لن تقف الأمة على قدميها أبداً إلا إذا بدأ العمل على تصحيح الوضع من الداخل
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
إذاً فإذا غاب العمل على تصحيح الوضع من الداخل تحت العمل في إطار الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلن تقف الأمة على قدميها أبداً ً مهما امتلكت من أسلحة في مواجهة اليهود والنصارى ؛لأن هذا الأمر أتى في إطار وضع الخطة الحكيمة والمستمرة التي تؤهل الأمة لمواجهة أهل الكتاب اليهود والنصارى، سواء في حماية أنفسهم منهم كي لا يتحولوا إلى كافرين مرتدين بعد إيمانهم أوفي رفع ظلمهم عنهم، وفي قطع أيديهم عن بلدانهم، لا بد من تفعيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
لكن ما الذي حصل؟.
من جَنى على هذا المبدأ هم الفقهاء أنفسهم، من جنى على هذا المبدأ نفسه هم أصحاب [أصول الفقه]، وأصحاب كتب [علم الكلام] والفقهاء أنفسهم، الذين حولوا المسألة إلى مسألة فردية فقالوا: أنت يجب عليك شخصياً أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. متى؟. قال: متى ما ظننت التأثير، متى ما امتلكت القدرة أو ظننت التأثير ما لم فليس عليك شيء.
فجعلوا كل شخص ينظر إلى هذا الواجب العظيم، وهذا المبدأ المهم، وهذه الهداية الربانية العظيمة، كل شخص ينظر إليها بنظرة فردية ومن منطلق ذاته واستطاعته أو عدم استطاعته، وكل شخص منا سيرى نفسه في الأخير عاجزاً عن أن يعمل شيئاً، أليس هذا الذي سيحصل؟، فلنكن عشرة آلاف في منطقة سيرى كل شخص نفسه عاجزاً عن أن يعمل شيئاً، فيقول: إذاً ارتفع الوجوب عني، إذاً أنا لا أستطيع، والثاني يقول كذلك، والثالث كذلك، والرابع كذلك، وهكذا.
ناسين أن القرآن وأن الله يقول: أنه في تحقيق هذا الأمر من المعلوم أنه لا يتأتى – وهو الشيء الطبيعي والغالب – إلا بأن يتحرك الناس بشكل جماعي متوحدين؛ لذا فعليهم أن يؤهلوا أنفسهم ليصبحوا أمة فإذا كانوا أمة كانت قادرة حينئذٍ على هذه المهمة، عندما يتوحدون، عندما يكون منهجهم واحداً، عندما يكون منهجهم قائماً على الاعتصام بحبل الله مجتمعين، عندما يكونون صادقين متعاونين فيما بينهم حينئذٍ سيصبحون أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
ثم بعد هذا طبِّق هذا المبدأ على أفراد هذا المجتمع المتوحد فقل له: يجب عليك إذا استطعت، ما لم فلا حرج عليك، سيقول لك: نعم إنه مستطيع لأنه قد صار أمة.
ولكن بعد أن جعله الفقهاء واجباً فردياً عندما تقول لشخص :هذا الأمر واجب عليك أنت شخصياً إن استطعت، سيقول :أنا لا أستطيع، وبعده تقول للثاني، ثم تعزل الثالث بعده، والرابع بعده حتى تخرج من آخر الصف ولا يوجد أحد يستطيع، كل واحد يقول: [والله أنا ما أستطيع، أنا ارتفع الوجوب عني، ولي عذري عند الله].
هكذا انطلق فقهاؤنا، انطلقت القواعد التي تسمى [أصول فقه] لتوجه كل الخطاب الذي هو في القرآن خطاب جماعي للأمة توجهه إلى الفرد، بينما الفرد يجب عليه أن يتحرك في إطار أمة في تأهيل نفسه والآخرين ليكوِّنوا صرحاً شامخاً بأمة كاملة.
انطلقت أشياء لتخاطب الأفراد كأفراد، وكل شخص يرجع إلى نفسه سيرى نفسه عاجزاً ثم يقول لله: [أنا لا أملك شيئاً، أنا لي عذري عندك فمع السلامة]!
الله يقول هنا: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} يعلم أن كل فرد بمفرده لا يستطيع أن يعمل شيئاً، أحياناً يحتاج الإنسان هو في تربية أسرته في الداخل في تربية أولاده إلى من يعينه من الآخرين على تربية أولاده، على تنظيم شئون أسرته حتى تكون أسرة منضبطة.
