21 سبتمبر والثورة الزراعية
تقرير. إبراهيم الروني
يحتفى الشعب اليمني اليوم بالذكرى السادسة لثورة 21 سبتمبر المجيدة التي قامت من أجل اليمن ارضاً وأنسانا ولضمان استقلال وسيادة القرار، ففيها انتصرت الإرادة اليمنية على إرادة قوى الاستكبار وبها أنهى الشعب اليمني حكم السفارات واستعاد استقلاله المسلوب وقراراه السياسي والاقتصادي المختطف منذ عقود زمنية، فاليمن قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، كان العدو السعودي يتعامل معها كحديقة خلفية للملكة وليست دولة مستقلة ذات سيادة ، وكانت تدار عبر ايادي الرياض الخفية وعملائها في منظومة الحكم والمشمولين بقوائم اللجنة الخاصة بالعنف والفساد والأزمات ، فتصاعدت مؤشرات الفقر والبطالة وغابت العدالة الاجتماعية والمسائلة والشفافية في تبديد الثروة ، فكانت ثورة 21 سبتمبر تحول دراماتيكي ضد الركود والتسلط والاستبداد والظلم والهيمنة الخارجية ، ومثلت منعطفا تاريخياً في حياة اليمنيين لقيامها على أسس وطنية محددة الأهداف.
كان من أهم أهداف الثورة الداخلية مكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي وتحقيق العدالة الاجتماعية لكافة اليمنيين ، وبناء تنمية حقيقة تتوائم مع أولويات واحتياجات الشعب اليمني وتنطلق من تحقيق الأمن الغذائي الذي بلغ ادنى مستوياته بفعل عدم امتلاك منظومة الحكم السابقة لأي مشروع اقتصادي وطني شامل يقوم على استثمار خصوصية اليمن الاستثمارية في مختلف القطاعات وعلى رأسها القطاع الزراعي لينهي التبعية الاقتصادية التي عرضت الشعب اليمني لازمات لا حصر لها منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
وفي بلد يمتلك المئات من الاودية الزراعية الخصبة ويتسم بتنوع التضاريس والمناخ المعتدل وكان حتى مطلع الثمانينات من القرن الماضي يكتفي ذاتياً من كافة أنواع الحبوب ، وكان من ابرز اهداف ثورة 21 سبتمبر ، أنهاء حقبة الوصاية الخارجية بما فيها الوصاية السعودية والأمريكية ، ودعت الدول والحكومات الإقليمية والدولية إلى احترام إرادة الشعب اليمني وعدم التدخل في شؤونه ورحب بإقامة علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والتعامل الندي مع اليمن كدولة مستقلة ذات سيادة .
ثورة انقاذ
يقول قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي ” إن الثورة لم تأتي من فراغ ، بل هي تَحرّك مشروع استحقاقي مسئول واعِ فرضتها تلك الأوضاع الكارثية التي عانى منها الشَّـعْـب الـيَـمَـني ، وهي نتاج للإحساس بالظلم ونتاج للشعور بالمسئولية وهي وعي شعبي بالطريقة الصحيحة للسعي نحو التغيير “، وأشار إلى أن “سيادةُ البلد واستقلاله كانت على مهب الريح بفعل الاطماع الخارجية مؤكداً إن ” ثورة 21 سبتمبر الشعبية انقذت اليمن من الضياع ومن الاحتلال الذي العدو يعمل على تهيئته عبر إيصال البلد الى حالة الانهيار الكامل اقتصادياً وامنياً وسياسيا ، ليتدخل الطامعين بالموقع الجغرافي لليمن والاستئثار بكل المناطق الحساسة والمواقع المهمة والثروات المختزنة في باطنه والواعدة والمهمة تحت عناوين إنقاذيه ، وامام ذلك المخطط الأمريكي والإسرائيلي والوضع الاقتصادي والإنساني والأمني المتدهور لم يكن امام الشعب اليمني خيار اخر سوى التحرك المسئول لإحباط ذلك المخطط الخطير، كون القوى السياسية حينذاك لم تعد حامله لا لآمال ومطالب الشَّـعْـب وليست قادرة على مواجهة التحديات “.
