ما بعد عملية “الوعد الصادق2 “.. مؤشرات الحرب الشاملة تتزايد
تقرير. أحمد داود
يرتفع منسوب الغضب في الأوساط الصهيونية بعد الهجوم الإيراني غير المسبوق والذي استهدف قواعد عسكرية وأمنية في عمق الكيان المؤقت، والذي أجبر الصهاينة جميعهم على الدخول إلى الملاجئ.
يقول المسؤولون المتطرفون الصهاينة وغيرهم: “ما حدث هو أكتوبر جديد، وطوفان أقصى جديد، وهو إعلان حرب جديدة على الكيان”، ولهذا فإن عملية الوعد الصادق (2) تؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الصراع مع الكيان الصهيوني، وهي تختلف كلياً عن المرحلة الأولى، التي نفذتها الجمهورية الإسلامية في ابريل الماضي في العمق الصهيوني، والتي كانت أشبه بحفظ ماء الوجه لإيران لا أكثر”.
خلال هذه العملية أظهرت الجمهورية الإسلامية حزماً وعزماً قويين، وفضّلت استخدام الصواريخ السريعة الفتاكة، بما فيها صواريخ فتاح الفرط صوتية، دون أن يشارك سلاح الجو المسير في العملية، بعكس المرة الأولى، التي كان لسلاح الجو الكلمة الفصل، لكن وعلى الرغم من كثافة النيران، وإطلاق ما يزيد عن 200 صاروخ، إلا أن الحرس الثوري الإيراني اختار أهدافاً عسكرية بحتة في عملية الاستهداف، متجنباً استهداف المدنيين، وهو ما يجعل عملية التقييم للأضرار صعبة، لا سيما وأن جيش العدو الإسرائيلي يتكتم بشدة على ما يحدث من استهداف في منشآته العسكرية والأمنية.
ردود الفعل الصهيونية
في التعقيب الأولي على هذا الهجوم، ظهر المجرم نتنياهو في اجتماع مع عدد من القيادات العسكرية للكيان وهو يلقي خطاباً مكتوباً على ورق، كانت يداه ترتعشان، وملامح وجه تظهر الانكسار والذل.. لقد استطاع الإيرانيون تحقيق الهدف الأول من العملية وهو رفع المعنويات لأحرار الأمة، وكسر نشوة الانتصار للمجرم نتنياهو وحكومته على جريمة اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله، وعددا من قادة الحزب في عمليات اغتيال متعددة للكيان الغاصب.
وفي سياق التعاطي مع عملية الوعد الصادق 2، أظهرت ردود الفعل الصهيونية سواء عبر وسائل الإعلام العبرية، أو من خلال تصريحات المسؤولين الهزيمة القاسية التي تلقاها الكيان، لافتين إلى أن أكتوبر هو شهر النكبات بالنسبة للمستوطنين.
ويمكن القول إن مجمل التصريحات للمسؤولين تطالب بالرد القاسي والعنيف على الجمهورية الإسلامية، فالمتحدث باسم “الجيش” الإسرائيلي يؤكد أن لدى الكيان الحق بالرد في الزمان والمكان المناسبين، فيما يقول عضو “الكنيست” ألموغ كوهين: “إن إيران أعلنت الحرب على “إسرائيل” وهذه التصرفات الحمقاء ستفتح عليهم أبواب جهنم” حسب تعبيره.
من ضمن التصريحات المتشنجة للمسؤولين الصهاينة بعد الهجوم الإيراني، حديث “وزير المالية” سموتريتس الذي أكد أن “إيران ستندم على هذه اللحظة”، فيما قال “وزير الثقافة” الإسرائيلي ميكي زوهار : “إن الزعيم الإيراني الذي اتخذ القرار الأكثر خطأ في تاريخه سيدفع ثمناً باهظاً للغاية، هذه هي بداية النهاية للنظام الإيراني ” والكلام لوزير الثقافة الصهيوني.
