ثورة 21 سبتمبر.. الخلاص من ظلمات الهيمنة الغربية  

إن المتأمل لتاريخ ثورة الـ 21 من سبتمبر، منذ اطلاقها قبل عشر سنوات يلحظ تميزها عن غيرها من الثورات التي سبقتها في اليمن وخارجه، بعمق ارتباطها شعبياً، حيث انبثقت الثورة من وعي الشعب وإدراكه بحتمية التغيير والتحرر من التبعية والوصاية الخارجية التي رزحت بلادنا تحتها لسنوات طوال، حرم أبنائها خلال تلك المرحلة من بناء دولة مستقلة ذات سيادة ينعم الشعب بخيرها ويلوذ بحماها من أي عدوان أو استهداف خارجي.

مؤهلات إيمانية

 

خلال عشر سنوات مضت من عمر ثورة الـ 21 من سبتمبر، اكتملت خلالها متطلبات بدء ثورة حقيقية، من قيادة مؤمنة ربانية ومشروع وفق رؤية ومنهج قرآني، وشعب عظيم يحمل معاني وقيم هويته الإيمانية، وهو ما أثبتته عشر سنوات مضت من عمر الثورة المباركة. وهو ما تجلى في خطاب السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في الذكرى العاشرة للثورة.  أكد من خلالها، أن الثورة جاءت ثمرة لقرار الشعب اليمني وأهداف تحركه لآماله وتطلعاته وتوجهاته، وأن كل ما أُتى في إطار ثورة الـ 21 من سبتمبر من أنشطة ومواقف كانت يمنية أصيلة بدون أي تأثير أو تدخل خارجي.. وأن إنجاز ثورة الـ 21 من سبتمبر ترتب عليها نتائج في غاية الأهمية وستكون آثارها وامتداداتها -إن شاء الله- بما يلبي كل آمال الشعب اليمني.

وقال السيد القائد: أن “10 سنوات حافظ فيها شعبنا العزيز على إنجازه وواجه تحديات ولا يزال يواجهها وحقق إنجازات مهمة رغم حجم التحديات”.. مضيفاً أن “الاتجاه المعادي لثورة الـ 21 من سبتمبر وعلى رأسه الأمريكي والإسرائيلي يعتبر الخاسر الأكبر لأنه خسر سيطرته المباشرة على بلدنا”.. و “أن الأمريكي هو المتضرر الأول من ثورة 21 سبتمبر بالنظر إلى أطماعه الاستكبارية للسيطرة التامة على البلد واستغلال ثرواته، كما أن موقف الإسرائيلي من ثورة 21 سبتمبر في عدائه وقلقه منها إلى درجة أنه اعتبرها أخطر من النووي الإيراني”.

حرية واستقلال

 

خلال الفترة الماضية استطاعت ثورة 21 سبتمبر أن تضع حداً لسنوات من الهيمنة الخارجية والارتهان لمخططات الوصاية الخارجية، ونجحت الثورة في إسقاط نظام كان يعتمد على دعم القوى الإقليمية والدولية، وأعلنت استقلالية القرار اليمني وبسط السيادة الوطنية.

وهو ما كشفت تفاصيله اعترافات شبكة التجسس الأمريكية الإسرائيلية التي ضبتها الأجهزة الأمنية بصنعاء، حيث كشفت الخلية كيف تمكنت التبعية والوصاية الخارجية من بث سمومها عبر جواسيسها في مختلف القطاعات العسكرية والاقتصادية والسياسية والتعليمية والثقافية والسياسية الخارجية والإعلام وتغلغلت في مفاصل الحكم في وحولت اليمن إلى دولة مسلوبة القرار منهوبة الثروات مفصولة عن هويتها وتاريخها الحضاري الإسلامي ما جعلها في ذيل القائمة في كافة المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية وفصلتها عن مجتمعها العربي الإسلامي ..إلخ.

