كيف استعدت ايران لمواجهة الحروب الصهيو- أميركية؟

||صحافة||

في أي حساب أو مراجعة أو فرصة لإعادة ترتيب الإخوة والأعداء؛ تبرز فكرة العداء العربي الرسمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذا ليس إلّا مزيجًا من الغباء أو العناد والعمى، معًا. إذ إنّ إيران هي الدولة الوحيدة التي تفتح بوابة فسيحة وبرية للعالم العربي المحاصر بين المحيطات وبين مخالب الشيطان الأميركي، وهي أول من وضعت كامل إمكاناتها ومواردها ودعمها لقضية فلسطين، دون أن تنتظر سؤالًا أو طلبًا، ثم هي أقدمت على فعل أخطر؛ حين اشترت عداوة إمبراطورية الشر الأميركية بالكامل، ولم تفكر مرتين في تبعات دخولها إلى ساحة المواجهة المباشرة ضد واشنطن وقاعدتها العسكرية المتقدمة في فلسطين المحتلة.

هذا ما فعلته طهران منذ العام 1979 وإلى اليوم، فعلته بإيمان وإخلاص وتفانٍ وإيثار، ترك آثاره المذهلة على القضية، بينما لم تثقل هي أي طرف بوزن أو قيمة ما فعلته.

في هذا الوقت العصيب، وقت العواصف والضباب والدوي الهائل لطبول الحرب التي يلوح بها كيان العدو المأزوم، بالهجوم على إيران بعد ضربة “الوعد الصادق 2″، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، يجرّ التعنت الصهيوني المنطقة إلى أبواب الجحيم. في ظل هذه الأجواء المعبأة والعاصفة؛ كل الاحتمالات ممكنة، وأول الأخطار التي تخطر على العقل هي فتح قمقم الجحيم الذي لن يتوقف تأثيره بالطبع عند ميادين القتال أو خطوط الحدود السياسية. ونحن نتحدث عن عدو متغطرس مرّغ أنفه في غزة، ثم تكفل رجال الله، أبناء سماحة السيد حسن نصر الله بتمزيق ما تبقى من هيبته على جبهة الشمال.. العدو العاجز عن الدخول سنتيمترات إلى الجنوب يريد من مغامرة ضرب إيران هروبًا إلى الأمام، بحسب ما يعتقده، وكسرًا لما يتوهم أنه القلب النابض لجبهة المقاومة كلها.

إزاء هذا الوضع؛ تطرح أسئلة عدة عن مدى استعداد ايران للمواجهة عسكريًا وعن مدى تأثر اقتصادها بحرب شاملة، في ظل العقوبات المجرمة المستمرة منذ العام 1979، أو حدودها القصوى التي فرضت في عهد ترامب في العام 2018. لذلك من المنطقي أن يكون الحديث للخبراء، ثم للأرقام، ثم للتقارير الدولية شبه المحايدة، وكلها محاولات تتلمس في عتمة الغباء الرسمي بعضًا من أصحاب ضمير يقظ، أو تستلهم إشارات ترفض الخنوع للنظرة الغربية المسبقة.

 

فاروق: طهران ستتجاوز آثار أي ضربة

عن تأثر الافتصاد الإيراني في سيناريو جرّ العدو “الإسرائيلي” المنطقة إلى حرب شاملة، يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق، في مقابلة خاصة لموقع “العهد الإخباري”، إنه ممّا لا شك فيه أن دخول إيران إلى حرب إقليمية شاملة، تتورط فيها الولايات المتحدة والتحالف الغربي، سيؤدي إلى خسائر لطهران.. لكن منذ نجاح الثورة الإسلامية في العام 1979 ؛ تعلّمت إيران العيش تحت طبقات من العقوبات الدولية والحصار والضربات الاقتصادية، والمجتمع الإيراني اعتاد على التأقلم في ظل مناخ شديد العدائية والتحفز، ومع هذا فقد حقق تحت كل تلك الضغوط إنجازات يعزّ مثيلها على غيرها.

يضيف الدكتور فاروق أن الثورة الإيرانية نجحت في صياغة اقتصاد نجح في كثير من الجوانب، وخلال الحقبة الأخيرة تحديدًا، في مد سياق تحالفاته السياسية والاقتصادية خارج نطاق المنظومة الرأسمالية العالمية، عبر الاتفاقات الإستراتيجية مع الصين وروسيا، وانضمام طهران إلى تحالف “البريكس” و”شنغهاي”. وبذلك أصبحت “رئات” الاقتصاد الإيراني أكثر اتساعًا، وقدرتها على تحمل مثل هذه الصدمات أكبر من ذي قبل.

كما يؤكد الدكتور فاروق أن القدرات العسكرية الإيرانية قادرة على توجيه ضربات مؤلمة إلى الولايات المتحدة والكيان، خصوصًا في القواعد القريبة من إيران، فالقواعد العسكرية الأميركية في الدول العربية مثل “حصان طروادة”، وهي توفر فرصة لتوجيه ضربة شاملة لهيبة الولايات المتحدة ولأذرع سيطرتها على المنطقة، وهي في المجمل تستطيع تكبيد أي عدو لها ثمنًا باهظًا في اللمواجهة المباشرة.

ويشدد فاروق على أن إيران تستطيع التحمّل، مهما كانت خسائرها؛ لأن اقتصادها وبنيتها الاقتصادية والاجتماعية تستطيع أن تستوعب وتمتص أي ضربة عسكرية، والمواجهة مع الولايات المتحدة لم تكن فرضًا غائبًا في التخطيط الإيراني منذ اليوم الأول لثورتها.

