في التسبيح الواعي

موقع أنصار الله | من هدي القرآن |

{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التغابن:1) {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:1) {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يّـس:83)  ترى كم تكرر التسبيح في القرآن الكريم بما يعنيه التسبيح من تنزيه لله سبحانه وتعالى وتقديس وإجلال وتعظيم له، بما يعنيه أساساً من تن‍زيه لله عما لا يليق أن ينسب إليه لا باعتبار ذاته, ولا أفعاله, ولا في تشريعه. ولأن تن‍زيهه سبحانه وتعالى قضية مهمة بالغة الأهمية يجب أن يكون الإنسان مستشعراً لها دائماً، وقاعدة ينطلق منها في معرفته لله سبحانه وتعالى.

يستنفر الله سبحانه وتعالى كل ما في سماواته, وكل ما في أرضه ليقول لك بأن كل ما فيهما يسبحون له, {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الجمعة:1) كل ما فيها يشهد بن‍زاهته ما بين من ينطق بذلك بلسان المقال, وما بين من ينطق بلسان الحال فيشهد على نزاهة الله سبحانه وتعالى.

تن‍زيهه عن ماذا؟ للتسبيح معناً مهماً جداً، تن‍زيهه عن ما لا يليق به في ذاته أن تنسب إليه نقصاً، أن تنسب إليه من العيوب ما لا يليق بأن تنسبها إليه كما نسب إليه الآخرون من أنه ذو أعضاء، من أنه يقدر المعاصي، ويخلق المعاصي والفواحش, ويريدها ويقضي بها. تنزيه له أيضاً في أفعاله هو من لا يظلم, من لا يفعل الفساد، من لا يفعل ما يتنافى مع الحكمة، هو من خلق كل شيء فقدره تقديراً، تن‍زيه له سبحانه وتعالى أيضاً في تشريعه, وفي هدايته.

أنزهه عن أن يشرع لي طاعة من يعصيه، أن يوجب علي أن أطيع الظالمين والجبارين والطواغيت والمتكبرين وهو من يلعنهم في كتابه, وهو من يستنصرني لأقف في وجوههم فكيف يأمرني بطاعتهم؟ وهل يشرف الله سبحانه وتعالى, أو يليق به أن يكون هؤلاء من يوجب علينا أن نطيعهم وهم مفسدون ومجرمون وطواغيت وكافرون!. ألست أنت من تحاول أن تطرد ابنك من بيتك إذا ما وجدته ابناً فاسداً؟. والآخرون يقولون لك اطرده من بيتك؟. وأنت تقول لابنك: أنت شوهت سمعتي, أنت لا تشرفني أن يقال أنت إبني.

الله سبحانه وتعالى كيف يمكن أن يوجب علينا أن نطيع أعداءه!. هذه واحدة من العقائد الباطلة التي نسبوها إلى دين الله, ودين الله هو تشريعه وهديه.

ولو تأتي, لو تأتي تتبع ما حصل من هذا القبيل مما نسب إلى الله سبحانه وتعالى لوجدت بأنهم نسبوا إليه ما لا يليق به، وأمام هؤلاء استنفر الله كل مخلوقاته لتسبحه؛ لعظم قبح ما نسبوا إليه في تشريعه، أو في هديه, أو في أفعاله، أو في ذاته سبحانه وتعالى.

والتسبيح هو الذي أخذ المساحة الواسعة في التعبُّد داخل الملائكة, وداخل المخلوقات كلها، الله قال عن ملائكته {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء:20) وقال لنا, يخبرنا عن أنهم يسبحونه, ثم قال لك: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}(الإسراء: من الآية44).. لتفهم ماذا؟. أنها قضية كبيرة، جريمة كبيرة، قبح عظيم أن تنسب إليه ما لا يليق به، ما يتنافى مع جلاله، مع قدسيته، مع كبريائه، مع عظمته, الأمر الذي لا يهز في الكثير منا شعرة واحدة، ولا ينطلق يتفاعل إذا ما سمع بأن هناك من ينشر عقائد باطلة.

يقولون: أن الله كذا وكذا، ويقولون أن رسول الله يشفع لأهل الكبائر، ويقولون بأنه يجب طاعة الظالمين، ويقولون كذا.. فيقول: والله مجرمين. وانتهى الأمر، لا يغضب، لا يعرف أن هذه قضية غير عادية، أنها إساءة بالغة إلى الله سبحانه وتعالى. ولتفهم أن القضية مهمة جداً تدفعك إلى أن تغضب لله، وإلى أن تبذل نفسك وتبذل مالك لتنصر الله سبحانه وتعالى فتقول لأولئك: لا. تنطلق في الحديث مع الناس عن تن‍زيه الله، وأن ما يقال بأنه كذا وكذا، وأنه شرع كذا وكذا, هذا باطل لا يجوز أن ينسب إلى الله. تنطلق في نصر الله كما قال لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ}(الصف: من الآية14).

