موانئ فلسطين المحتلة.. إغلاقها يعني إغلاق الكيان الغاصب

|| صحافة ||

عند الحديث عن المرافئ الفلسطينية والتي يستخدمها العدو الصهييوني لخدمة تجارته ونقله البحري يتصدر الكلام ميناء حيفا، لأهميته وكونه أكبر ميناء في فلسطين، وهو من الموانئ التي بنيت في بداية القرن العشرين، كمنافس لمينائي يافا وعكا، اللذين كان يتم منهما تصدير البوتاس والحمضيات اليافاوية إلى أوروبا. ومن الموانئ الهامة الحديثة نسبيًا ميناء الخضيرة وميناءا أسدود وعسقلان، وهما ميناءان مخصصان للتجارة ونقل منتجات النفط والغاز على التتالي. وبالتأكيد لن ننسى ميناء “إيلات” على البحر الأحمر.

لن نتحدث عن جميع الموانئ وخصوصيتها ولكننا سنلفت إلى الأهمية الاقتصادية لبعض هذه الموانئ لدى الكيان، وخاصة منها تلك التي تتعلق بالحرب الدائرة على غزّة، والتي من أجلها يتم العمل على تهجير الفلسطينيين من القطاع منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

من أهم الموانئ، ميناء “إيلات”، ويقع على الطرف الفلسطيني (المصري قبل العام 1967)، في الجهة الشمالية من خليج العقبة، في قرية أم الرشراش المصرية، والتي احتلها الصهاينة خلال نكسة السادس من حزيران/يونيو 1967، والتي لم يتم استردادها خلال محادثات طابا 2001. ويعتبر ميناء “إيلات” المنفذ الوحيد للكيان على البحر الأحمر، وباختصار فقد تسببت ضربات اليمن بوقف هذا الميناء عن العمل نهائيًا وبتسريح عماله.

أما ميناء حيفا، فهو أكبر الموانئ على الشاطئ الفلسطيني للتبادل التجاري. شيد ميناء حيفا في الأساس في زمن الحاكم العثماني ظاهر العمر في العام 1761، ومن ثمّ تم تطوير الميناء على مراحل مختلفة، ومنها خلال زيارة القيصر الألماني ويليام الثاني وزوجته للأراضي المقدسة في العام 1898. ولكن الميناء اكتسب أهمية خاصة إبان الانتداب البريطاني، الذي قام بتوسعته وإقامة البنى التحتية فيه ليبدأ في العام 1933 باستقبال النفط العراقي عبر خط أنابيب من حقول كركوك في شمال العراق. وفي نيسان/إبريل 1932، وبحسب موقع https://haipo.co.il/ الصهيوني، فقد كتبت صحيفة مانشستر – غارديان البريطانية يومها: “إن نابليون هو الذي قال إن عكا هي مفتاح الشرق، لكن الانجليز يعتقدون أن هذا المفتاح يقع في الطرف الآخر من الخليج وهم يبنون ميناء حيفا مما سيرفعها إلى أعلى مستوى على شواطئ البحر الأبيض المتوسط… مبنى ميناء حيفا ينبغي اعتباره رمزًا لمستقبل أرض “إسرائيل”. “.. وفي آب/ أوغسطس العام 1933 دخلت الميناء أول سفينة ركاب تسمّى “إيطاليا”، وحملت معها أوائل المستعمرين من اليهود. يومها انطلقت المظاهرات في جميع الأراضي الفلسطينية منددة بسياسة الانتداب، وتزامنت معها سلسلة الثورات العربية التي عرفت بثورات 1936 في فلسطين ولبنان وسورية والعراق ومصر، والتي امتدت ما بين 1933 – 1936، والتي أوقفت تدفق المستعمرين اليهود من أوروبا حتّى تدخل الأميركيين في العام 1947.