وفي كلمة قائد الثورة التي القاها في الذكرى الأولى لثورة 21 سبتمبر 2015م، أشار إلى أن ثورة 21 سبتمبر حرصت على أن تتسعَ في أهدافها ومطالبها ومسارها السياسي للجميع لكل أَبْـنَـاء هذا البلد ، وتم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة والذي وصفة بالاتفاق المنصف حتى مع أدوات العدوان ” ، وبالعودة إلى نص الاتفاق الذي وقع برعاية الأمم المتحدة في يوم 21 سبتمبر 2014م ، فقد اشترط ” أنصار الله ” تنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية والمالية وتحسين مستوي دخل الفرد ، ومن ابرز البنود التي جاءت في الاتفاق ، تشكيل لجنة اقتصادية تضم خبراء مؤهلين و اقتصاديين من مختلف المكونات السياسية و الوزارات المعنية، مشترطا الخبرة في مجال التشريع و الادارة المالية و الاقتصادية، و الزمت اللجنة بتقديم برنامج شامل و مفصل و واضح للإصلاح الاقتصادي، يهدف في المقام الأول لتجفيف منابع الفساد في جميع القطاعات و معالجة اختلالات الموازنة العامة و ترشيد الانفاق ، وكذلك دراسة الوضعين الاقتصادي و المالي في اليمن، من خلال مراجعة الموازنة العامة للدولة و الانفاق ، وقيام الحكومة برفع نسبة 50% للمستفيدين من اعاشات صندوق الضمان الاجتماعي، وزيادة اعاشات الخدمة المدنية والجيش والأمن، والغاء الوظائف الوهمية و المزدوجة، وتسديد جميع المدفوعات عبر المصارف أو البريد، وزيادة موازنة التعليم والصحة في موازنة الدولة ، يضاف إلى الزام الحكومة بالتنفيذ الكامل لمخرجات الحوار المتعلقة بمكافحة الفساد و توفير الموارد الضرورية لذلك.
ولكون الثورة اتسمت بالوطنية والشعبية وكانت هدفها الأول هو التغيير المنشود وتجاوز الركود والانتقال من مرحلة التبعية الاقتصادية إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والإنتاج الوطني ، ومن مرحلة الفقر والبطالة والحرمان الاجتماعي إلى مرحلة الرفاه الاقتصادي ، ومن الهيمنة الخارجية إلى الاستقلال ، فقد ضاع بها أعداء اليمن ذرعاً ، وشنوا عدوان غاشم وحصاراً ظالم في صبيحة 26مارس 2015م ، ولايزال حتى اليوم ، ولكن الثورة مستمرة والتحرك الشعبي الوطني متواصل في مختلف الجبهات العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ارث ثورة 21 سبتمبر الاقتصادي
خلفت منظومة الحكم السابقة التي تحولت إلى أدوات لتمرير اجندة ومشاريع دول الاحتلال ارثا ثقيلاً ، تمثل باقتصاد منهار واحتياطي نقدي لا يغطي عدة اشهر ، وبنية اقتصادية منهارة وخدمات منعدمة ، وتداعيات فشل الحكومات السابقة على الملفين الإنساني والاقتصادي ، وسيتم التطرق إلى ابرز تلك التداعيات على النحو التالي :
- اقتصاد ضعيف وهش خالي من التنوع الاقتصادي ويعاني من التبعية الاقتصادية للخارج، ويعتمد على الصادرات النفطية كمصدر أساسي للإيرادات، ويفتقد لأي قاعدة إنتاجية ثابته ولايزال دور قطاع الصناعة ضعيف.
- الدين العام ,, يعد الدين العام الداخلي والخارجي من أبرز معضلات التنمية في اليمن ، حيث بلغ الدين العام الحكومي قبل ثورة 21 سبتمبر 2014م، أعلى المستويات وأصبح يكبل أي نمو اقتصادي في البلد، وبلغ الدين العام بنوعيه الداخلي والخارجي يصل إلى قرابة الـ 22 مليار دولار، منه قرابة 6.5 مليار دولار دين عام خارجي.
- مؤشرات التنمية البشرية ,, احتلت اليمن المرتبة الـ154 من بين 185 دولة في تقرير التنمية البشرية لعام الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة 2014، منخفضة من المرتبة الـ160 التي احتلتها في العام 2013، ووضعت الأمم المتحدة اليمن بالمستوى المنخفض في التنمية البشرية ، ويعود السبب إلى تراجع نصيب الفرد السنوي من الدخل القومي الإجمالي إلى 2200 دولار. وتراجع الإنفاق على التعليم إلى 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، كما تراجع الأنفاق على الصحة نحو 5.6 % ، وتراجعت التدفقات الصافية للاستثمارات الأجنبية فتقدّر بنحو 0.5 % من الناتج المحلي الإجمالي.
