مجزرة خان يونس ومآلات الصراع
|| صحافة ||
قد يكون محمد الضيف أول من تفاجأ من إعلان العدوّ أنّه تم استهدافه في مواصي خان يونس، وفي انتظار تأكيد مصيره. وموضع المفاجأة ليس لأنّه لا يعرف أنّ العدوّ كاذبٌ حتّى النخاع، بل هو كيانٌ قائمٌ على الكذب، وإنّما لأنّ كذب العدوّ أصبح لا يهتم بالتفاصيل ولا بالعموميات، التي تجعل من الكذب مستساغًا، وقابلًا للهضم العقلي.
فأين المنطق في أن يكون القائد العام لكتائب القسام في خيام النازحين؟ وكيف له الاختباء في خضمّ موجٍ بشريٍ هائل، أو في بيتٍ بجواره آلاف الخيام، وهو الذي تبحث عنه عشرات أجهزة الاستخبارات العالمية والإقليمية، بخلاف أجهزة العدوّ الاستخبارية، وكلّ هذه الأجهزة بكلّ ما أوتيت من تكنولوجيا وقدرات بشربة ومادية، تريد ولو معلومة عن رجل الظلِّ ورجل الألغاز الكبرى؟
وقد انحسرت الكذبة بشكلٍ سريع، أسرع من انحسار الابتسامة الساخرة، من على شفتي الضيف على خبر استهدافه في خيام نازحين، في أغبى إعلانٍ صهيونيٍ منذ بدء العدوان، وكلّ إعلاناتهم شديدة الرعونة حادة الحماقة، وليس آخرها إعلان هذا الاستهداف.
لكن العدوّ الذي لا يبذل جهدًا في تبرير خطيئته ولا كلّ خطاياه، حيث إنّه يأمن العقوبة، أو هكذا تهيئ له صلافته، استخدم أعرابًا نكصوا وارتدّوا عن عروبتهم وإنسانيتهم، على افتراض أنّهم كانوا بالأصل عربًا بشرًا، وهؤلاء حاولوا بكلّ ما أوتوا من صفاقةٍ تبرير جريمة العدو، محاولات بأكثر مما حاول العدو، كأنهم صهاينة بالولادة ومن أمهاتٍ صهيونيات، وليس مهمًّا عرق الأب ودينه.
يا أيها البؤساء الذين لا يميزون الخبيث من الطيب، ويعتقدون جزمًا أنّ العار فخرهم والفخر عارهم، ويظنون بأنفسهم خيرًا، حين يقولون نخشى على الشعب من القتل، ويجاهرون بالطلب من المقاومة ألّا تقاوم، فتعطي للاحتلال ذريعةً للقتل، هذا بالضبط كأن تقول للقتيل لا تغضب، دعه يقتلك دون أسباب، لا تعطه سببًا لقتلك، حتّى نستطيع أن نقول له لا تقتل بالجُملة، اقتلنا رويدًا رويدًا، حتّى نستطيع أن نحبك، وحتّى نستطيع أن ندعو العالم لحبك.
يا أيّها السفهاء صمتًا، هل تعرفون ممارسة الصمت؟ كونوا مثل السفهاء أندادكم من العرب، الذين يمارسون الصمت على أعتاب ضجيج القنابل في غزّة، ويلوكونه كالماء ويجترونه كالبعير. اصمتوا.. وتعلموا الصمت ممن هم على شاكلتكم، ولن يسومكم سوء العذاب سيدكم إن صمتّمّ، فقط ستدهشه قدرتكم على مغالبة غبائكم وانحطاطكم.
لا شيء في الوقائع يشير إلى قدرة العدوّ على تحقيق انتصار، ولكن لا شيء كذلك يشير إلى أنّ رغبته في القتل والتدمير تراجعت، كما لا يوجد ما يشير إلى أنّ العرب حكامًا ومحكومين، وهبتهم الأقدار بعض نخوةٍ أو مروءة، أو ما يشير إلى أنّ مناعتهم المتبلدة قد ضعفت، لتصيبهم عدوى الكرامة، التي ينتهجها محور المقاومة، فالنفط على مدار خمسة عقود، كان يحقنهم بأمصالٍ من ذلةٍ وتفاهةٍ وفجور.
تبدو جولة المفاوضات هذه على وقع المجازر، هي الفرصة الأخيرة لوقف العدوان على غزّة، حيث إنّ فشلها وانقضاء شهر تموز/يوليو دون التوصل لاتفاق وقف النار، سيكون نذيرًا بلبدايةٍ جديدة لحربٍ مختلفة السقوف والمآلات، وسيكون من المتعذر الحفاظ على الستاتيكو القائم حاليًا.
فهذا الطّور من العدوان، لم يعد من المقبول استمرار وتيرته على هذا النحو، ولم يعد يناسب جميع أطرافه، فخطاب نتنياهو في الكونجرس سيكون بمثابة ساعة الصفر، إمّا لاستمرارية الحرب أو لوقف النار، حيث إنّ نتنياهو أصبح أهم ناخبٍ في الانتخابات الأميركية، وفي خطابه المرتقب سيتضح لمن يعطي صوته، لبايدن أم لترامب، وبناءً على توجه هذا الصوت، ستتضح معالم الحرب، إلى استمرارٍ أم إلى هدنة.
لكن ما نستطيع الجزم به، هو أنّه أيّما كانت قرارات الولايات المتحدة، هدنة أم حربًا، فإنّ الهزيمة وزوال الكيان هما النتائج الحتمية، الفرق هو أنّ الهدنة ستمنح الكيان بعضًا من وقتٍ في عمر كيانه، فيما استمرار الحرب سيعجل بزواله.
العهد الاخباري: إيهاب زكي