كل ما بين أيديكم له قيمته المرتبطة بمسؤوليتكم كخلفاء لله في الأرض
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
هذا كإتمام للموضوع الذي ذكرناه بالأمس. ويمكن أنه بقي نقطة واحدة هي: حول ما في التذكير للإنسان بنعمة الله عليه, في أن ينظر أن كل ما بين يديه هو نعمة من الله وأنها ذات قيمة, هي نفسها مما تساعد على التفكير فيها كما قال سابقاً:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الرعد: من الآية3) بعدما قال تعالى:{وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(النحل: من الآية14) {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الجاثـية:13)
فينطلق الناس وهم يرون أن كل ما بين أيديهم له قيمته المرتبطة بمسؤوليتهم كخلفاء لله في الأرض، ومتذكرين أنها نعمة من نعم الله. فهذا هو نفسه من إحدى الدوافع بالإنسان إلى أن يغوص في أعماق مفردات هذا العالم فيبدع، وينتج، ويصنِّع، ويكتشف الأسرار التي أودعها الله في هذا العالم.
من هنا نعرف كم هو الفارق بين ما تعطيه هذه الآيات وبين من ينطلقون فيتحدثون مع الناس ويعظونهم بالزهد في الدنيا، وأن النظر إلى الدنيا يجب أن يكون نظر من يرفضها ولا قيمة لها وأنها غرّارة خداعة مكارة، واتركها، ويسمح لك فقط من أطرافها، ولا تأخذ إلا الكفاية منها فقط, أن هذا نفسه من إحدى العوامل التي ضربت المسلمين فجعلتهم بعيدين عن أن يستخدموا ما سخر الله لهم في السموات وفي الأرض، وأن يتفكروا فيها؛
لأنها أصبحت ليست ذات قيمة لديهم، ليست ذات قيمة، هي كلها لا تساوي جناح بعوضة! بينما التذكير يوحي: أن الله يذكِّرنا أن ننظر إليها كذات قيمة، لها قيمة.
وعرف الآخرون كيف أن لها قيمة، الرجال عرفوا كيف أن لها قيمة, بل حتى الأشياء التي نكمم أنوفنا عندما نمر من عندها يعرفون أنها أيضاً لها قيمة، كيف هم يستخدمون المجاري بمحطات تصفية فيستخرجون منها الأسمدة، ويستخرجون أيضاً الماء من جديد نقياً فيعاد لسقي الأرض من الحدائق والبساتين والمزارع، وأسمدة تباع بملايين الدولارات.
ونحن نقول عنها كلها: غرّارة، خداعة مكارة من أولها إلى آخرها، حتى أصبحنا لا نملك شيئاً ولا نعرف شيئاً، ثم أصبحنا عبيداً لأولئك الذين تفكروا, قَوْمٌ يَتَفَكَّرُونَ, نحن قوم نجهل، وأولئك قوم تفكروا فأبدعوا.
نعرف في نفس الوقت من خلال ما عرفنا من أن المسألة ليست سوياً فيما يسديه الله سبحانه وتعالى من نعم إلى الإنسان، وفيما يحصل فيما بين الناس مع بعضهم البعض, وقد ظهر أن المسألة ليست سوياً.
بينما نجد أن أول خطوة خطاها [المعتزلة] في مجال معرفة الله: أنهم اعتمدوا على قاعدة باطلة من أساسها، هو أنهم نظروا أولاً فيما يحصل بيننا نحن الناس، أن هذا عندما يعطي هذا يجب عليه أن يشكره، إذاً فهناك نعم ننطلق منها لنشكر الذي أسداها.
ألم يسوغوا للمسألة؟ ما الذي حصل؟ نحن قلنا: القاسم المشترك هو الجانب العاطفي, لكن أن تنظر إلى المسألة كأنها سوياً فتأتي لتقيس ـ على ما قالوا ـ الغائب على الشاهد! الشاهد هو الإنسان وهذه الصورة الكاملة للتعامل فيما بيننا التي تعطي حكماً عقلياً ـ كما يقولون ـ بأنه يجب شكر المنعم، إذاً فننطلق منها لنقيس عليها تعاملنا مع من أسدى إلينا نعماً من جانب هذه النعم التي لم ندر بعد من أين هي، فنبحث عمن أسداها، فكانت هذه هي أول خطوة التي بنوا عليها وجوب النظر في معرفة من أسدى إلينا هذه النعم لنشكره.