وهناك موانئ لها علاقة بعصب الطاقة في دولة الكيان، منها الخضيرة، ويقع ما بين حيفا ويافا، وقد بنيت عنده أولى المستعمرات، وسكانها من اليهود الروس، وبعد أن كانت منطقة زراعية اعتمدت على الحمضيات والموز، تحولت الخضيرة إلى منطقة صناعية لصناعة الإطارات والورق.

توجد في الخضيرة محطة “أوروت رابين” وهي أكبر معمل لإنتاج الكهرباء في فلسطين المحتلة، ويعتمد على طاقة الفحم الحجري، وقد بني إلى جانب المحطة الميناء الخاص بتفريغ سفن الفحم الحجري والنفط منذ العام 1953، من أجل تفريغ حمولة هذه السفن بالذات. كما يوجد في المدينة واحدة من أكبر محطات تحلية المياه في العال، وهذا الميناء يعمل اليوم بشكل كامل.

والميناء الثاني المخصص للتجارة هو ميناء أسدود. ووضع الميناء مضطرب، ولا ننسى أنه يبعد حوالي 30 كم عن غزّة. وأسدود البلدة التاريخية العريقة والتي بنيت ما قبل الاحتلال الروماني تقع على تل يبعد 3 كم عن شاطئ البحر. والميناء اليوم متوقف عن العمل، فهو يقع في نطاق غزّة، والمستعمرات فيه تقصف من قبل المقاومة الفلسطينية بشكل مستمر. وهو ميناء لتجارة النفط والغاز، واليوم تم تحويل الحاويات التي ترسو فيه إلى ميناء حيفا، ومنها على سبيل المثال، خط شحن الحاويات التايواني “ايفر غرين لاين”، والتي أعلنت منذ بداية الحرب على غزّة أنها تعمل تحت ظروف قاهرة وتم تحويلها إلى ميناء حيفا. وهنا علينا أن نتمعن بالعلاقة التجارية الكبيرة ما بين تايوان والكيان، وكلاهما من أهم مراكز تصنيع تقنيات النانو في العالم. ومن أسباب توقف الشركات البحرية عن العمل ارتفاع أسعار التأمين فيها، وذلك بحسب “جيروزاليم بوست”، وهذا الكلام جاء بعد شهر تقريبًا من اندلاع الحرب على غزّة.

بعد إغلاق كلّ من مينائي “إيلات” وعسقلان، بسبب الحرب، حدت الدولة الصهيونية من تداول المواد الخطرة في مينائي أسدود وحيفا، لأنهما الميناءان الوحيدان لتمرير البضائع. ومنذ 12 تشرين الأول/ أكتوبر2023، أعلن خط الشحن الدولي “ام أس سي” أنه لم يعد بإمكان الشركة إخراج بضائعها من أسدود، وتلاها في 16 تشرين الأول/ أكتوبر، شركة ميرسك الدانماركية التي صرحت بأنها تراجع خيارها في تفريغ بضائعها في مواقع بديلة، وذلك بحسب موقع الجزيرة. ومن أهم معوقات العمل نقص العمالة وعدد سائقي الشاحنات لنقل البضائع، بسبب استدعاء العمال للاحتياط في جيش العدو، إضافة للمخاوف من العمل في مناطق تستهدفها صواريخ المقاومة الفلسطينية.

وبحسب ميديا ليك فإن أسدود من أهم المراكز الصناعية، ويتعامل الميناء مع حوالي 60% من شحنات الموانئ في الكيان. وقد تم تحديثه خلال السنوات الماضية واستثمرت في الأعمال فيه شركات أميركية مختلفة، منها شركة ترامب. وتم تحديث الميناء لتصبح سفن، أو ناقلات كبرى مثل باناماكس، قادرة على الرسو فيه. كما توجد في أسدود مصفاة لتكرير النفط. وتعد المدينة موطن شركة ألتا وهي جزء من صناعات الطائرات “الإسرائيلية”، حيث يتم تطوير معدات الرادار وأنظمة الحرب الإلكترونية. والوضع في أسدود بات أسوأ مما هو متوقع، فبحسب موقع الجزيرة، أعلن الرئيس التنفيذي للميناء، شاؤول شنايدر، أن ثمة خطة لخصخصة الميناء، وهو الميناء الوحيد المتبقي في الكيان تحت إدارة حكومته. وسبب ذلك بالتأكيد تدهور الأوضاع الاقتصادية.

