نصف مليون عملية جراحية معلّقة: مصابو غزة “شهداء مع وقف التنفيذ”
|| صحافة ||
انتهى الحال بالشاب يوسف صبيح (32 عاماً)، على كرسيٍّ متحرّك، غير قادر على تحريك ساقَيه، بعد إصابته بنيران الاحتلال الإسرائيلي في رفح، خلال نزوحه من حيّ تل السلطان غرب المدينة في اتجاه مواصي خانيونس، جنوب قطاع غزة. ويقول صبيح، وهو أب لثلاثة أطفال، في حديث إلى “الأخبار”، إن طائرة “كواد كابتر” أَطلقت عليه النار، ما أدى إلى إصابته في الحبل الشوكي، “وأجرى الأطباء عملية جراحية عاجلة لي من أجل إنقاذ حياتي، لكنّي خرجت منها على كرسي متحرّك”. ويوضح أن الأطباء “أخبروني أن الشلل ليس نهاية المطاف، وأنه يمكنني التعافي، ولكنني بحاجة إلى إجراء ثلاث عمليات جراحية لا تستطيع المستشفيات إجراءها في الوقت الراهن بسبب عدم توفر جهاز الرنين المغناطيسي، والإمكانات اللازمة لإجراء هذه العمليات الخطيرة”. ومنذ إصابته، أصبح صبيح غير قادر على مزاولة أيّ أعمال أو تحقيق أيّ دخل مالي لأسرته التي نزحت أساساً من بلدة بيت حانون، شمال قطاع غزة.
وبلهجة ممزوجة بالقهر، يضيف الشاب: “أرى أطفالي جوعى، ولا أستطيع أن أحرّك ساكناً، وأحياناً يجود علينا أهل الخير ببعض الطعام”.ويحتاج جرحى الحرب الدموية الإسرائيلية إلى نصف مليون عملية جراحية لا يمكن إجراؤها في ظلّ انهيار المنظومة الصحية في القطاع، وفقاً للوكيل المساعد في وزارة الصحة في غزة، عبد اللطيف الحاج، الذي يوضح، في حديث إلى “الأخبار”، أنه “يوجد ما يزيد على 94 ألف مصاب، يحتاج كل واحد منهم من 3 إلى 4 عمليات جراحية”. ومن بين هؤلاء، أميرة أبو شنب (46 عاماً) التي نزحت من مدينة غزة إلى مخيم دير البلح وسط القطاع، حيث أصيبت في قصف إسرائيلي استهدف منزلاً مجاوراً لخيمتها، ما أدى إلى إصابتها بالشظايا في البطن والأمعاء والكبد.
وتقول أبو شنب، لـ”الأخبار”: “خضعت بعد تعرّضي للقصف لعملية جراحية قام الأطباء خلالها باستئصال جزء من الكبد والأمعاء، ولكنني لا أزال بحاجة إلى عدة عمليات أخرى لإزالة بعض الشظايا التي لا تزال عالقة في أجزاء عديدة من جسدي”، لافتةً إلى أن الأطباء أخبروها أنه لا يمكن إجراء هذه العمليات في الوقت الراهن لعدم توفّر أجهزة تصوير طبية للتعرّف على أماكن وجود الشظايا، وأنها ستضطرّ إلى الانتظار إلى ما بعد الحرب لإجراء هذه العمليات. وتشير أبو شنب إلى أنها كانت تستعدّ للسفر إلى الخارج من أجل إجراء العمليات الجراحية، إلا أن سيطرة جيش الاحتلال على معبر رفح البري وتدميره “شكّلا بالنسبة إليّ، كما لآلاف الجرحى، حكماً جماعيّاً بالإعدام”، علماً أن القوات الإسرائيلية احتلّت معبر رفح في السادس من أيار الماضي، وأغلقته أمام سفر الحالات الإنسانية، وقامت بتدميره في وقت لاحق. ومنذ ذلك الحين، توفّي أكثر من ألف طفل ومريض وجريح بسبب عدم تمكُّنهم من السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، بحسب بيان صادر عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة. وتشير معطيات وزارة الصحة إلى وجود أكثر من 12 ألف مصاب حرب يحتاجون إلى تحويل خارجي عاجل لإنقاذ الحياة.
الأيدي الطبية العاملة تعاني عجزاً كبيراً في الموارد البشرية بعد استشهاد 880 كادراً صحياً
وفي هذا الإطار، يلفت الحاج إلى أن تعمّد إسرائيل تدمير المنظومة الصحية في القطاع، وإغلاق معبر رفح البري أمام سفر الجرحى للعلاج في الخارج، يبقي هؤلاء “شهداء مع وقف التنفيذ”، مبيّناً أنه من أجل إجراء هذه العمليات للمصابين، “تحتاج غزة إلى مستشفيات ميدانية، وترميم مستشفيات القطاع المدمّرة، وإدخال فرق جراحية كاملة من دول العالم، فضلاً عن إدخال أجهزة طبية وأدوية ومستلزمات صحية بشكل عاجل”.
ويوضح أن مستشفيات القطاع تعاني من عدم وجود أو من نقص حادّ في أجهزة التصوير بالأشعة، وأجهزة الرنين المغناطيسي التي لا تتوفّر بالمطلق، إلى جانب مختبرات طبية وأجهزة تصوير مقطعي ومولدات كهربائية حديثة، مشيراً إلى أن مستشفيات القطاع فقدت ما نسبته 70% من أسرّتها، بسبب تعرّضها للقصف والتدمير على أيدي قوات الاحتلال.
أيضاً، تعاني المستشفيات راهناً، وفق الحاج، من نقص في الأدوية يصل إلى 50%، وفي المواد المخبرية بنسبة 60%. أما على مستوى الكادر الصحي، فيقول الوكيل المساعد في وزارة الصحة إن الأيدي الطبية العاملة تعاني عجزاً كبيراً في الموارد البشرية بعد استشهاد 880 كادراً صحياً، فضلاً عن هجرة عشرات الأطباء من القطاع عبر معبر رفح قبيل إغلاقه هرباً من الموت والاستهداف الإسرائيلي، معتبراً أن خسارة هذه الكوادر الطبية “لا يمكن تعويضها، وستكون لذلك تداعيات خطيرة ستطفو على السطح بعد وقف إطلاق النار”.
الاخبار اللبنانية: عبدالله يونس