عمليات الإسناد اليمنية: مهمة استراتيجية بأبعاد حضارية
||تقرير || يحيى الشامي
على نحوٍ مفاجئ دخل اليمنُ على خط المواجهة، برز من خارج مصفوفة التوقعات الغربية كقيمة مضافةٍ على إلى قيم محور القدس القائمة على الردع والرد والانتصار وفق استراتيجية تجميع النقاط كما وصفها السيد حسن صر الله في أول خطاب له بعد طوفان الأقصى.
لكن اليمن المتحرّر من كل الضغوط السياسية والمتخففِ من الأعباء والحسابات الاقتصادية يدخلُ المواجهة بمعايير مختلفة على قاعدة الانخراطِ الكلي الكامل و “لاتردُ النار إلا النار”، وهي القاعدة التي أدار بها اليمن عملياتِ إسنادِه لغزة من الأسبوع الأول من الجولة الأولى للمعركة التي أطلق عليها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي عنوان “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدّس” وهو عنوان يحملُ دلالات واسعة تعكس العمق الحضاري والإيماني كضوابط وحيدة لعميات الإسناد اليمني و تحكم إيقاعه المتصاعد على مستوى العمليات البحرية والبرية، ضمن موقف متكامل وشامل “سياسي وعسكري رسمي وشعبي”.
مواجهة غير مسبوقة تاريخياً
تبدو المواجهات البحرية التي يخوضها اليمن مع القوات الأمريكية وتحالفها الدولي ومع الأوروبي وحلفه الغربي تبدو أكبر بكثير مما نتصوره أو مما تتناقله وتتداوله وسائلُ الإعلام، يظهر ذلك عبر سلسلة التصريحات المتتالية التي يُطلقها قادة في البحرية الأمريكية والأوروبية من جنسيات مختلفة، على سبيل المثال لاتزال مفاعيل عمليات استهداف العملاقة “إيزنهاور” جارية حتى اللحظة، فبين فينة وأخرى يطالعنا مسؤولٌ، ضابط أو جندي، في البحرية الأمريكية بتفاصيل جديدة عن المواجهة وتتسم التصريحات غالباً بالدهشة من الإبداع اليمني في إدارة النيران من جانب، وبالرعب الذي خلقه حجم المواجهة الهائل والإصرار اليمني على إلحاق الضرر على الأقل إن لم يكن التدمير الكامل للأصول الأمريكية في البحر الأحمر.
فالضربات التي توجهها القوات المسلحة اليمنية بمختلف تشكيلاتها للسفن الحربية الأمريكية ( بارجات وحاملات ومدمرات وفرقاطات) بقدر ما تحقق إصابات وتحدث تصدعات فورية فإن مفاعيلها الاستراتيجية تتجاوز توقيت المعركة القائمة حالياً، بحدودها الوقتية و الجغرافية، وعلى سبيل المثال عمليات استهداف العملاقة البحرية الحاملة “إيزنهاور”.
في أحدث التصريحات، يقول قائد الأسطول الأمريكي لعميات البحر الأحمر الأدميرال مارك ميغيز إن القدرات العسكرية اليمنية فاجأت البحرية الامريكية وأربكتها، مضيفاً أن ما كشفته القوات المسلحة اليمنية من أسلحة في سياق المواجهة مثّل صدمة كبيرة وغير متوقعة للدوائر العسكرية الأمريكية وأبان أنها لم تكن مستعدّة لهكذا مواجهة سواءً من ناحية الضغط الكبير الذي شكله الزخم الناري الكثيف أو لجهة نوع الأسلحة والتكتيكات التي أتبعها اليمنيون في طريقة إدارة وتوجيه العمليات، وعند سؤاله عن طبيعة التدريبات والاستعدادات المقدمة لهم قبل عمليات الانتشار في البحار رد الأدميرال الأمريكي بأن المواجهة مع اليمنيين قدمت شكلاً جديداً من أشكال الاشتباك عبر الطيران غير المأهول ” المسيّر” وهو مالم يتدرّب عليه جنود البحرية الامريكية ولم يعهدوه في حروبهم السابقة.