والمتتبع لتلك الاعترافات سيلحظ حجم السقوط الذي كان اليمن يسير نحوه، في كل مناحي الحياة بشكل عام، حيث لم يترك الأمريكي أو الإسرائيلي شيئا إلا وبث سمومه فيها عبر جواسيسه، حتى جاءت ثورة الـ 21 من سبتمبر بمشروع قرآني ، ليضع حداً لذلك السقوط ويعيد لليمن من جديد مكانته التي عرف بها على مر التاريخ، وفي غضون سنوات قليلة جداً برغم الصعوبات التي يواجهها من عدوان غاشم وحصار جائر حتى اللحظة.

وهو ما أكده السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي، في أكثر من خطاب ومناسبة، أن الهدف المقدس للثورة هو الحرية بمفهومها الصحيح، والاستقلال بمعناه الحقيقي، وذلك بعد أن كان السفير الأمريكي في صنعاء هو من يمتلك أكبر نفوذ في مختلف المؤسسات الرسمية وصاحب القرار الأول كما أن السفير الأمريكي هو الذي كان يملي على الجميع ما يشاء في كل المجالات.

عندما فقد السفير الأمريكي في صنعاء سيطرته نهائيا هرب من البلد ومعه المارينز الذين كان لهم قاعدة في صنعاء بجوار السفارة الأمريكية، وبعد ثورة 21 سبتمبر اشتغل الأمر عبر خلايا افتضحت ويتلاشى تأثيرها الخفي شيئا فشيئا.

مواقف ثابتة

 

خلال السنوات العشر الماضية اتضحت ملاحم الثورة الشعبية 21 سبتمبر، على المستوى الداخلي المحلي وباتت الدولة اليمنية تمتلك حرية القرار في اتخاذ كل ما يلزم في بناء يمن قوي عسكريا واقتصادياً وسياسياً محافظا على هويته الايمانية، وهو ما تمثل في كل مواقفه محلياً ودولياً.

فعلى مستوى الداخلي، انطلق اليمن بتماسك شعبي موحد الجبهة الداخلية خلف قيادة مؤمنة ربانية ومنهج قرآني عظيم، برسم ملامح الحياة الجديدة لليمن، وبدأ باستعادة هويته الإيمانية وترسيخها عبر مواقفه الداخلية في مواجهة العدوان والحصار واستطاع بفضل الله من تحقيق انتصار تاريخي على قوى العدوان، وإعادة بناء مؤسسات الدولة في بناء جيش قوي يمتلك ترسانة من الأسلحة المتطورة لحماية شعبه ووطنه، وإعادة بناء مؤسسات الدولة شيئاً فشيئاً وصولاً بالتغيرات الجذرية التي بدأت في كافة مفاصل الدولة.

أما على الصعيد الخارجي فقد كانت مواقف اليمن ثابتة تجاه كافة القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي سطر اليمن خلالها وعلى مستوى دول محور المقاومة أروع صور الدعم والاسناد للشعب الفلسطيني على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية وصولاً بالموقف العسكري في البر والبحر والجو وفق ما يمتلكه اليمن من إمكانات مادية التي سخرها لدعم المقاومة الفلسطينية، في موقف ايماني إنساني عربي إسلامي أذهل العالم.

شاهد عصر

 

كشهادة على عصر الثورات، نقف قليلا على سرد للكاتب والمحلل الصحفي الدولي- رئيس صحيفة رأي اليوم الالكترونية- الأستاذ عبدالباري عطوان، في مقال له في مارس الماضي، عبّر فيه عن موقف اليمن الثابت المناصر للقضية الفلسطينية بالقول: “عندما يتبنّى العرب والمُسلمون سياسة القُوّة كحَلٍّ وحيد لمُواجهة المشروع الأمريكي، ويعطون الأولويّة لهزيمة إحدى قواعده الأبرز في فِلسطين المُحتلّة، سيرًا وتبنّيًا للنّموذج اليمني الحالي المُشرّف، فإنّ النّهضة الموعودة والمأمولة ستتحقّق”.

