أطفال غزة.. عمق المعاناة وفداحة التجاهل الأممي

|| تقرير || 

 

على مدار الساعة، وغزة تتلقى قصفًا مكثفًا يؤدي إلى تدمير كل ما فيها من المنازل والمستشفيات ويقضي على كامل البني التحتية التعليمية والصحية والمرافق الحكومية والمياه والطرقات، ناهيك ما يحدث من شهداء وإصابات بالمئات بل بالآلاف من الأطفال والنساء وبمعدل يومي. لم يقتصر الكيان الصهيوني في قصفه على أهداف معينة وإنما ينتهك كل حرمات الحياة المدنية فيشمل المناطق المكتظة بالسكان، ويستهدف الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ.

تكمن القضية في أن “ما نراه من حرب إبادة في قطاع غزة هو شاهد على جرائم العدو وممارسته إرهابًا منظمًا، دون اكتراث بحماية الأطفال والنساء، حيث لا تمرّ ساعة واحدة إلا ونرى أطفالًا قد ارتقوا شهداء، هم وأهاليهم. ومع ذلك يظل الأمر حادث يحدث، على مرأى ومسمع من أعين العالم، على الرغم من كثرة ما نسمعه ونقرأ من استنكارات وإدانات على ألسنة وأقلام قادة ومراقبين ومحللين، بل وقرارات أممية كلها تدين ما تمارسه آلة الدمار الصهيونية من فداحة في غزة، والتي تزداد وحشية عندما تستهدف الأطفال والنساء والشيوخ بشكل متعمد، بل ويشكل انتهاكًا صارخًا لكل ما نسمع عنه من مواثيق الأمم والقوانين الدولية عن حقوق الإنسان.

 

عمق المعاناة

وفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، فإن الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ سنوات أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل كبير، حيث يعاني السكان من نقص حاد في المياه، والكهرباء، والوقود، والغذاء، مما يهدد حياة المدنيين بشكل مباشر.

“هيومن رايتس ووتش” أشارت، في تقارير عدة عما يحدث في غزة. الأطفال في غزة يموتون بسبب مضاعفات مرتبطة بالتجويع التي ينتهجها العدو الإسرائيلي. روى الأطباء والعائلات في غزة أن الأطفال، وكذلك الأمهات الحوامل والمرضعات، يعانون من سوء التغذية الحاد والجفاف، وأن المستشفيات غير مجهزة لعلاجهم.

لا يتوقف سيل تقارير العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية المستنكرة استخدام العدو الإسرائيلي للتجويع كوسيلة حرب، والمنددة بما يتعرض له الأطفال من سوء التغذية والجفاف بسبب نقص الإمدادات الأساسية.

الأطباء في غزة يواجهون صعوبات كبيرة في تقديم الرعاية الصحية اللازمة بسبب الاكتظاظ ونقص الموارد الطبية، كما تشير التقارير إلى أن الأطفال في غزة باتوا يعانون من آثار نفسية شديدة نتيجة الهجمات المتكررة، حيث يتعرض الأطفال للعديد من الاضطرابات النفسية نتيجة لفرط ما يشاهدون من مظاهر العنف والدمار وبشكل مستمر، ناهيك عن الخوف المستمر من القصف وفقدان الأمان يؤدي إلى حالات من القلق والاكتئاب بين الأطفال، وتعتبر حالات التبول اللاإرادي من أكثر الحالات الشائعة بين الأطفال الذين يعانون من صدمات نفسية نتيجة الحروب.

استشهاد 2100 رضيع فلسطيني

وفي السياق، اوضح تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن إحصاءاته تُظهر قتل قوات العدو لـ 2100 رضيع فلسطيني ممن تقل أعمارهم عن عامين، ضمن نحو 17 ألف طفل قتلتهم في قطاع غزة منذ بداية جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر الماضي.

وذكر أن عدد الأطفال الفلسطينيين، سواء الأطفال الرُضع أو الأطفال عمومًا، الذين قتلهم جيش العدو مُفزع وغير مسبوق في التاريخ الحديث للحروب، ويعبر عن نمط خطير قائم على نزع الإنسانية عن الفلسطينيين في قطاع غزة، باستهدافه الأطفال على نحو متعمد ومنهجي وواسع النطاق ودون توقف، منذ أكثر من عشرة أشهر، وبأكثر الطرق وحشية وأشدها فظاعة.

وأكد المرصد الأورومتوسطي أن العديد من الأطفال تقطعت رؤوسهم وأعضاء أجسادهم بفعل القصف شديد التدمير على تجمعات المدنيين، وبخاصة المنازل والمباني والأحياء السكنية ومراكز الإيواء وخيام النازحين قسرًا، ما يشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد التمييز والتناسب والضرورة العسكرية، واتخاذ الاحتياطات اللازمة.