إرجع إلى القرآن الكريم عندما يقول لك بأن كل من في السموات والأرض يسبحون له، والملائكة عملهم الدائم التسبيح له {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ}هل لأن الله سبحانه وتعالى يعجبه أن يسمع ترديد التسبيح ليستمتع به؟ هو سبحانه وتعالى من هو من‍زه عن هذا، وإنما ليقول لنا: أن قضية أن نحافظ في أنفسنا على الإيمان بكماله المطلق الذي يدفعنا إلى أن ننزهه عن كل ما لا يليق به، وأن نسبة شيء إليه لا تليق به هي قضية كبيرة جداً.. وعلى من؟. هل سيصل ضرها إلى الله أو علينا نحن؟. علينا نحن.

لاحظوا عقائد من هذه أين جاء ضرها؟ هي قبح أن تنسب إلى الله سبحانه وتعالى, لكن أين حصل الضر؟. على الأمة, على البشرية نفسها؛ لأنه متى ما جوزنا على الله سبحانه وتعالى أن يكون في تشريعه طاعة للمجرمين استسغنا نحن البشر أن يحكمنا الطواغيت، وإذا حكمنا الطواغيت ما الذي يحصل في حياتنا؟ تضيع كرامتنا, تضيع عزتنا، نستذل، تصبح حياتنا ومعيشتنا ضنكة، نُضَام، نُقهر، يسود فينا الفساد، تغيب عنا وعن أوساطنا القِيَم المثلى والفضائل. وما السبب؟. قالوا لنا بأنه يجوز, وأن الله شرع هذا.

انظر كيف وصلت بالأمة هذه العقيدة وحدها, عندما قلنا في المحاضرة في القاعة يوم الخميس: أن أولئك الذين انطلقوا فوق منابر المسلمين ليدجّنوا الأمة للظالمين.. ألم يعلموا ما جنت أيديهم! كيف أصبح هؤلاء يدجّنون الأمة لليهود، وكيف أصبحنا في واقعنا الاقتصادي لا نستطيع أن نعيش شهراً واحداً – كما عاش أسلافنا قبل ألف سنة – معتمدين على أنفسنا!.

أتحدى أن يستطيع اليمنيون أن يعيشوا شهراً واحداً معتمدين على أنفسهم وقوتهم من داخل بلدهم كما كان أسلافنا قبل ألف سنة، أولئك الذين نقول عنهم أنهم متخلفون, ومن أصحاب العصور المظلمة.. ما الذي جعل البشر يصلون إلى هذا المستوى؟ هي هذه العقائد الباطلة. من أين استسغناها؟. من يوم ما آمنا وجوزنا بأنه يصح أن تنسب إلى الله فتكون جزءاً من دينه, وتكون مما شرعه لعباده، ونسينا ما كان بالإمكان أن يعمله التسبيح في نفوسنا لو رجعنا إليه.. عندما نجد الله يستنفر كل من في السموات ومن في الأرض ليسبحوه، وعندما يقول عن ملائكته أنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون.

لكن هكذا عندما يصبح القرآن على ألسنتنا مجرد لَقْلَقَة باللسان، ويهمنا تجويد حروفه نحافظ على [الغُنَّة] وعلى [المد] و على[القلقلة] ونحوها.. وننصرف عن ما تريد منا هذه الآيات: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} حتى تتساءل لماذا التسبيح هو الذي أخذ المساحة الواسعة في التعبد؟ في صلاتنا تسبيح, في الركوع في السجود في القيام.. أليس كذلك؟ والتسبيح يُشَرع كذكر من أذكار الله المهمة: ((سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)).

عندما نسينا, أو جهلنا, أو ابتعدنا عن هذه الآيات فلم ندعها تترك في نفوسنا الأثر المهم لها، هو أن نلمس أن القضية مهمة جداً وخطيرة جداً أن ننسب إلى الله ما لا يليق به في تشريعه، عندما نسينا هذا استسغنا عندما قالوا: هذا من دين الله، ورواه فلان عن فلان قال حدثني فلان أخبرني فلان قال قال رسول الله كذا كذا .. إلى آخره.. صدق رسول الله. واعتقدناها ومشينا عليها. يُكذب على النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) ويُفترى على الله سبحانه وتعالى.

فينبغي علينا أن نعود إلى هذه الآيات العظيمة نستلهم منها ما يحول بيننا وبين الوقوع في هذا الضلال الشديد {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} (الروم: 17-19)

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن تملأ قلوبهم مشاعر عظمته، ممن ينطلقون في تن‍زيهه وتسبيحه وتقديسه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

 

[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

ملزمة معرفة الله عظمة الله الدرس الثامن

‏ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي

بتاريخ: 26/1/2002م

اليمن – صعدة

قد يعجبك ايضا