مجمل الردود الصهيونية تشير إلى أن الرد على الهجوم الإيراني قادم لا محالة، وسيكون كبيراً وغير مسبوق، وهو ما نتوقعه بالفعل لسببين:
الأول: أن المجرم نتنياهو كان بعد اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله قد صنع لنفسه نصراً وانجازاً كبيراً في الداخل الصهيوني، وهذا النصر كان سيجنبه من الملاحقة أو الابتعاد عن “الحكومة” في حال توقفت الحرب على غزة أو لبنان، لكن الهجوم الإيراني قد أعاد نتنياهو إلى نقطة الصفر، حيث حطم معنويات الصهاينة، وكسر هيبتهم، والسكوت على هذا الهجوم وعدم الرد، يعني الموت الأبدي لنتنياهو وحكومته.
الثاني: عدم الرد الصهيوني على الهجوم الإيراني، سيقضي تماماً على صفقة التطبيع التي اشتغلت عليها أمريكا و”إسرائيل” لسنوات كثيرة، وسيجعل الكثير من الأنظمة العربية وغيرها تفكر بالانفتاح على إيران، وعدم معاداتها، خشية من التعرض للعقاب، وهذا ما لا ترجوه أمريكا ولا “إسرائيل”.
جهوزية عالية لإيران
في المقابل، فإن الحرس الثوري الإيراني، لم يقدم على هذه العملية بضخامتها وحجمها الكبير، إلا وهو مدرك لعواقبها، وأنها قد تقود إلى حرب إقليمية واسعة، ويبدو أنه قد استعد جيداً لكل السيناريوهات المحتملة.
يقول وزير الدفاع الإيراني: “إذا ارتكب الكيان الصهيوني أو داعموه أخطاء استراتيجية سيكون ردنا أكثر تدميرياً”، ونفهم هنا أن الخطأ الاستراتيجي قد يتمثل في إقدام واشنطن والكيان المؤقت على استهداف منشآت حيوية بارزة في العمق الإيراني.
وفي أي رد مرتقب، فإن “إسرائيل” المثخنة بجراح الحرب في غزة ولبنان، لن تكون قادرة على تنفيذ هجمات بمفردها ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبالطبع فإن أمريكا والدول الغربية ستكون إلى جانبها لتقديم الدعم والمساندة، وهذا قد يفتح الباب على مصراعيه، ويمهد الطريق للجمهورية الإسلامية للانتقام من أمريكا التي اغتالت قاسم سليماني، وهنا ستكون القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة تحت دائرة النار، وسيناريو إطلاق الصواريخ الفرط صوتية سيتكرر على هذه القواعد المنتشرة في معظم الدول العربية.
بعملية الوعد الصادق 2 للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تكون طهران قد خرجت من دائرة “الصبر الاستراتيجي” و “ضبط النفس” إلى مرحلة أوسع تشمل معاقبة الأعداء، وعدم السكوت على جرائمهم المتعالية، حتى وإن قادت هذه العقيدة والسياسة الجديدة إلى تفجير حرب إقليمية، ومواجهات تدمر المنطقة.
المرحلة إذاً مفصلية، والمنطقة على فوهة بركان، فشرارة النيران بدأت في الاشتعال أكثر، مع الجنون الصهيوني المدعوم أمريكياً وغربياً، والذي تجاوز كل الخطوط الحمراء، وقواعد الاشتباك، ووصل به الحال إلى استهداف أبرز قادة محور المقاومة الشهيد السيد حسن نصر الله، وهو تماد تقول إيران إنها لم تستطع معه الاستمرار في السياسة القديمة، وهي “ضبط النفس” كي لا تنفجر الأمور وتتسع إلى ما لا يحمد عقباه.
الآن، الكرة في ملعب “إسرائيل”، كل المؤشرات أنها ستقدم على خطوة مجنونة، وهذا سيشعل المنطقة، ويدخلها في أتون حرب واسعة، إلا إذا كانت هناك معجزة للجم عدوانية نتنياهو، وتحكيم العقل، فإن الحل الأنسب في هذه الحالة هو إيقاف العدوان على غزة ولبنان، ومعالجة آثار الحرب، وحينها سيتوقف التصعيد في كل أنحاء المنطقة.