وأما ميناء عسقلان فيعتبر أكبر ميناء نفطي في الكيان “الإسرائيلي”، وقد أغلق منذ الأيام الأولى للحرب. وهو يبعد 10 كم عن مدينة غزّة. وبحسب الموقع صفر، يحتوي الميناء على 24 صهريج تخزين للنفط بسعة 1.9 مليون متر مربع، مع سعة تخزين إضافية للمنتجات النفطية تبلغ 410،000 متر مكعب. وهذه السعة الاستيعابية ليست أهم ما يمكن قوله عن ميناء عسقلان، الذي يقع في غزّة وعلى أطراف صحراء النقب، والذي يعد الأمل القادم مع ممر بايدن من الهند إلى حيفا. فهو نقطة أساسية وممر للسفن التجارية للتوزع على مختلف المرافئ في فلسطين المحتلة، إذا ما تم حفر قناة بن غوريون، والتي ستكون مستقبلًا مقتل مصر الاقتصادي والتي يفترض أن تحل محل قناة السويس. وعسقلان مقر أهم شركات النفط الأميركية العالمية العملاقة، شيفرون، والتي تعمل على استخراج الغاز من حقلي تمار وليفاثيان، والتي تقوم بتشغيل معامل الكهرباء العاملة على الغاز في الكيان، وجميع تجهيزات هذه الشركة موجودة في عسقلان. وتملك شيفرون حصة نسبتها 25% في حقل تمار للغاز، الذي يقع مقابل عسقلان. وقد أنتج في العام 8.2 مليار متر مكعب من الغاز في العام 2020، استهلك منها 7.7 في الكيان، و0.3 مليار متر مكعب في مصر، و0.2 مليار مكعب في الأردن، وذلك وفقًا لما صرحت به شركة ديليك الصهيونية، التي تملك حصة في الحقل. هذا مع العلم أنه بالقرب من عسقلان تقع مصفاة نفط تديرها شركة باز أويل بطاقة 100 ألف برميل يوميًا. فهل يمكننا تخيل الأهمية الاقتصادية لهذا الحقل المعطل منذ بداية الحرب على غزّة؟ وهل يمكننا فهم لماذا الأميركي حتّى اليوم يقف مذهولًا وكاذبًا ومعلقًا ما بين قرار وقف الحرب واستمرارها؟

أغلق ميناء عسقلان منذ التاسع من أيار/ مايو 2024 بشكل نهائي، بعد ثلاثة أيام من قصف المقاومة العراقية له، بعد أن تراجعت حركة التجارة فيه لمستويات كبيرة منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وذلك بحسب موقع الطاقة. إن أكبر متضرر من حرب غزّة هو قطاع الطاقة في الكيان، بسبب الشلل في الموانئ التي يديرها. وبحسب موقع الجزيرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، أن الأرقام الرسمية تشير إلى تراجع حاد في حجم رأس المال المستثمر بنسبة 70%، ليهبط من مليار دولار إلى 300 مليون دولار في داخل الكيان بسبب إغلاق البحر الأحمر وميناء إيلات بالذات. وعلينا أن نضع في الحسبان أن 0.4% من التجارة البحرية تمر عبر مينائي أسدود وحيفا، فهل حان الوقت لإغلاقهما؟ مع العلم أن إغلاقهما يعني فعليًا نهاية الكيان.

 

العهد الاخباري: عبير بسام

 

قد يعجبك ايضا