الدبلوماسية الاميركية الصلبة والناعمة تفشل بدعم أمن الكيان الصهيوني

|| صحافة ||

ما زالت إدارة “البيت الأبيض” وباقي مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى نهج مقاتلي الكوبوي في المراوغة والمناورة واستعراض القوى بهدف تحقيق مصالح الكيان الصهيوني والدفاع عنه، في انتهاك فاضح للشريعة الدولية ومواثيق القانون الدولي والأطر المنظمة لها، حتى بات بعض المراقبين يطرح مروحة من التساؤلات، هل نجحت بلاد العم سام في تحقيق أهدافها من تبني هذه الدبلوماسية منذ عملية طوفان الأقصى ضد المقاومة الفلسطينية وباقي قوى الإسناد من محور المقاومة ؟ وما الأسباب التي تجعل الحكومات الأميركية تصر على إبقاء دعمها لهذا الكيان الذي بات يشكل عبئاً عليها؟.

على مدى قرابة أحد عشر شهراً من بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وبموازة ممارسة العبث بالمنظومة الأمنية الإقليمية، حافظت الولايات المتحدة الأمريكية على أبرز معالم سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط، والمتمثلة باستمرار دعم كيان الاحتلال رغم كل الانتهاكات وجرائم الإبادة والمجازر التي ترتكبها قواته تجاه أهالي غزة بعد عملية طوفان الأقصى، ولعل أولى صور هذا الدعم تمثلت في الزيارات المكوكية للمسؤولين الأمريكيين إلى فلسطين المحتلة، وكان في مقدمتهم الرئيس جو بايدن، في حالة هي الأولى من نوعها أن يقوم رئيس البيت البيضاوي بزيارة الأراضي المحتلة في خضم الحرب.

وهناك العديد من صور الدعم التي قدمتها واشنطن لحكومة الاحتلال، بما في ذلك استخدام حق النقض “الفيتو” داخل مجلس الأمن لخمس مرات ضد أي مشروع يتضمن وقف إطلاق النار أو ينص على الاعتراف بدولة فلسطينية، واستمرار إغداق المساعدات المالية والعسكرية على هذا الكيان، والتي بلغت منذ بدء عملية طوفان الأقصى، 32 مليار دولار.

انتهاج واشنطن الدبلوماسية الناعمة والصلبة، ظهر مؤخراً، بعد ارتكاب قوات الاحتلال جريمتي الاغتيال في بيروت وطهران نهاية تموز الماضي نجم عنهما استشهاد القائدين الجهاديين السيد فؤاد شكر وإسماعيل هنية، حيث سارعت واشنطن لإرسال 35% -بمعدل الثلث- من قواتها المتمركزة في غرب آسيا بما في ذلك حاملة الطائرات “إبراهام لينكولن” الهجومية إلى جانب “يو إس إس إيزنهاور” والطرادات المرافقة لهما، لتتمركز في البحر المتوسط إلى جانب قوة غربية أطلسية وإقليمية لمساعدة الكيان على التصدي لأي رد عسكري متوقع من قبل جبهة المقاومة على جريمتي الاغتيال، بالتزامن مع ذلك نشّطت واشنطن المسار الدبلوماسي الذي اتخذ شكلين، الأول محاولة احتواء التصعيد الإقليمي والسعي لعدم تعرض الكيان لأي مخاطر من خلال الدعوة لاجتماع جديد لبحث مسألة التوصل لاتفاق بخصوص غزة يلبي المصالح “الإسرائيلية”، والثاني ممارسة سياسة “العصا والجزرة” مع القيادة الإيرانية وحزب لله، في محاولة لإقناعهما بعدم الرد أو الاتفاق على شكله، إلا أن الجواب كان واضحاً بإعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمسكها بالرد لتلقين الكيان درساً لن ينساه، وإقدام حزب الله على نشر فيديو “عماد4” بعد زيارة المبعوث الأمريكي “عاموس هوكشتاين” لبيروت، في دلالة على جهوزية حزب الله وعدم قدرة أحد بما فيها واشنطن على ردعه.

