الأكاديميون وقضايا الوطن
موقع أنصار الله ||مقالات || د. أحمد صالح النهمي
الأكاديميون ــ في كل المجتمعات ـــ هم قادة الرأي، وحملة مشاعل التنوير، ورواد التغيير، وهم من يستطيعون بما يمتلكون من ثقافة عالية، واطلاع بمجريات الأحداث، تقديم القراءة الواعية لحقيقة المتغيرات التي يشهدها الوطن، وما تطرأ عليه من أزمات، ويمتلكون مفاتيح الحلول المناسبة التي تراعي مصلحة المجتمع وفئاته المختلفة، وتجنب الوطن الوقوع في المهالك، وفي بعض المجتمعات دورهم لا يقتصر على ذلك، بل يتعداه إلى النضال السلمي وحشد القوى السياسية والمنظمات المدنية لتبني رؤاهم وتأييدها، وفرضها على مؤسسات السلطة، فما هو دور الأكاديميين في الأزمات التي عاشها مجتمعنا اليمني خلال العقود الأخيرة، أو العقد الأخير وحتى اليوم ؟ .
في عام 2007 تقريبا قرأت مقابلة صحفية للدكتور محمد عبد الملك المتوكل رحمه الله عن تحدث فيها عن سلبية أساتذة الجامعة من قضايا الوطن، وذكر أن الأكاديميين لا ترتفع أصواتهم إلا إذا كان الأمر يتعلق ببطونهم فحسب، فيما تخفت أصواتهم، وتكاد تتلاشى إلا من أصوات فردية هنا أو هناك تجاه قضايا الوطن، فالأغلبية الساحقة منهم مجرد تابعين لمواقف أحزابهم السياسية، ولسان حالهم هو نفسه لسان حال ذلك الشاعر القديم الذي قال:
هل أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد
في ثورة 2011م سعت بعض الأطراف السياسية الثورية إلى فرض إيقاف الدراسة في جامعة صنعاء، وكان الدكتور المتوكل وهو على رأس قوى المشترك كسر الإجماع الثوري، وذهب للتدريس في الأماكن التي حددتها إدارة الجامعة المعينة من سلطة المؤتمر الشعبي العام، وقال أين ما وجد الطالب سأذهب لتدريسه، فيما تابع أغلب الأكاديميين أحزابهم وتوقفوا عن التدريس، وخسر الطلاب فصولا دراسية، وما زالت بعض الكليات وتحديدا كليات الطب تعاني حتى اليوم من عدم انتظام المقررات للدفع الدراسية .
في الاضطرابات السياسية والصراعات الحزبية التي شهدها الوطن مؤخرا، وحتى مرحلة العدوان السعودي الإجرامي على الوطن لم نشهد حراكا أكاديميا نقابيا يتبنى أي موقف وطني، ولم نر أنشطة ملفتة باستثناء بعض الفعاليات المتقطعة التي أقيمت في العاصمة صنعاء تحت شعار (أكاديميون ضد العدوان)، والتي تشعر أنها بدفع سياسي أكثر منه أكاديمي، فيما كان أغلب الأكاديميين تابعين لمواقف أحزابهم المؤيدة للعدوان، أو محايدين ملتزمين دائرة الصمت، وحين وصل الأمر في الأشهر الأخيرة إلى إيقاف المرتبات وتعلق الأمر بالبطون حينئذ تنادى الصوت النقابي الأكاديمي مناديا بالإضراب عن التدريس، وإيقاف امتحانات الفصل الأول .
لا شك أن الأكاديميين كغيرهم من الموظفين وسائر فئات الشعب متضررون من توقف المرتبات، وإذا كان بعض الأكاديميين جاءت دعواتهم للإضراب انسجاما مع مواقف أحزابهم المؤيدة للعدوان مع أن فيهم أطباء ومهندسون، وأصحاب جامعات خاصة، وغير ذلك ممن قد يتجاوز دخلهم اليومي من أعمالهم الخاصة مرتبهم الشهري، فإن بعض الأكاديميين ممن يعتمدون بشكل كلي على مرتباتهم يقفون عاجزين عن تلبية الحاجات الأساسية لبيوتهم فيتضررون من إيقاف مرتباتهم لشهر واحد فضلا عن أكثر من ثلاثة شهور، ولا علاقة لإضرابهم بأي موقف سياسي .
لا شك أن المستفيد الأساسي من أي دعوة للإضراب في الجامعات هو العدوان وأدواته، وأن الخاسر الأساسي هو الطالب اليمني والوطن، ولا شك أن الوضع المعيشي للأكاديميين وغير الأكاديميين لا يحتمل تأخير صرف الرواتب أكثر من هذا، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الأسباب المباشرة التي خلقت الأزمة النقدية وتسعى إلى مفاقمتها؟وما مدى قدرة حكومة الدكتور عبد العزيز بن حبتور على دفع مرتبات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وسائر الموظفين المتأخرة لديها؟ وهل فعلا هي قادرة على الدفع وتماطل، وبالتالي تحتاج إلى إجراءات نقابية كالإضراب تجبرها على دفع المرتبات، ؟ ثم هل ثمة فساد أو تقصير منها يحول دون تجاوز الأزمة؟
يفترض أن من يجيب على هذه الأسئلة بكل أمانة ومسئولية هم الأكاديميون من أساتذة السياسة وعلماء الإدارة والاقتصاد، ليترتب على ذلك اتخاذ الموقف الأكاديمي الصحيح كشركاء في الوطن، لا مجرد أجراء يبحثون عن راتب وإلا توقفوا عن العمل.