وأضاف عطوان: “عامِلان رئيسيّان سيُغيّران المِنطقة، ويُكمّلان بعضهما البعض، الأوّل انتِصار المُقاومة و صُمودها في قطاع غزة، والثاني “الفزعة” اليمنيّة العسكريّة والأخلاقيّة والعقائديّة لهذا الانتِصار، وتوظيف كُل دِماء أبناء اليمن في خدمته”.

مختتماً مقاله بالقول: “نتمنّى أن تمتدّ هذه العدوى الوطنيّة الشّجاعة اليمنيّة إلى دُولِ “الجِوار العربيّ”، ومن بعدها دُوَل التّطبيع المُضَلَّلة، والأُخرى المُتَفرِّجة، لتخرج الصّحوة المُنتَظرة من وسطِ رُكامِ الدّمار والفِداء والتّجويع في غزة، وليس ذلك على اللهِ بكثير”.

هي واحدة من شهادات على الحدث لا يمكن حصرها في موضوع واحد، وما تناوله كتاب ومحللون سياسيون دوليون عن مواقف اليمن الثابتة عربياً وإسلامياً بعد ثورة الـ 21 من سبتمبر فنجاح هذه الثورة المباركة في صنع موقف عربي واسلامي كان فريدا، في زمن غابت واندثرت مثل هذه المواقف العربية والإسلامية وغابت كان أبرز أسبابها رزوح تلك البلدان العربية الإسلامية تحت الوصاية الغربية والتبعية السياسية لها، وهو ما دس رأس تلك البلدان تحت التراب في أن تسجل ولو موقف عملي واحد أو تسمح حتى لشعوبها بالتعبير عن موقفها تجاه هذه القضية المحورية قضية فلسطين، حتى اللحظة.

ختاماً

 

فإن ثورة 21 من سبتمبر مثّلت نقطة تحول كبيرة في تاريخ اليمن، حيث تميزت عن الثورات السابقة بعمق ارتباطها الشعبي ورفضها للوصاية الخارجية قولا وعملا، كما جاءت هذه الثورة استجابة لرغبة الشعب اليمني في التخلص من الهيمنة والوصاية الأجنبية، واستعادة حرية وسيادة الدولة بحق.

كما استطاعت ثورة 21 من سبتمبر أن تنهي حقبة من تبعية اليمن لقوى الهيمنة الإقليمية والدولية، وأعلنت استقلال القرار اليمني، وهو ما كشفت عنه اعترافات شبكة التجسس الأمريكية والإسرائيلية التي قبضت عليها الأجهزة الأمنية بصنعاء، حيث أظهرت تلك الاعترافات مدى التغلغل الأجنبي في مفاصل الحكم في اليمن خلال تلك الحقبة، وكيف استطاعت الثورة المباركة أن تضع حداً لهذا التسلط، وأعادت لليمن مكانته عربياً واسلامياً وحتى على مستوى العالم ككل.

كما أثبتت الثورة أيضاً في سنواتها العشر حفاظها على استقلال اليمن، وواجهت تحديات العدوان الخارجي، حتى وصلت إلى مرحلة صناعة وتطوير أسلحة الردع ، وامتلكت بفضل الله القوة في حماية اليمن أرضا وانساناً وجعلت منه رقماً صبعاً على مستوى المنطقة والعالم أجمع.

بعد الثورة تبنى اليمن مواقف واضحة تجاه القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ومثلت اليمن النموذج الذي يمكن أن يلهم ويمكن الدول العربية والإسلامية أن تواجه المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة إذا ما تحركت وسعت نحو التحرر من التبعية والوصاية الغربية.

لذلك يحق لنا القول، إن ثورة 21 سبتمبر حدث تاريخي غير مسبوق في اليمن وفي المنطقة العربية والاسلامية، و حققت إنجازات في تحرير القرار الوطني، واستقلال اليمن عن التدخلات الأجنبية، ورسخت الهوية الإيمانية، مما جعلها نموذج يحتذى به في المنطقة.

 

قد يعجبك ايضا