القناع الذي سعت واشنطن من خلاله إلى تقديم نفسها بأنها ساعية للوساطة السياسية وروجت لنفسها بأنها تؤدي دوراً محايداً لوقف مستوى التصعيد في المنطقة، هو مجرد قناع للمناورة والمراوغة، وقد سقط منذ زيارة أول مسؤول أمريكي “أنتوني بلينكن” للكيان بعد عملية طوفان الأقصى وفتحها جسر الدعم العسكري للكيان لارتكاب المجازر وإنشائها التحالفات بما في ذلك “تحالف الازدهار” وتبنيها الرواية الصهيونية ومنحها الكيان الغطاء السياسي في المنظمات الدولية وتلويحها باستخدام العقوبات على محكمة الجنايات الدولية في حال إصدارها مذكرات اعتقال بحق مسؤولي الكيان….إلخ، إلا أن هذه المراوغة والمناورة، لم تحقق لواشنطن مرادها في ظل الحقائق الآتية:

أولاً- على المستوى الفلسطيني، ترسخت القناعة لدى الفلسطينيين عموماً ولدى المقاومة بشكل خاص، أن الحقوق لا تسترد بالوعود الكاذبة أو اتفاقات ما يسمى “السلام” الأقرب للاستسلام، بل بالعمل المقاوم، ولعل ما نفذته المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، لم يكن صفعة لقوات الاحتلال فحسب، بل أيضاً لواشنطن التي تغدق كل إمكاناتها العسكرية والأمنية والتجسسية والاستخباراتية لصالح هذا الكيان، وهذه المقاومة ذاتها التي صمدت على مدى الأشهر السابقة وما زالت توقع الخسائر العسكرية في العدة والعتاد لقوات الاحتلال، أجبرت الولايات المتحدة على الاعتراف بها من خلال دعواتها المتكررة للجلوس على طاولة التفاوض، ولا سيما بعدما كشفت هذه المقاومة زيف المناورات الأمريكية ومضامينها بما في ذلك الهدف من إنشاء “الرصيف العائم”.

ثانياً- على مستوى الصراع مع جبهة المقاومة، لم تنجح الدبلوماسية الأمريكية سواء في استعراض عضلاتها العسكرية، أو بالمراوغة الدبلوماسية في إيقاف جبهات الإسناد لغزة، بل على العكس، كان عمل هذه الجبهات، يشهد تطوراً بالتزامن مع الإمعان الأمريكي في دعم ممارسات الكيان العنصرية، فعلى سبيل المثال، تطور أداء العمل المقاوم لحزب الله في شمال فلسطين المحتلة من استهداف المواقع التجسسية والرادارات إلى تهديد مستوطنات الشمال بأكملها مع التدرج في استخدام الأسلحة المناسبة بكل مرحلة، الأمر الذي بات يهدد أمن الكيان بأكمله، رغم الزيارات الخمس لـ”هوكشتاين” واتباع سياسة التهديد والوعيد تجاه لبنان والمقاومة على حد سواء، وكذلك اليمن الذي تمكنت مقاومته من الانتقال بمراحل الصراع على جبهتها من استهداف السفن “الإسرائيلية”، إلى استهداف عمق “تل أبيب” بالطائرات المسيرة رغم إنشاء واشنطن لتحالف “الازدهار” لردع المقاومة اليمنية، وكذلك الأمر بالنسبة للمقاومة العراقية التي استمرت باستهداف قواعد الاحتلال الأمريكي في سورية والعراق، بالتزامن مع استهداف المواقع الحيوية داخل الكيان وفي مقدمتها “إيلات”.