- مؤشرات الفقر .. قبيل ثورة 21 سبتمبر صنف البنك الدولي اليمني كواحدة من الدول الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبلغت معدلات الفقر 65% ومعدلات البطالة 45%، وأكدت تقارير الأمم المتحدة حينذاك أن نحو 44 % من اليمنيين يعانون الجوع من إجمالي سكان اليمن، وأشارت إلى ان نحو 13.1 مليون مواطن يمني يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة ولا يحصل 6.4 ملايين يمني على الرعاية الصحية الكافية ، ووفقاً لبرنامج الغذاء العالمي في نفس العام فقد أكد في تقرير صادر عنه ان هناك أكثر من عشرة ملايين شخص لا يعرفون كيف يدبرون وجبتهم التالية ، واحتلت اليمن ثاني أسوأ دولة في العالم في معدلات تقزم الاطفال وتجاوزت 41% في 2014.
- سوء التغذية ,, وفقا لتقارير منظمة اليونيسف كان يعاني 850 الف طفل يمني من سوء التغذية قبيل ثورة 21 سبتمبر 2014م ، وأكدت في تقاريرها ان هناك 160 الف طفل يمني يعانون من سوء التغذية الوخيم ، واعادت ذلك إلى أن 40% من السكان في اليمن يعيشون في وضع “انعدام الأمن الغذائي ولا يحصلون على وجبات غذائية متكاملة”.
- فاتورة الفساد ,, كشف تقرير حكومي أواخر العام 2013م عن خسارة اليمن ل 10 مليارات دولار نتيجة الفساد المستشري في كل مرافق ومؤسسات الدولة ، وأوضح التقرير حينذاك ،وبلغت فاتورة الفساد قبل ذلك 5 مليارات دولار في المتوسط ، لتفشي مظاهر الفساد والتي تمثلت في خصخصة مؤسسات وأصول حكومية بمبالغ زهيدة تمثل أقل من % 25 من قيمتها الحقيقية ونهب أراضي الدولة ومنح إعفاءات ضريبية وجمركية لمشاريع وهمية ونافذين بالإضافة إلى سوء الإدارة لمؤسسات الدولة وخاصة الإنتاجية منها.
- تراجع دخل الفرد ,, قبيل ثورة 21 سبتمبر تراجع متوسط دخل الفرد نحو 1250 دولاراً سنوياً متراجعاً من 2200 دولار سابقاً.
- جهاز اداري للدولة ضعيف ومختل ,, ورثت ثورة 21 سبتمبر ملف الازدواج الوظيفي وملف الأسماء الوهمية التي تعد احد مخرجات الأنظمة السابقة ، ووفقا لاعتراف الحكومات السابقة قبل الثورة فان كشوفات الراتب تحتوي على قرابة 300 الف اسم وهمي ومزدوج ، وتلك الوظائف الوهمية توافقت عليها مراكز قوى سياسية وعسكرية في الحكومات السابقة ، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي ما كانت تحصل عليه مراكز القوى النفوذ وجماعات المصالح من الأسماء الوهمية والمزدوجة تتجاوز 100 مليار ريال سنويا .
ورغم كل ذلك الإرث الثقيل الكفيل بإعاقة التنمية لسنوات، إلا ان دول تحالف العدوان كانت تدرك ان كل التحديات والصعوبات التي تواجهها اليمني ستزول امام أي مشروع وطني تحمية إرادة الشعب اليمني كثورة 21 سبتمبر، وتنفذه حكومات لا تخضع لأي إملاءات خارجية سيتجاوز كل التحديات وستتحقق أهدافه، وهو ما يتقاطع مع اجندة العدوان ومطامعه وأهدافه التي تسعى لإبقاء اليمن خارج مسار التنمية وتحت الوصاية.
نحو الاكتفاء الذاتي
بعد نجاح الثورة في تغيير النظام السياسي، برزت رؤية جديدة تجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، حيث أدركت القيادة الثورية والسياسية ضرورة تقليل الاعتماد على الواردات، خصوصًا في ظل الحصار المفروض على البلاد، مما جعل الزراعة القطاع الأهم الذي يمكن أن يسهم في تحقيق هذا الهدف.