وذكر الأورومتوسطي أن فريقه الميداني وثق يوم الثلاثاء 13 أغسطس 2024، مقتل الرضيعين، آسر وأسيل محمد أبو القمصان، وهما توأمان لم يتجاوز عمرهما أربعة أيام، حيث استشهدا مع والدتهما “جمان” وجدتهما في قصف الاحتلال الذي استهدف شقة سكنية في دير البلح وسط قطاع غزة. وأشار إلى أن والد الطفلين كان خرج لاستخراج شهادة ميلاد لطفليه حديثي الولادة، وعاد إلى الشقة ليجدها مدمرة، وقد قُتل جميع أفراد أسرته.

وأبرز الأورومتوسطي أن الجيش “الإسرائيلي” يمتلك تكنولوجيا متطورة، وهو يعلم في كل مرة يستهدف فيها منزلًا أو مركز إيواء مَن داخله مِن المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء، ومع ذلك يقصفها بصواريخ وقنابل ذات قدرة تدميرية كبيرة، متعمدًا بذلك إحداث أكبر قدر ممكن من الخسائر في أرواح المدنيين وإحداث الإصابات الشديدة، بدلالة النمط المتكرر والمنهجي وواسع النطاق للاستهداف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة، والأسلحة شديدة التدمير والعشوائية، وبخاصة ضد المناطق ذات الكثافة السكانية المدنية العالية.

وشدد الأورومتوسطي على أن حالة الرضيعين “آسر” و”أسيل”، هي حالة متكررة، فيوميًّا يُسجَّل ضحايا من الأطفال، وبينهم أطفال رضع.

 

تأثيرات نفسية على الأطفال

وتضيف تقارير منظمات الإغاثة الدولية، أن الأطفال في غزة يعانون من القلق، الاكتئاب، واضطرابات النوم، والتبول اللاإرادي. مؤكدة أن هذه الأعراض النفسية ناتجة عن مشاهد العنف والدمار وفقدان الأحباء، مما يترك آثارًا طويلة الأمد على صحتهم النفسية.

وتتعرض النساء الفلسطينيات، حسب تقارير ذات المنظمات الدولية والمصادر المحلية، للقتل والاستهداف المباشر من قبل العدو الإسرائيلي، بما في ذلك أثناء محاولتهن الفرار من مناطق القصف. تم توثيق حالات قتل نساء وأطفالهن أثناء محاولتهم الهروب من القصف، حتى عندما كانوا يحملون قطعًا من القماش الأبيض كعلامة على الاستسلام.

لم تسلم النساء الفلسطينيات، حسب تلك التقارير، من حالات الاعتقال التعسفي والتعذيب، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والمعاملة المهينة. فقد تم توثيق حالات اغتصاب وتهديد بالاغتصاب، بالإضافة إلى احتجاز النساء في ظروف غير إنسانية مثل الأقفاص تحت المطر والبرد دون طعام أو دواء. كما تعاني النساء من آثار نفسية واجتماعية جسيمة نتيجة لهذه الانتهاكات، بما في ذلك اضطرابات القلق والاكتئاب، وفقدان الشعور بالأمان، والتأثير السلبي على العلاقات الأسرية والاجتماعية.

 

الانتهاكات الجسيمة

وكانت الأمم المتحدة، في أقوى ردة فعل لها على ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من جرائم وحشية في فلسطين، قد أدرجت جيش العدو الإسرائيلي وقواته الأمنية على قائمة أطراف النزاع المسلح التي ترتكب انتهاكات جسيمة ضد الأطفال بعد أن وثقت 5,698 انتهاكًا جسيما ضد الأطفال من قبل قوات العدو الإسرائيلي في 22 ذو الحجة 1445. وكان الهدف من الإدراج في القائمة هو لفت انتباه الحكومات لاتخاذ تدابير تصحيحية، لعل ذلك يؤثر على قرارات الدول الأخرى بشأن مد العدو الإسرائيلي بالأسلحة والتعاملات التجارية والامدادات وما إلى ذلك، ولكن ذلك لم يحدث، فقد ظلت الولايات المتحدة الامريكية وعدد من الدول الأوروبية تمد الكيان الصهيوني بعدد من صفقات الأسلحة وعلى أرقى مستوى من التقنية والحداثة.

وما زاد الأمر، سوء في الفداحة والنظرة اللاإنسانية إلى ما يحدث لأطفال غزة، أن عدد من دول التطبيع العربية والاسلامية مدت الكيان الإسرائيلي بـ 442 صنفا من أصناف المنتجات من المواد الغذائية في تبادل تجاري علني، ولا تزال هي الأخرى مستمرة في تعاملاتها بلا أي اعتبار لما تراه من الجرائم الإسرائيلية في حق أطفال غزة.