الأمر الذي يدفعنا للتساؤل، لماذا تصر واشنطن على دعم هذا الكيان رغم عدم قدرتها على تحقيق أي من أهدافه؟ هذا الأمر يمكن إرجاعه لعدة عوامل أبرزها:

أولاً- دور اللوبي الصهيوني الفاعل والمؤثر داخل الولايات المتحدة سواء كان هذا الدور في صنع السياسات الداخلية والخارجية كجماعة ضغط تمتلك وسائل لفرض مراعاة مصالحها ضمن هذه السياسات، أو من حيث دور اللوبي في التدخل بالتعيينات الإدارية في معظم مفاصل المؤسسات المهمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية مثل تعيينات كبار الموظفين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونغرس …إلخ، إضافة لدور هذا اللوبي في دعم الحملة الانتخابية لأي من مرشحي الحزبين “الديمقراطي أو الجمهوري” من حيث المساهمة في تمويل الحملة أو توظيف إمكاناتها لخدمة المرشح أو الترويج له، لذلك يأخذ في عين الاعتبار بشكل دائم من قبل الإدارات الأمريكية دور هذا اللوبي.

ثانياً- الدور الوظيفي للكيان “الإسرائيلي” في المنطقة ضمن إستراتيجية الولايات المتحدة الساعية لتعزيز دورها ومكانتها في هذه الرقعة الجغرافية الأكثر أهمية لها من الناحية “الجيوبولتيكية”، لأسباب تتعلق بأهمية المنطقة جغرافياً كونها تشكل قلب العالم وعقدة المواصلات، أو كونها تعد من أغنى مناطق العالم في إنتاج مصادر الطاقة، لذلك فإن الإستراتيجيات الأمريكية منذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي كانت تحرص بشكل كبير على التركيز في محددات سياستها الخارجية على الربط بين الحفاظ على أمن الكيان وتعزيز وجودها في المنطقة، كما شكلت “إسرائيل” حجر زاوية رئيسياً في المشاريع الأمريكية الكبرى بالمنطقة، والتي كان آخرها ما عرف بمشروع “بايدن”، أو ما عرف بمشروع الطريق “الهندي- الأوروبي” في محاولة أمريكية لفرض الكيان على دول المنطقة أو لضمان تنفيذ هذه المشاريع بما يتواءم مع المصالح الأمريكية- “الإسرائيلية” على حدٍ سواء، كما أن ترك كيان الاحتلال وحيدًا في المنطقة دون مقومات أمنه بل ومنحه عناصر تفوق، هذا يهدد المصالح الأمريكية ونفوذها في المنطقة، لذلك تحرص الإدارات الأمريكية في فترتي الحرب “حرب تشرين على سبيل المثال” وفي فترة المفاوضات “كامب ديفيد- مؤتمر مدريد” على تقديم ضمانات خطية كما التي قدمها وزير الخارجية السابق هنري كسنجر لحكومة بيغن قبل بدء محادثات “كامب ديفيد” والتي تتضمن التعهد الأمريكي باستخدام كل الإمكانات الممكنة لتحقيق المصالح “الإسرائيلية”.

ثالثاً- رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على علاقتها الإيجابية بمؤسسات الصهيونية العالمية والمنتشرة في العديد من دول العالم سواء للتأثير في سياسات الدول المناوئة لواشنطن أو لتحقيق منافع اقتصادية، كون هذه المؤسسات ذات تأثير كبير في الشركات متعددة الجنسيات أو العابرة للقارات، يمكن أن تساعد أي إدارة أمريكية في تعزيز تموضعها في السياسة الدولية.

في المحصلة، فشل توظيف واشنطن للدبلوماسية الناعمة والصلبة في دعم أمن الكيان، أو وقف جبهات المساندة لغزة.. فالطريق الوحيد والذي لا يوجد سواه لإيقاف تلك الجبهات – وفق ما حدده محور المقاومة – والذي يجب أن تسلكه واشنطن هو الضغط على حكومة نتنياهو لإيقاف حرب الإبادة على غزة.

 

العهد الاخباري: محمد نادر العمري

 

 

قد يعجبك ايضا