الضربة الإيرانية تكبح جماح المجرم نتنياهو

تقرير.  يحيى الربيعي

تَعكس مشاعر نتنياهو بالهزيمة نتيجة الضربة الإيرانية الأخيرة تدهورًا حادًا في حالة النشوة التي عاشها إثر العمليات الإجرامية التي نفذها مؤخرا بتفجير البايجرات واللا سلكي واغتيال سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله . فقد كانت تلك النشوة مؤقتة، وتحولت الأمور بسرعة من شعور بالثقة إلى قلق وتوتر، سيفرض على “نتنياهو” إعادة تقييم استراتيجياته وأهدافه. هذا التحول يترك آثارًا عميقة على المشهدين السياسي والأمني في الداخل الإسرائيلي.

في دقائق معدودة، زخات كبيرة من الصواريخ الإيرانية انهمرت يوم الثلاثاء لتقضي على أهم المراكز العسكرية والاستخباراتية في الكيان الإسرائيلي. كل “الإنجازات” التي ظن نتنياهو أنه حققها خلال الأشهر القليلة الماضية. دفعه إلى للتصرف كقائد للمنطقة، يقرر مصيرها كيفما شاء. النشوة المؤقتة جرفتها الصواريخ الايرانية لتكشف عن حجم نتنياهو الحقيقي الضئيل، وجعلته يرتجف رعبًا من مصير مجهول ينتظر الكيان اللقيط الآيل للزوال. وهو ما بدا واضحا في اجتماع نتنياهو عقب الضربة، حيث بدت يداه ترجفان بشكل لافت، فيما بدا وجهه شاحباً يظهر عليه توتر كبير.

 

تعاظم المأزق الإسرائيلي

خسارة الكيان الصهيوني تبدو جلية في فشل المنظومات الدفاعية في أداء المسؤوليات التي من أجلها صرفت المليارات

فالقبة الحديدية و”مقلاع داوود “ومنظومة” حيتس”، بالإضافة إلى المنظومات الأمريكية الموجودة في المنطقة وكذلك المنظومات المنتشرة في المناطق العربية/ كلها فشلت في التصدي للصواريخ الإيرانية وفشلت قبل ذلك في التصدي للصواريخ اليمنية والعراقية.

تركزت الصواريخ الإيرانية، التي انهمرت على أراضي فلسطين المحتلة على ثلاث قواعد عسكرية كانت منطلقا للعمليات الإجرامية الإسرائيلية في لبنان وفلسطين وكانت الضربة ناجحة لعدة اعتبارات. فمن حيث التوقيت فتزامنت الضربة مع ذروة الغرور للمجرم نتنياهو الذي زعم تمكنه من كسب المعركة قبل أن تحيل الصواريخ الإيرانية أوهامه إلى سراب ليكتشف مؤخراً أنه في كابوس مفزع.

تُظهر الضربة الإيرانية، الأكبر على الكيان الصهيوني، مدى التحول الجذري في توازن القوى بالمنطقة ليفرز واقعاً جديدا تميل كفته لصالح محور المقاومة. مع تراجع كبير للكيان الصهيوني ومن يقف خلفه. خاصة بعد اكتفاء واشنطن بالتفرج وحسب بالرغم من تهديداتها المسبقة بجهوزيتها للانخراط في الحرب في حال تورطت إيران في استهداف “إسرائيل” حسب المزاعم الأمريكية.

ووثقت عشرات المشاهد تمكن الصواريخ الإيرانية من تجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية ووصولها للأهداف المرسومة بدقة عالية وبزخم كبير وغير مسبوق. ما يكشف التقدم الكبير للقدرات العسكرية الإيرانية من حيث القوة التدميرية والقدرة على تجاوز الأنظمة الدفاعية والشجاعة في اتخاذ قرار الحرب بالرغم من حجم الضغوطات الكبيرة التي تعرضت لها طهران. ما يعني أن “إسرائيل” وأمريكا أمام خصم عنيد يمتلك القدرات العسكرية والبنية الاقتصادية و الجرأة في اتخاذ القرارات الشجاعة في الأوقات الحساسية وهذه المعطيات تلعب دوراً محوريا في مستقبل أي صراع عسكري.

 

الكيان وبنيته التحتية بلا حماية

من جهة أخرى، تؤكد القيادة الإيرانية تصميمها الثابت على مواجهة التصعيد الإسرائيلي، معبرةً عن استعدادها للرد على أي اعتداءات، مُستعرضةً شجاعة نادرة في وجه التحديات. القرار بشن الهجوم لم يكن عشوائيًا، بل تم بتحليل دقيق للموقف والإعداد للرد على أي رد فعل مُحتمل من الثنائي الأمريكي الإسرائيلي.

ورغم التصريحات الأولية من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين التي بدت متناقضة مع واقع الهجوم، إلا أن رسالة إيران واضحة: على الرغم من الضغوط، فإنها مستعدة للمواجهة وتواصل تعزيز قدراتها العسكرية. تحديد 5 آلاف نقطة حساسة في المنطقة هو رسالة تحذير قوية تعزز من الموقف الإيراني وتكشف عن استراتيجياتها المستقبلية.