ثم لأن المسألة في مقام الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابد أن تكون بشكل واعٍ، وخطة واحدة، ومنهج واحد، وأسلوب واحد، وعمل واحد، وإلا فهو من المنكر أن تتحرك أنت بطريقتك الخاصة فتوجه توجيهات تعتقد أنها دعوة إلى الخير وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وآخر له خط آخر وأسلوب آخر ووجهة أخرى
وثالث ورابع على هذا النحو وينزل في المجتمع ثقافات متعددة، وجهات نظر متعددة، دعوة إلى أشياء متعددة منهم من يرى أن هذا مهم بالغ الأهمية، ومنهم من يرى أن هذا لا معنى له من أصله، وكلٌ يخاطبك باسم الدين، ويخاطبك باسم النصيحة، فهذا سيصبح نفسه من المنكر؛ يؤدي إلى تفريق المجتمع، يؤدي إلى تباين وجهات نظره، يؤدي إلىتشتت وتعدد مواقفه وتباينها.
فلا بد في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير أن يتحرك من قاعدة واحدة، من توجيهات واحدة، وخطة واحدة، وأساليب واحدة حتى يكون فعلاً أمراً بمعروف ونهياً عن منكر ودعوة إلى الخير بنَّاءة، تكون نتيجتها تصب في قالب تأهيل الأمة فيما يتعلق بوحدتها، وفيما يتعلق باهتماماتها بأمر الدين، وفيما يتعلق باهتمامها في مواجهة أهل الكتاب سواء في الداخل أو في الخارج.
قد تأتي أحياناً أساليب دينية تُقدم إليك سواءًً عن طريق خطب جمعة أو حلقات درس أو مدارس تقدم إليك الدين بشكل اهتمامات معينة تغيب أمامك الأشياء الأخرى المهمة، فيأتي آخر يتحرك إليك يطلعك على الأشياء التي يراها مهمة فهذا يقول هذه أشياء لا تشكل أي مشكلة هذه أشياء لا يُعد الاهتمام بها شيء ضروري، ما الذي سيحصل؟. أليس سيحصل تباين في المجتمع نفسه، منهم من يصدق هذا ويمشي على نهجه، ومنهم من يقبل من هذا ويمشي على طريقته،فيؤدي إلى ماذا؟ أليس يؤدي إلى خلخلة وحدة الأمة حتى وإن كانت قد توحدت، فإن هذه الأساليب المتعددة ستؤدي إلى ضرب وحدتها، وضرب كيانها فتخلخل صفها من جديد.
{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}(آل عمران: من الآية104)أمرنا الله بهذه الصِّيغَة التي تعني الفاعليّة والعمل الجاد {وَلْتَكُنْ}، أليس هذا أمر مؤكد يجب أن تكونوا على هذا النحو أمة تتحرك، ويأتي بصيغة الفعل المضارع {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وهذه من الصِّيَغ التي تفيد – كما يقولون – التجدد والحدوث التجدد والحركة المستمرة. الدعوة إلى الخير، يتحرك كل إنسان باستطاعته يدعو إليه، لكن في إطار الخطة، في إطار وجهة النظر الواحدة، وإلا فحَذَارِ حذار من دعوات إلى الخير بأساليب متعددة إلى أمر بمعروف بأساليب متعددة إلى نهي عن منكر بأساليب متعددة، من منطلق توجيهات متعددة، وإلا فكلما كان منها منفرداً عن الآخر فلا بد أن يكون له تأثيره المباين لتأثير الآخر، وما النتيجة؟. هي: تفريق كلمة الأمة تحت عنوان: دعوة إلى الخير وأمر بمعروف ونهي عن منكر، توجيهات تؤكد لنا ضرورة إصلاح المجتمع من الداخل وهذا ما يؤكد السنة الإلهية أن الله سبحانه وتعالى كما قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}(الرعد: من الآية11)
وبهذا نعرف نحن كيف نرد على أولئك الذين يقولون: [ماذا سنعمل نحن بإسرائيل وأمريكا، أمريكا تملك قوة جبارة، وتملك .. وتملك .. نحن ماذا سنعمل ضدها؟] نقول : اعمل على هذا النحو، ابدأ تحرك، لأن تبني أمة تكون مؤهلة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، متوحدة، معتصمة بحبل الله جميعاً، وسيحصل كل شيء مما تراه مستحيلاً سيحصل، المستحيل هو في نفسك أنت وليس في واقع الحياة، وليس فيما هدى الله إليه، أنت في نفسك التي لا تثق بالله، في نفسك العاجزة، في نفسك المهزومة، في نفسك الضالة التي لا تعرف كيف تعمل، هناك المستحيل، أما فيما يهدي الله إليه، أما في واقع الحياة، أما في السنن الإلهية، أما في السنن الكونية فليس هناك شيء مستحيل، إذا ما سرت على ما هداك الله إليه فسيصبح ما بدا أمامك مستحيلاً يصبح يسيراً وسهلاً.
