مهما ارتقيت في سلم الكمال لا بد أن تستشعر بأنك ما تزال قاصراً أمام الله
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
فأنت تنـزه الله في كل حالاتك، وأنت تحمده في كل حالاتك، تثني عليه في كل حالاتك, في حالة القيام, في حالة الركوع، في حالة السجود، فيما قد توحي به هذه الحالات الثلاث داخل الصلاة من حالات في واقع حياتك تمر بها أنت.
أليس الإنسان يمر في حياته بأحوال فيرى نفسه مرتاحاً، بخير، متوفر له حاجياته، لا يوجد عنده مشكلة، قد يحصل له مواقف تركِّعه، قد تحصل له مواقف أكبر أو مشاكل، هل الإنسان يبقى منتصباً في حياته دائماً؟ يمر بمشاكل. العرب كانوا يمثلون للمصائب الكبيرة بالدواهي، أو بقاصمة الظهر، أو يقولون: تثقل الكاهل. بعبارات من هذه تصوير للإنسان, وكأنه فيما إذا وقعت عليه مشكلة, أو مصيبة أو عانى معاناة من مرض في بدنه, أو مرض بأحد من أصدقائه، أو أفراد أسرته.. يتبادر إلى الذهن وكأنه شيء يثقل كاهله وسيحنيه.
أنت في كل حالاتك كن مسبحاً لله، كن واثقاً بالله، وفي كل الحالات يكون همك هو رضى الله، متى ما عرفت أن المعاناة التي أنت فيها هي في سبيله، المعاناة التي أنت فيها ليست خنوعاً لأعدائه، ليست ذلاً تحت وطأة أعدائه تحمَّل واصبر.. وهذا هو المطلوب من المؤمن أن يتجلد, أن يكون لديه حالة من الجلد، التجلد والتصبر.
هذا النوع من المؤمنين هو الذي يستطيع أن يقف المواقف المهمة في سبيل إعلاء كلمة الله، أما الذي يسقط من أول شدة يتعرض لها، سواء تحصل له شدائد في نفسه… بعض الناس قد يرى نفسه متى ما توجه توجهاً إيمانياً ثم مرض أحد من أقاربه, ثم حصل بَرَد على أمواله، ثم حصل كذا.. وهو يتجه هذا الإتجاه.. فيحاول أن يتخذ قراراً آخر بأنه يبطِّل، فيدعو الله فلا يرى أنها استجيبت دعوته، يرجع ينفر في الله: [كم ادّعينا وما جوَّب، ما هو نافع إلا يقم واحد هو يدوِّر, يتحرك هو].
هذه كلها تدل على جهل شديد، جهل شديد بالله سبحانه وتعالى، جهل بالحياة، جهل بقصورنا أننا قاصرون, أننا ناقصون.
أنت تعيش في حالة تمنن على الله سبحانه وتعالى عندما ترى بأنك – الحمد لله – أصبحت تتجه باتجاه الفئة الفلانية، أو نحن – الحمد لله – أصبحنا الآن اتجاهنا متدينين – كما يقال – ثم قد أنت منتظر من بعد.. ولا عاد ولا أي شيء يمَسَّك, قد أنت منتظر إنك ما عاد تلقى أي مصيبة. [ها ما عاد نشتي يحصل أي حاجة]!.
قد تأتي أشياء أخرى هي بما كسبت يدك، أو أشياء أخرى هي بما كسبت أيدي الآخرين من المجرمين, ثم تغضب على الله؛ لأنك لم تعرف بأنك لا تزال قاصراً وناقصاً أنت.
نحن قلنا في محاضرة يوم الخميس حول قول الله تعالى لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الإنسان الكامل, رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الكامل في إيمانه، في تقواه، في طهارة نفسه، في حرصه على هداية عباد الله. عندما يقول الله سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(محمد: من الآية19) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}(الفتح: من الآية2).
فأنا عندما أرى نفسي بأنني أصبحت لا ذنب لي، ماذا يعني هذا؟ أصبحت وكأنه ليس هناك أي ذنب لدي إطلاقاً، ما عاد باقي إلا أن أنتظر، قد القضية عليك أنت يا ألله اما الآن.. أنا… قالوا كما قال الرئيس عندما اجتمع بالعلماء قال: نحن الأمراء أصلحنا نفوسنا, الباقي أنتم تصلحوا نفوسكم، أنتم تقولون أنه فئتان من الناس إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء, أو السلاطين والعلماء. نحن صلحنا إذاً أنتم اصلحوا.
هكذا قد تكون أنت مع الله تقول: [إحنا خلاص استقمنا! إحنا ما عاد بعدنا] باقي أن تفي أنت بما وعدت به، باقي أنت يا الله تنـزل البركات، وتعطينا كل شيء بسرعة!.
هل أنت ارتقيت إلى درجة محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أم أنك قد أصبحت تجعل لنفسك مقاماً هو أعلى من مقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقول الله له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} أين هي الذنوب التي قد نتصورها نحن بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لكن مهما ارتقيت، مهما ارتقيت في سلم الكمال لا بد أن تستشعر بأنك ما تزال قاصراً وناقصاً ومقصراً أمام الله سبحانه وتعالى، ما تزال ناقصاً, ما تزال مقصراً، لا تستطيع أن تحيط علماً بكل الدائرة من حولك أنها قد أصبحت كلها طاهرة بنسبة مائة في المائة في كل تصرفاتك، كل أفعالك، كل أقوالك، كل آرائك، كل نظراتك، كل مواقفك، ثم تقول بعد: [ما عاد بعدنا] فإذا لم تر الأشياء تتحقق على ما تريد تسخط على الله سبحانه وتعالى! هذه جهالة.
الإنسان المؤمن يجب أن يكون دائماً مستشعراً للتقصير أمام الله، الله وصف المتقين بأنهم كما قال عنهم: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران: من الآية17) مستغفرين دائماً حتى في تلك الأوقات التي عادة ينهض فيها العبّاد المنقطعون في العبادة. هم عندما ينهضون في الثلث الأخير من الليل، وفي السحر قبيل الفجر هم لا ينظرون إلى أنفسهم بأنهم قد أصبحوا [ما شاء الله]، ولا عاد بقي لديهم أي تقصير، وأنه ما بقي لديهم أي ذنب، يستغفرون الله دائماً {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ},{وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معنى التسبيح
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 9/2/2002م
اليمن – صعدة