ما الخلل في هذه؟ هو ترسيخ حالة التسوية, مع أن القرآن بيَّن أن المسالة ليست سوياً، ليس هناك مجال للمقايسة إلا في ما يتعلق بالجانب العاطفي في أن سنن الله سبحانه وتعالى في الهداية استغلت الجانب العاطفي في المسألة في خلق الشد للإنسان نحو الله، ولاعتبارات متعددة هي هذه التي ذكرناها سابقاً فيما يتعلق بنظرته إلى ما بين يديه كنعم منه تعالى، فيأتي الشكر واحدة من الغايات, واحدة {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(النحل: من الآية14) ألم يأت الشكر واحدة منها؟.
فهم رسخوا هذه المسألة: أن ننطلق منا نحن الناس فنعتبر القضايا العقلية من خلال التعامل فيما بيننا مع بعضنا بعضاً هي الأساس الذي نقيس عليه تعاملنا مع الله، فحصل أخطاء كثيرة؛ لأننا نجد أن الفارق كبير, أنه ليس صحيحاً أنني أرى أن الله سبحانه وتعالى يذكِّر من أعطاهم بنعمه؛ فأنطلق أنا لأذكِّر الآخرين الذين أعطيتهم بنعمي، فأقول أتخلق بأخلاق الله، وأسير على منهج الله، وأعمل مثله. لا. أُقفل هذا الموضوع تماماً، أقفل هذا الموضوع تماماً.
بينما قد يكون أساس المسألة هو أن الناس في تعاملهم الطبيعي خاصة من لم يربوا تربية إلهية في الابتعاد عن المنّ على بعضهم بعض، ألم يكن هذا هو السلوك الطبيعي لدى الناس؟ إذاً الانطلاقة نحو الله على أساس هذا السلوك الذي هو قائم بين الناس اتضح بأنه فقط لاستخدام الجانب العاطفي, وأن ما نحن عليه هو خطأ، هو خطأ.
يجب أن يلغى المنّ بما أعطيت تماماً، ويجب عليك فيما إذا أُعْطِيتَ من جانب أن لا يسيِّرك عطاؤه إياك فيسيِّر عواطفك كيفما يريد.
بل ورد في الأدعية أنه مطلوب أن الإنسان يدعو الله سبحانه وتعالى أن لا يجعل لكافر ولا لفاسق عليه نعمة، ففي دعاء الإمام زين العابدين: ((ولا تجعل لفاسق ولا لكافر علي نعمة ترزقه من قلبي بها مودة)) لماذا؟ لأن الإحسان يعمل عمله.
الحاكم أو الذي يلي أمراً من أمور الناس نُهي أيضاً عن أن يجيب حتى دعوة ضيافة؛ لأن الإحسان يؤثر فيؤدي إلى تسخير عواطفه مع من أسدى إليه إحسانا، نهي الناس عن هذا، وأذكر فيما روي أن الإمام علياً (عليه السلام) دعا
وهو عند رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن الله لا يحوجه إلى أحد من خلقه، فقال ـ في معنى الحديث ـ لا تقل هكذا فليس أحد من الناس إلا وهو محتاج إلى غيره أو إلى خلقه ولكن قل: ((اللهم لا تحوجني إلى شرار خلقك)) أن أحتاج إلى شرار خلق الله فيعطيني هو أو أقبل عطيته فيؤثر على عواطفي فيشكل ضغطاً عليّ في مواقفي الدينية. فحاول أن تبتعد عن أن يكون لفاجر تأثير على عواطفك.
هذا فيما يتعلق بنعمة الله سبحانه وتعالى. ويمكن أن نستكمل الموضوع إن شاء الله فيما بعد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله الثقة بالله الدرس الثالث
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ:20/1/2002م
اليمن – صعدة