ثم أليس من الدعوة إلى الخير ومن الأمر بالمعروف أن نتحرك، أن يتحرك علماؤنا يتحرك المتعلمون فينا يتحرك طلاب العلم، يتحرك كل من لديه فهم؟. إلى أن يكشف للناس خطورة هذا الواقع الذي نعيشه خطورة هذه المرحلة وهذه الأحداث التي نواجهها، ويدعون الناس جميعاً إلى كيف يجتمعون على كلمة واحدة، معتصمين بحبل الله جميعاً، أليس هذا من الدعوة إلى الخير ومن الأمر بالمعروف؟. أليس من النهي عن المنكر النهي عن أي ثقافة تخلق وجهات النظر المتباينة؟.، النهي عن تعدد الوسائل، والمؤسسات الثقافية – وإن كانت باسم الدين – التي تخلق آثاراً متباينة في الأمة وتفرق كلمة الأمة؟، أليس من النهي عن المنكر النهي عن تلك القواعد التي تخلق نظرة ضيقة وقاصرة، وتؤدي إلى عدم ثقة أو إلى
نقصٍ كبيرٍ في الثقة بالله وبكتابه وبرسوله؟، من النهي عن المنكر أن ننهى عنها لأنها هي التي ضربتنا سواء كنا علماء أو متعلمين أو متعبدين أو دعاة نتحرك في الميادين ندعو الناس إلى الله ونحن في الواقع نجني على دين الله، ونجني على عباد الله ونفرق كلمتهم.
ميدان العمل أمامنا مفتوح، من يقول: [ماذا نعمل؟]. نقول له :ميدان العمل أمامك مفتوحٌ أمام الجميع مفتوح، المطلوب أن تتحرك لا أن تتساءل، ميدان العمل فيه ما يكفيك أن تعمل بكل قدراتك وبكل طاقاتك مهما كانت، فكيف تتساءل [ماذا نعمل؟] وكأنه ليس هناك ما يمكن أن نعمله، أليس هو يقول : ماذا نعمل؟، وكأننا قد أكملنا كل شيء.
ميدان العمل أمامك مفتوح من الآن أن تتحرك على هذا النحو، إذا كنت مؤمناً بالله، إذا كنت واثقاً بالله، إذا كنت واثقاً بكتاب الله، إذا كنت تعتبر هذه الآيات أعلاماً على حقائق واقعة، حقائق لا تتخلف، فتحرك وميدان العمل أمامك واسع، حاول أن تجعل من نفسك لبنة في صرح بناءٍ واحد متماسك، حاول أن تجعل من نفسك عنصراً فاعلاً متحركاً في مقام الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار واحد في مجتمع يسير على خطة واحدة ونهج واحد.
ثم أي شيء من هذا ليس في متناولنا؟. كله في متناولنا، البُعد في أعماق أنفسنا نحن، المستحيل هو في أنفسنا نحن، متى ما غيرناها بلفتةٍ صادقة إلى الله، بالتجاء صادقٍ إلى الله، بثقة قوية بالله، وثقة بكتابه، ونتحرك في إطار الثقلين: الكتاب والعترة، فسيصبح كل شيء بمتناولنا وسنمشي على نهج واحد وسنرى كيف تكون آثاره طيبة، وكيف تكون ثماره طيبة، وآثاره بنّاءة.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
سورة آل عمران – الدرس الثالث
ملزمة ولتكن منكم أمة
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 11/1/2002م
اليمن – صعدة