في المجمل، يمثل الهجوم الإيراني علامة بارزة في تطوير استراتيجية المقاومة ويعكس تضامن قوى المنطقة، مما يزيد من تضييق الخيارات أمام الأعداء.

 

تصميم إيراني

 قادة إيران العسكريون أكدوا بوضوح أنهم على استعداد للرد بشكل ساحق إذا ما حاولت “إسرائيل”، بدعم من الولايات المتحدة، استهداف إيران. هذه التصريحات تعكس التصميم و الثقة المطلقة التي باتت تمتلكها طهران فأي تهديد إسرائيلي سيُقابل بردٍ قوي قد يستهدف البنية التحتية الأساسية للكيان.

ولعل ما يدعم هذه الثقة الإيرانية أن المشاهد السياسية والعسكرية التي ظهرت بها إيران بضربة الأمس، تشير إلى أن القوة العسكرية الإيرانية ليست مجرد كلام، بل هي مدعومة بإجراءات وعقيدة عسكرية تعزز من قدرة إيران على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق. باستخدام مزيج من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فقد أظهرت إيران قدرتها على تنفيذ هجوم منسق ومعقد سيكون له تأثير عميق على المعادلة الأمنية في المنطقة.

كما أن رد الفعل الإسرائيلي على هذا الهجوم، يثير التساؤلات حول فعالية أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية. و التجارب الأخيرة أظهرت أن الاختراقات لطبقات الدفاع الإسرائيلية تعني أن هناك حاجة ملحة لمراجعة استراتيجيات التعامل مع التهديدات، وخاصة من الصواريخ التي تسير بسرعات تفوق سرعة الصوت، مما يعقد عملية الاعتراض بشكل كبير.

وفيما يمكن أن يمثل نقطة تحول في الصراع الذي قد يغير من ديناميكيات القوة في المنطقة، ما أشار إليه الإعلام الغربي مثل “تلغراف” و”غارديان” من أن نجاح الصواريخ في اختراق الدفاعات الإسرائيلية قد يشكك في هيمنة هذه الأنظمة وقدرتها على حماية الكيان من هجمات مستقبلية.

 

التعقيدات المالية للاعتراض

ويعكس الهجوم الإيراني الأخير تطور نوعيً في استراتيجيات الطرفين، حيث تسعى إيران إلى إدراك التحديات المرتبطة بالمواجهة العسكرية وتكلفة الاشتباكات. الخسائر المحتملة التي تكبدها الجيش الإسرائيلي، المقدرة بحوالي 1.5 مليار دولار، والتي تشير إلى أن إيران قد تختار الاستراتيجية الاقتصادية إلى جانب القوة العسكرية، حيث تحاول الضغط على الدفاعات الإسرائيلية باستخدام عدد أقل من الصواريخ الأكثر تطورًا.

ناهيك عن أن التعقيدات المالية المرتبطة بالاعتراض تلعب دورًا كبيرًا في رسم استراتيجيات الصراع. فتكلفة صواريخ الاعتراض مثل “حيتس” و”مقلاع داود” تُظهر أن تكاليف الدفاع يمكن أن تكون ضخمة. مع تمتع إيران بترسانة من الصواريخ الباليستية التي تقل كلفتها كثيرًا، فإن الاستراتيجية الإيرانية في إغراق “إسرائيل” بقصف مكثف تمثل تحديًا ليس فقط للقدرة العسكرية بل أيضًا للأداء الاستثماري للقوة الإسرائيلية.

إطلاق حوالي 220 صاروخًا باليستيًا خلال فترة زمنية قصيرة يعد خطوة غير مألوفة، ويهدف إلى إرباك منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية. الجمع بين السرعة العالية لنقاط الاعتراض والقدرة على التنفيذ السريع يبرز تحديًا خطيرًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتكلفة الباهظة للتصدي لهذه التهديدات. وهنا يظهر تعقيد التوازن بين التكاليف والأداء، حيث أن استنزاف المخزونات من الدفاعات الجوية قد يصبح واقعًا مقلقًا لإسرائيل، وقد يؤدي إلى الحاجة لمراجعة استراتيجيتها الدفاعية بشكل جذري.

أخيراً

تؤكد العملية العسكرية الإيرانية أن خيار المواجهة هو الخيار الكفيل بردع الكيان الصهيوني، وأن خيار المساومات والمفاوضات لا جدوى منها سوى المزيد من الانتكاسات، فها هي أمريكا بالرغم من التهديدات والوعيد التي أطلقتها، ها هي تقف اليوم في عجز غير مسبوق، فلا هي اعترض الصواريخ ولا تمكنت من حماية العدو الإسرائيلي، فيما تمكنت إيران من استعادة زمام المبادرة وتثبيت معادلة الردع وأعطت شاهدا حيا على أن الكيان الإسرائيلي ومن يقف خلفه ليسوا سوى نمور من ورق لا تقوى على فعل شيء طالما هناك من يقف أمامها بقوة وصلابة.

قد يعجبك ايضا