 

جرائم بلا هوادة

رغم ذلك، ومنذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، قتل العدو الإسرائيلي وأصاب أكثر من 120 ألف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، فيما خلفت عملياته العسكرية على القطاع قرابة 10 آلاف مفقود، ودمار هائل، ومجاعة أودت بحياة عشرات الأشخاص.

ويواصل العدو الإسرائيلي حربه الوحشية ضد البشر والحجر والشجر في غزة متجاهلا قرارات مجلس الأمن التي تطالبه بوقف القتال فورا، وأوامر من محكمة العدل بوقف هجومه على رفح، واتخاذ تدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، و”تحسين الوضع الإنساني” بغزة.

الأعمال العدوانية التي يمارسها كيان العدو الصهيوني في غزة، تتنافى مع كل معايير الحماية التي أقرتها اتفاقية جنيف الرابعة للأطفال والنساء، واتفاقية روما التي تعتبر استهداف الأطفال جرائم حرب.

 

السياسة مستمرة

في مقالة بعنوان: لماذا يستهدف الاحتلال الأطفال والنساء في إبادة غزة؟  يجيب كتب ظاهر صالح في مقالة نشرها في مدونته على منصة x قال فيه: ليس جديدًا على العدو استهدافُ الأطفال والنساء الفلسطينيين، سواء بالقتل أو الاعتقال، وليس ذلك مستغربًا في فكر الاحتلال الذي يرتكب جرائم حرب إبادة وضد الإنسانية تجاه الشعب الفلسطيني، حيث وضعت قوات الاحتلال الصهيوني، منذ النكبة في عام 1948، استراتيجيات اقتلاعيه واحتلالية واضحة تجاه من بقي في فلسطين التاريخيّة.

هذه السياسة مستمرة إلى اليوم، وهذا الفكر قائم على الإبادة والتطهير العرقي، وهذا ما يحدث الآن في العدوان على قطاع غزة؛ فجنود العدو يواصلون قتل الأطفال والنساء والشيوخ، ولا تضبط سلوكَهم قواعد أخلاقية ولا قيم إنسانية.

وبالنظر إلى سجل جرائم العدو على مرّ أيام وجوده الطارئ، نجد أن هذا الكيان ليس له علاقة بالإنسانية، ومن خلفه فتاوى متطرفين، تُبيح سفك دماء الأطفال والنساء خوفًا منهم، ومن سيرهم على نهج آبائهم في الدفاع عن الأرض والحق الفلسطيني، وبالتالي يرون ضرورة القضاء على النسل الفلسطيني، والجيل الجديد من المقاومة الفلسطينية.

لطالما شكل أطفال ونساء فلسطين وقطاع غزة هدفًا واضحًا وصريحًا لجيش العدو الاسرائيلي، ونجد أن السنوات التي يشن فيها الاحتلال عدوانه على قطاع غزة تتضاعف فيها أعداد الشهداء من الأطفال والنساء، مقارنة مع غيرها من السنوات، وهذا يدلّل على حجم الإجرام الذي تستخدمه آلة الحرب في عدوانها، وأُضيف لها بُعد جديد بعد عملية “طوفان الأقصى” عندما ركّز الاحتلال على استهداف المنازل الآمنة.

وأغلب المنازل فيها أطفال ونساء، وهو يقصفها بالصواريخ والقنابل، لإحداث أكبر ضرر بهم ودفعهم للتهجير، لأن العامل الديمغرافي مؤثر جدًا في الوجود على الأرض الفلسطينية، والعدو يريد أن يكون تعداده أكثر من الفلسطينيين؛ لأن كثرة السكان الفلسطينيين ستشكل خطرًا حقيقيًا على وجوده، إضافة إلى أن العدو الإسرائيلي يقصف بعشوائية، ويريد بذلك إرهاب الشعب الفلسطيني، ولا يريد أن يخرج جيل جديد من المقاومين”.

 

سيبقى عزيزا

ما يراه العالم من حرب إبادة في قطاع غزة شاهد على جرائم العدو دون اكتراث بحماية الأطفال والنساء، أمر يجعل من قائمة جرائم العدو الصهيوني في قطاع غزة والضفة الغربية كثيفة، ولها أبعادا جديدة فيما بعد السابع من شهر أكتوبر الماضي.

و تبقى الحقيقة التي يجب أن يعلمها العدو الإسرائيلي ومعه دول العالم المتواطئة، أن “شعب فلسطين سيبقى عزيزًا متجذرًا بأرضه وأرض آبائه وأجداده، وأن فلسطين مباركة وولّادة، وسيكون لأطفال فلسطين ونسائها كلمة السر في النصر والتحرير والعودة”.

 

 

قد يعجبك ايضا