يظهر التصريح بالإضافة عشرات التصريحات السابقة حجم الإبداع اليمني إدارة العمليات العسكرية، ويعكس بلا شك خبرة كبيرة يمتلكها اليمني تجلت بعضاً منها في المواجهة البحرية ، لكن المهم الذي يفهم من هذه الاعترافات أن العقل اليمني وهو يقدم إسناده يمتلك قدراً كافياً من الجرأة والشجاعة وهو الشيء الذي اعتادت أمريكا سحقه تحت مكائن بروباغندا دعاياته الإعلامية وحروب تضخيم قوتها وقدراتها العسكرية، لتأتي المواجهة مع اليمن وتكشف وتنسف في بضع جولات هذا الوهم الأمريكي المبني منذ سنوات، والذي أخضع به دولاً وأركع امبراطوريات.
الصحافة الغربية تفضحُ العجز الأمريكي
نورد هنا جُملةً من أهم ما ورد في المواقع والصحف والمعاهد الغربية في شأن العمليات اليمنية، والأهم هنا ما ورد في معهد كاتو الأمريكي حيث ذكر في تقريره:
– أنه من غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من تقليص قدرات “الحوثيين” إلى الحد الذي يجعلهم غير قادرين على مهاجمة السفن العابرة للبحر الأحمر. ويضيف أنه بعد ما يقرب من عشر سنوات من القتال ضد القوات التي تقودها السعودية ــ بدعم من الولايات المتحدة ــ أثبت “الحوثيون” كفاءتهم في أسلوب ” إطلاق النار والهروب ” في القتال، وأسلحتهم رخيصة وسهلة الحركة ومنتشرة في مختلف أنحاء اليمن.
– وتحت عنوان أمريكا تتراجع.. من خطط إعادة الانتشار في المنطقة إلى الانسحاب تحت مخاوف عدة، ذكرت صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية أنه وللمرة الاولى منذ عقود، يخلو المحيطين الهادئ والهندي من حاملات الطائرات الأمريكية، خشية من الرد على عملية اغتيال هنية.
– أما موقع “اكسيوس” الأمريكي الشهير فقد كشف في نفس السياق عن إخلاء واشنطن البحر الأحمر من سفنها أو قطعها العسكرية ونشر الموقع خريطةً لتوزّع القطع البحرية الأمريكية في منطقة غرب آسيا، أظهرت عدم تواجد أيّ سفن أمريكية في الوقت الحالي في البحر الأحمر وسبق وسُحبت “أيزنهاور” وكافة سفنها الحربية منه، خشية الضربات اليمنية التي تلاحق الأصول البحرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية على وقع عمليات إسناد فلسطين.
ويشار إلى أن البنتاغون كان قد أعلن إرسال حاملتي الطائرات (لينكولن) و(روزفلت) إلى المنطقة، إلا أن وسائل إعلام عالمية أكدت ابتعادهما عن البحر الأحمر، خيفة تعرضهما للاستهداف من قبل القوات المسلحة اليمنية في ظل توعد قائد الثورة باستهداف أي حاملة طائرات تصل إلى المنطقة.
– ونقل موقع “بزنس انسايدر” عن متحدث باسم البحرية الأميركية تأكيده أن مجموعة حاملة الطائرات آيزنهاور إلى جانب عدد قليل من السفن الحربية الأخرى أطلقت أسلحة بقيمة 1.16 مليار دولار في قتال القوات اليمنية بالبحر الأحمر بين أكتوبر وحتى منتصف يوليو فقط..
وذكر الموقع أن السفن الحربية والطائرات التابعة للمجموعة الضاربة أطلقت نحو سبعمئة وسبعين 770 قذيفة، ما يسلط الضوء على التكلفة المالية الكبيرة لمهمة واشنطن المستمرة في البحر الأحمر ونقل بزنس انسايدر عن متحدث البحرية الأمريكية تأكيده أن التكلفة السابقة لا تغطي تكاليف نشر حاملة الطائرات روزفلت.
– وكانت صحيفة “ناشونال انترست” الأمريكية في سلسلة من التقارير والمقالات سلطت الضوء على التراجع الحقيقي للبحرية الأميركية، وورد ضمن تعليقاتها أن الضعف الكبير الذي تعاني منه البحرية الأميركية أصبح واضحا.