قبل ثورة 21 من سبتمبر، كانت اليمن تعاني من إهمال كبير في القطاع الزراعي، حيث كان الاعتماد الأكبر على الواردات الزراعية لتلبية احتياجات السكان. تسبب هذا الاعتماد المفرط في ضعف الإنتاج المحلي وتدهور الاقتصاد الريفي.
,على الرغم من التحسينات التي شهدها القطاع الزراعي، إلا أن اليمن لا تزال تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. فرض الحصار والقيود على الواردات والتجارة الخارجية أدى إلى نقص في المدخلات الزراعية وتراجع قدرات القطاع على الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ، كما ان هناك تحديات بيئية تتعلق بتغيرالمناخ والجفاف المتكرر.
أثرت هذه العوامل على الإنتاج الزراعي وجعلت من الضروري تطوير استراتيجيات للتكيف مع التغيرات المناخية، مثل تحسين تقنيات الري واستغلال المياه الجوفية بطريقة مستدامة ولعب المجتمع المحلي دورًا كبيرًا في دعم جهود الحكومة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي حيث تم إطلاق حملات توعوية لتعزيز الثقافة الزراعية بين المواطنين، وحثهم على استغلال الأراضي الزراعية وزراعة الخضروات والفواكه في منازلهم.
استثمار نعمة الأمطار لتعزيز الزراعة
شهد اليمن مؤخراً هطول أمطار غير مسبوق، حيث بلغ معدلها في شمال محافظة الحديدة نحو 98 ملم. هذه الأمطار تمثل فرصة كبيرة لتعزيز التنمية الزراعية في ظل توجيهات قائد الثورة، السيد عبدالملك الحوثي، لاستغلال هذه النعمة في حراثة الأرض وزراعتها. ومع استمرار العدوان والحصار، تعمل الحكومة على استثمار هذه المياه لتحسين الإنتاج الزراعي في كافة أنحاء البلاد.
بدأت الحكومة بتنفيذ عدد من البرامج التي تركز على محاصيل رئيسية مثل التمور، القطن، الألبان، والذرة الشامية. وقد تم عقد اجتماع مع الاتحاد التعاوني الزراعي في محافظة الحديدة وأعضاء اللجنة الزراعية والسمكية العليا، لبدء حملة تهدف إلى زراعة محاصيل الحبوب. تشمل هذه الخطط توفير بذور ومحاريث وتجهيز الحصاد وتقديم الإرشاد الزراعي. كما تم تحديد أيام لإطلاق المبادرات الزراعية في مختلف المديريات، وقد بدأت عملية التنفيذ في بيت الفقيه، مع ترتيبات جارية في مناطق مثل الجراحي وجبل راس وعبس.
التحديات في زراعة الحبوب
يحتاج اليمن إلى حوالي 171 كجم من الحبوب للفرد سنويًا، موزعة كالتالي: 110 كجم من القمح، 7 كجم من الشعير، 24 كجم من الذرة الرفيعة، 19 كجم من الذرة الشامية، 9 كجم من الدخن، و15 كجم من الأرز. ولكن، تواجه البلاد فجوة غذائية كبيرة في إنتاج القمح والذرة الشامية، حيث تُقدر الفجوة بنسبة 94% في القمح و86% في الذرة الشامية.
في عام 2023، أنتج اليمن 150 ألف طن من القمح و50 ألف طن من الذرة الشامية، بينما استورد حوالي 3.5 مليون طن من القمح و600 ألف طن من الذرة الشامية كأعلاف، مما كلف الخزينة أكثر من مليار واثنين مليون دولار للقمح، و240 ألف دولار للذرة الشامية. ولذا، يتطلب تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا الجانب تعاوناً وثيقاً بين الجهات الحكومية والمجتمع والقطاع الخاص.
وتعد تهامة والجوف من أفضل المناطق الزراعية في اليمن. في الجوف، تم بدء مشروع طموح لإنتاج بذور القمح منذ عام 2018، وقد تم إنتاج أكثر من 60 ألف كيس بذور من الجوف و20 ألف كيس من المحافظات الجبلية. تم توقيع عقود تغطي أكثر من ألف هكتار مع القطاع الخاص، بهدف زيادة إنتاج بذور القمح.
في تهامة، تم التركيز على تطوير سلاسل القيمة الزراعية، بما في ذلك الألبان، القطن، التمور، والذرة الشامية، مع خطط لتوسيع هذه السلاسل إلى 58 سلسلة زراعية في المستقبل القريب.