وقف النار وتبادل الأسرى، وفيما يترقب العالم رد الحكومة الإسرائيلية على المقترح، أعلنت صباح الثلاثاء، سيطرتها على الجانب الفلسطيني من معبر رفح جنوبي قطاع غزة بشكل كامل، ضاربة عرض الحائط بكل التحذيرات من خطورة أية عملية عسكرية في رفح.
وقال المتحدّث باسم جيش الاحتلال: إن “الجيش الإسرائيلي يقوم بعمليات تمشيط واسعة في المنطقة، بعد ليلة شهدت قصفًا عنيفًا استهدف محيط المعبر ومناطق شرقي المدينة المكتظة بالنازحين”.
وزعم المتحدث أن “الغالبية العظمى من السكان في منطقة العمليات العسكرية شرقي رفح قد جرى إجلاؤهم”، مُضيفاً أن “قوات الجيش تعمل في منطقة محدّدة في شرق رفح”.
وأغلقت القوات الإسرائيلية معبر رفح بشكلٍ كامل، كما منعت دخولَ المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ومنعت حركة المسافرين من مرضى السرطان وجرحى العدوان المُستمرّ عبر المعبر الحدودي مع الأراضي المصرية.
كما استمر الطيران الحربي الإسرائيلي في قصف منازل الفلسطينيين بمناطق مختلفة من رفح، حَيثُ ارتقى 24 شهيدا جراء هذا القصف، وللمرة الثانية ألقى جيش الاحتلال مناشير طالب فيها الفلسطينيين بإخلاء المناطق الجنوبية والشرقية في رفح، ليشد الفلسطينيون الرحال مرة أُخرى نحو مدينة النواصي غربي مدينة رفح ومدينة خان يونس.
في السياق، رأى مراقبون، بأن اقتحام رفح ليس حدثاً استراتيجياً، بل هو حدث تكتيكي هدفه خدمة غرض استراتيجي، وهو ما لم يحدّده المستوى السياسي، وهذه هي المهزلة الكبرى؛ إذ لو كان هناك جدوى من احتلال رفح أَو الضغط عليها، لحدثت قبل الـ214 من الحرب، ولكنها -على ما يبدو- استراتيجية خَاصَّة لإرضاء “بن غفير وسموتريتش” والحفاظ على الحكومة التي باتت على المحك.
تعمد الاحتلال تأزيم الوضع وفرض تعريفاته لبنود المقترح:
بحسب مراقبين، فَــإنَّ رد حماس كان جديًّا وبدا الأمر متروكًا الآن لـ “إسرائيل” لتقرّر ما إذَا كانت ستدخل في اتّفاق أم لا، لكن ومن المرجح أن تتصادم الأطراف المتحاربة بشأن تعريف بعض البنود والتي منها على سبيل المثال، “الهدوء المستدام” المذكور في المقترح الذي وافقت عليه حماس، فمن المتوقع أن يعارض نتنياهو تعريف الهدوء المستدام في المقترح.
وعلى الرغم من أن المتفاوضين اتفقوا على تعريف الهدوء المستدام بعد معارضة “إسرائيل” وقفاً دائماً للقتال، ربما الضربات الإسرائيلية الأخيرة شرق رفح، لتبدو جزءاً من عملية أصغر وليس تحَرّكاً ممهداً لهجومٍ أكبر، وبالتالي فالاحتلال يتعمد تأزيم الوضع بمنع إدخَال المساعدات وإغلاق معبري رفح وكرم أبو سالم، ويستهدف المستشفيات والمدارس بعدوانه شرقي رفح، والذي تتحمل الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي والاحتلال كامل المسؤولية عن هذا العدوان.
وسبق التنصل الإسرائيلي الجديد تصريحُ وزير المالية الإسرائيلي “بتسلئيل سموتريتش”، بالقول: إنه “يجب إعادة الأمن لسكان الجنوب عبر احتلال رفح، والاستحواذ على محور فيلادلفيا ومعبر رفح الحدودي مع مصر”، ضارباً عرض الحائط كُـلّ الاتّفاقيات والتفاهمات، بما فيها معاهدة التسوية بين مصر والكيان عام 1979م.
مسار التفاوض غير المحسوم وتداعيات احتلال رفح:
شكلت عملية اقتحام قوات الاحتلال “معبر رفح” وإغلاقه، انعطافًا خطيرًا في مسار المفاوضات غير المحسومة أصلاً، ورغم تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن أي هجوم عسكري على رفح جنوبي القطاع ستكون له تداعيات كارثية وسيكون خطأ استراتيجياً، ودعا كُـلّ من له تأثير على “إسرائيل” للعمل على ثنيها عنه.
كما جددت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تحذيراتها من أن الهجوم على رفح سيفضي إلى آثار مدمّـرة، وأن كارثة الجوع ستزداد سوءًا إذَا توقف دخول الإمدَادات، خَاصَّة شمالي القطاع.
في الإطار، نقلت شبكة “سي إن إن” الأمريكية عن مصدرٍ مطلع قوله: إن “مدير وكالة المخابرات (سي آي أيه) وليام بيرنز يتوجّـه إلى القاهرة الثلاثاء، لإجراء مزيد من المحادثات بشأن مفاوضات صفقة التبادل، وسط أنباء عن توجّـه الوفد الإسرائيلي للعاصمة المصرية أيضاً”.
بدورها، قالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: إن “وفداً إسرائيلياً يضم أعضاء من جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) والجيش وصل إلى القاهرة للتفاوض حول إبرام صفقة تبادل جديدة”، وذلك بعد موافقة المقاومة على مسودة المقترح القطري المصري للاتّفاق.
وعليه بحسب مراقبين، فَــإنَّ “نتنياهو” وحلفاءَه في الحكومة بما فيها مجلس الحرب ينوون التخلي عن المحتجزين، ويفضّلون على ما يبدو إطالةَ أَمَدِ الحرب؛ لأَنَّ احتلال رفح وإغلاق معبرها، سيحرك المفاوضات في الاتّجاه الخاطئ.
صحيفة المسيرة