اليمن في مهمة تتجاوز حدود المعركة
يقول خبيرٌ عسكري مهتم بعمليات الإسناد والمشهد العسكري عموماً: (إن اليمنيين قد لا يُدركون حجم الثورة الهائلة التي يقودونها اليوم بانفراد في وجه القوة الأمريكية، العالم في الشرق والغرب ينظر إلى ما يجري في مسرح العمليات البحرية في كل من الأحمر والهندي والعربي بترقب كبير، الجميع منصت لكل الضربات ومهتمون بأخذ الدروس والاستفادة من كل تفاصيل العمليات الجارية لا سيما الصيني الذي يبدو أكثر المستفيدين وهو اليوم يحدث قاعدة بيناته ومعلوماته وفقاً لما يتحصّل من النتائج ).
وفيما يتعلّق بالتطوير والتحديث الأمر ذاته يقوم به الأمريكي بعناية فائقة، يقول قائد الأسطول الأمريكي لعميات البحر الأحمر الأدميرال مارك ميغيز: إن البحرية الامريكية اضطرت لتطوير أسلحتها تماشيا مع التهديدات التي فرضتها القوات المسلحة اليمنية.
ومعلومٌ أنّه منذ الشهر الأول من المواجهة البحرية خصص البنتاغون موازنة كبيرة (145 مليار دولار للبحث والتطوير)، جزء كبير منها لتطوير أسلحة البحرية الأمريكية، والجزء الأكبر منها في مجال ذخائر الدفاعات الجوية المستخدمة في التصدي للصواريخ اليمنية والمسيّرات، وفي جانبٍ آخر أبدى مسؤولون أمريكيون رغبة كبيرة في الاستفادة من التكتيكات اليمنية المتعلقة في سرعة الاستجابة والتنقلات، وكذا استخدام بعض التطبيقات العسكرية في العمليات الميدانية الأخف والأقل كلفة، يظهر هذا ما يمكن اعتباره مدرسة جديدة في العلم العسكري يضعُ اليوم اليمن مداميكها وأسسها المنهجية من واقع عمليات ميداني تجريبي بحث، قد تكشف عنه الأيام القادمة بقدر أكبر من الوضوح وعلى أيدي خبراء العلم العسكري والمراكز والمعاهد المتخصصة.
رافعة يمنية تعبوية وتوعوية:
غير ذلك على الصعيد السياسي، وهو ما لا يقل أهمية، فاليمن يضع يده القوية على مكامن الضعف للقوة الغربية ويقود من حيث لا يشعر عملية تبصير العالم أنظمةً وشعوباً بحقيقةِ القوة الغربية الغاشمة القائمة على توازنات غير منطقية ولا عادلة وحتى لا تنسجم مع شعاراتها هي ودعاياتها التي بنت عليها امبراطورياتها المسماة الديمقراطية وبها غزت دولا وأسقطت أنظمة، وكثيراً ما تناقضت معها وتصادمت في محطات متعددة حين لا يكون الريع لصالحها أو يمس الأمر مصالحها.
ولعل السيد عبدالملك في خطاباته الأسبوعية المواكبة لمعركة طوفان الأقصى يقود عملية التبصرة هذه من أعلى منبر في المحور من موقع حرصه الشديد لا على القضية الفلسطينية وحسب بل خشيته على جوهر الإنسانية الذي يتعرض اليوم لضربات خطيرة تصيب ضميره في مقتل على يد الصهيونية، والمتأمل لخطابات وكلمات السيد ولقاءاته يجد كماً هائلاً من الوعي والتوعية يقود لعملية إسقاط كاملة للمنظومة الغربية من وعي الأفراد والشعوب والمجتمعات، وذلك عبر تخصيص جزءٍ من حديثه عن التناقضات الغربية والأمريكية منها تحديداً، منطلقاً من وضوح الرؤية القرآنية التي يكرسها المنهج القرآني في نفوس أتباعه، وهنا يعاد التساؤل من جديد عن دور القرآن الفاعل التربوي والتوعوي وعن سبب غياب تأثيره الهائل المفترض وعن علل تخلف الأمة في واقعها لقرون رغم تقدم القرآن في أطروحاته بكل وضوح وجلاء ما يضمنه تصدرها بين الأمم وتقدمها على الحضارات ؟!.