 

“عبد الهادي”: اضمحلال القدرة الأميركية

في مقابلة خاصة لموقع “العهد الإخباري”، يقول الباحث في الاقتصاد السياسي الدكتور مجدي عبد الهادي إنه من غير المنطقي تجاهل الدوافع الحقيقية للعدوانية الأميركية ضد إيران. وهذا ينطبق على أي بلد، خصوصًا مع التحديات المنبثقة من الصراع الإستراتيجي الدائر من شرق العالم إلى غربه، والمتشابك مع تحولات جذرية تتراكم تدريجيًا في بنية الاقتصاد الدولي، ونية واشنطن التشبث بهيمنتها وسيطرة عملتها، مهما بلغت التكاليف ومهما بلغت خسائرها.

يضيف “عبد الهادي” أنه إذا كنا نتحدث عن قوة عسكرية متطورة تكنولوجيًا، وكبيرة نسبيًا، هنا سيكون الاشتباك المباشر معها مكلفًا لواشنطن، في مجال أبعد ممّا يمكن أن ترسمه الاحتمالات الأولية البسيطة لإمدادات النفط مثلًا، والدلالة الاستراتيجية تتجلّى هنا. وهي التحوّل البطيء في نقاط ارتكاز الاقتصاد العالمي، وصعود قوى جديدة بأوزان مؤثرة حقًا، تلغي تدريجيًا احتكار القوة والهيمنة الغربي المستمر منذ ثلاثة قرون، وبما يفتح الباب لعودة هذا الغرب لحجمه الطبيعي عالميًا.

 

أرقام عن الوضع الاقتصادي

ببساطة، ومنذ اللحظة الأولى، اتبّع المخططون الإيرانيون بناء القوة والاقتدار العسكري الى جانب فكرة صناعة “اقتصاد مقاوم”، ردًا على البلطجة والتسلط الأميركي، ورغبة منهم بالخروج من دائرة التأثر بالقرار الأميركي والسوق العالمية، لضمان تلبية احتياجات البلد تحت أي ظروف. وقد بلغت ايران بصناعاتها الذاتية تطورًا كبيرًا في مجال تطوير الاسلحة الدفاعية والهجومية، لا سيما الصاروخية منها والطائرات المسيرة، الى جانب اعتمادها فلسفة الاقتصاد المقاوم من خلال القيام بعملية تنمية اقتصادية/ اجتماعية شاملة، متمحورة في الذات، يحشد فيها الإيرانيون جلّ جهودهم لنقل الاعتماد الاقتصادي إلى قطاعات حقيقية، مثل الصناعة والزراعة. ولكي يمكننا الحكم بسلامة وضع الاقصاد الإيراني، اليوم، نعود إلى أحدث تقارير صندوق النقد الدولي وهو بعنوان “آفاق الاقتصاد العالمي”، والصادر مع نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي، والذي يشير الى تحقيق الاقتصاد الإيراني لمعدل نمو مرتفع بلغ 5% في العام الماضي 2023، ليستمر في طريقه الصحيح بعد نمو 4% في العام 2022ز ووفقًا لحسابات البنك الدولي؛ الناتج المحلي الإجمالي الإيراني وفقًا لتعادل القوة الشرائية –P.P.P- 1.5 تريليون دولار أميركي، بما يضعها في المركز الثامن عشر في أكبر اقتصادات العالم.

شرح وسرد كلّ أرقام الاقتصاد المقاوم في طهران يحتاج إلى كتب ومجلدات، لكنّ ضخامة الصناعات الوسيطة وحدها تعدّ دليلًا على قوة ايران وصلابة اقتصادها.. وتخبرنا أين تقف إيران اليوم بالضبط بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي. إذ تقول إحصائيات الاتحاد الدولي للصلب إنّ ايران تعدّ من بين أول 10 دول الأضخم إنتاجًا للصلب في العالم، وتشير إلى أنها رفعت معدلات إنتاجها من الصلب لتغطية احتياجاتها خلال العام 2023، وأن نسبة الزيادة 14.6%، بإنتاج يبلغ 14 مليون طن، وهو يمثل 58% من الصلب المنتج في غرب آسيا، متقدمةً بذلك عن الصين التي زاد إنتاجها بمعدل 5.6%.

كما أن الخطط الإيرانية تكشف عن نية الوصول إلى المركز الثالث عالميًا، بالإفادة من اتفاقيات التجارة التفضيلية التي وقعتها مع روسيا والصين في العامين الماضيين.. هذا فضلًا عن تحقيق إيران الاكتفاء الذاتي من الغذاء والصناعات الغذائية، ووصولها الى الاكتفاء الذاتي في قطاع الدواء بنسبة 97%.. بعدما كانت تستورد تحت حكم الشاه 3/4 الأدوية، ولا تملك أي شركات إنتاج أو بحوث كبيرة في هذا المجال.

أعوام مرّت منذ انسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من الاتفاق النووي، أعقب ذلك حرب تركيبية على إيران، ثم أتت جائحة كورونا، وبعدها تراجع أسعار النفط، ثم الحرب الروسية – الأوكرانية، وبينهما الأزمة المالية العالمية الناشئة، والمتعلقة بالتضخم وديون الاقتصاد الأميركي.. وفي ظل أسوأ الظروف والأحوال لم تسجل طهران على الإطلاق تراجعًا اقتصاديًا، فهي لم تركع للحروب بشتى أشكالها ولا للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها منذ العام 1979، ولن تركع لكل التهديدات والحروب التي يهددونها بها، فاقتدارها العسكري وصلابتها اليوم أشد من أي يوم مضى، وكفاءة اقتصادها المقاوم وبنيتها السياسية والاجتماعية كفيلة بتحوّل نيران أي حرب قادمة إلى هلام حارق يطال أيدي وأجساد الجميع، في المنطقة وخارجها.

 

العهد الاخباري: أحمد فؤاد

قد يعجبك ايضا