حزب الله.. من الإسناد والاستنزاف إلى إيلام العدو

|| صحافة ||

شكّل الخطاب الأخير لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم نقطة تحوّل مفصلية في المعركة، بعد عام على إعلان حزب الله فتح جبهة مواجهة على طول الحدود اللبنانية ضد العدو “الإسرائيلي” في اليوم الثاني لطوفان الأقصى. وإذا كانت هذه المواجهة قد بدأت بإسناد غزة ومقاومتها، وانتقلت لاحقًا إلى مرحلة استنزاف العدو “الإسرائيلي”، فإنها اليوم- ووفقًا لما اعلنه الشيخ نعيم قاسم- قد وصلت إلى مرحلة إيلام العدو بهدف كسر شوكته وإجباره على التسليم بالهزيمة بعد أن ظن أنّ سكرة النشوة بدأت تقود قادته نحو التفكير بتغيير المنطقة بأكملها استنادًا إلى عمليات القتل والتدمير الوحشية والإغتيالات الغادرة ..

 

ظروف إعلان المرحلة الجديدة وتوقيتها:

يمكن لنا إيجاز تلك الظروف والعوامل التي رافقت إعلان حزب الله نقل المعركة إلى مرحلة جديدة من الاشتباك بالآتي :

أولًا؛ تعنت الكيان “الإسرائيلي” ورفضه المطلق لوقف إطلاق النار، في كل من غزة ولبنان، مدفوعًا بغطاء ودعم أميركي مطلق ومفتوح.

ثانيًا؛ تبني نتنياهو وحكومته المجرمة لما يعرف بخطة الجنرالات التي وضعها جنرالات متقاعدون وحاليون في جيش الكيان “الإسرائيلي”، وتهدف لتفريغ شمال قطاع غزة من الفلسطينيين وتدميره بالكامل تمهيدًا لبناء المستوطنات فيه وضمه لاحقًاز ويجري تطبيق هذه الخطة عبر ارتكاب مجازر مروّعة، في كل من بيت لاهيا ومخيم جباليا، بالتزامن مع حصار مطبق وصمت وتخاذل العالم.

ثالثًا؛ التحرّك الأميركي المشبوه على صعيد الداخل اللبناني، سواء عبر الدفع بعملاء الداخل للتحرك ضد المقاومة أو من خلال محاولات الضغط السياسي لفرض شروط واشنطن و”تل أبيب” على لبنان والدعوات التي أطلقها المبعوث الاميركي هوكشتاين لتطبيق القرار 1559 إلى جانب القرار 1701.

رابعًا؛ تكثيف الكيان “الإسرائيلي” لعمليات القتل والتدمير وتوسيعه لرقعة الإعتداءات؛ لتشمل معظم الجغرافيا اللبنانية، بعد فشله في الإجتياح البري بفضل بسالة مجاهدي حزب الله، ونفاذ بنك الأهداف لديه، وفشل مخططه الذي كان يرمي لتفكك حزب الله وانهياره بعد اغتيال قادته.

خامسًا؛ التهديدات الأميركية “الإسرائيلية” بالعدوان على إيران والتنسيق عالي المستوى بين الجانبين في ذلك، وخاصة بعد أن اعلن بايدن علمه بطبيعة وكيفية وتوقيت العدوان “الإسرائيلي”.

سادسًا؛ إعلان الولايات المتحدة عن تزويد “إسرائيل” بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة “ثاد” الخاصة باعتراض الصواريخ البالستية التي باتت تشكل كابوسًا بالنسبة إلى الكيان “الإسرائيلي” بعد فشله في اعتراض تلك الصواريخ التي تستهدفه من إيران واليمن ولبنان.

 

إعلان المرحلة الجديدة:

في ظلّ هذه المعطيات السياسية والميدانية والظروف المحيطة؛ قررت قيادة حزب الله الانتقال إلى مرحلة جديدة من المواجهة، وأعلنت هذا التحول الاستراتيجي في المعركة من خلال المواقف التالية الصادرة عنها :

أولًا؛ المؤتمر الصحفي الذي عقده مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، والذي أكد فيه أن المقاومة بخير ومخزونها بخير، وأن استهداف “تل أبيب” لم يكن إلّا البداية.

ثانيًا؛ كلمة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم التي أعلن فيها، بوضوح، انتقال الحزب إلى مرحلة إيلام العدو، وواصقًا إياه بالوحش الهائج، ومتوعدًا بإعادته إلى الحظيرة.

ثالثًا؛ البيان الصادر عن غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بناء على تعليمات قيادة المقاومة، والذي تضمن الانتقال إلى مرحلة جديدة وتصاعديّة في المواجهة مع العدو “الإسرائيلي”؛ ستتحدث عنها مجريات وأحداث الأيام القادمة.

 

المؤشرات الميدانية الأولية للمرحلة الجديدة :

أولًا؛ استهداف هرتسليا في ضواحي “تل أبيب” للمرة الأولى بمسيرات انقضاضية؛ عجزت الدفاعات الجوية “الإسرائيلية” عن اعتراضها؛ حيث تبعد هرتسليا بضعة كيلومترات عن أهداف مهمة، بينها مطار “بن غوريون” في مدينة اللد ومقر وزارة الحرب ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية في “تل أبيب”. ونتج عن هذا الاستهداف انقطاع للتيار الكهربائي؛ فيما تكتم العدو “الإسرائيلي” عن نتائج هذا الاستهداف، خاصة وأنّ المسيّرة أصابت مبنى بعينه.

ثانيًا؛ عملية معسكر “بنيامينا”، وهي عملية نوعية ومركبة نفذها حزب الله بطائرة مسيّرة متطورة؛ استهدفت معسكرًا للواء غولاني في “بنيامينا” جنوب حيفا، وأدت لسقوط العشرات من جنود اللواء “الإسرائيلي” بين قتيل وجريح، في ظل فشل الدفاع الجوي “الإسرائيلي” في اعتراضها.

ثالثًا؛ استهداف مدينة حيفا بصواريخ نوعية تمكّنت من الوصول إلى أهدافها، من دون الكشف عن نوعية تلك الصواريخ ومواصفاتها.

رابعًا؛ استهداف منزل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” في قيسارية جنوب حيفا بطائرة مسيرّة انقضاضية، وإصابته بشكل مباشر في أثناء وجود رئيس حكومة العدو وعائلته داخل المنزل في ظل تكتم شديد من الكيان “الإسرائيلي” على نتائج هذه العملية.

 

أهداف المرحلة الجديدة:

أولًا؛ التأكيد أن المقاومة الإسلامية بخير؛ من حيث البنية والتسليح والمخزون، وأن لديها من القدرات ما يمكّنها من مواجهة العدو واستنزافه وتركيعه.

ثانيًا؛ التأكيد على معادلة الربط بين جبهة لبنان وجبهة غزة وقطع الطريق على المحاولات الأمريكية- “الإسرائيلية” للفصل بين الجبهتين في ظل ما يجري في شمال قطاع غزة من حرب إبادة و تدمير وحشي.

ثالثًا؛ قطع الطريق على واشنطن وعملائها في الداخل اللبناني ممن استعجلوا قطف الثمار السياسية للمعركة بعد موجة الاغتيالات الغادرة التي طالت قيادات المقاومة ظنًا منهم أن المقاومة باتت صعيفة.

رابعًا؛ إسقاط معادلة التفوق التكنولوجي والتقني التي ظن العدو أنها كفيلة بتحقيق النصر، وذلك من خلال قيام الحزب بالزج بأسلحة نوعية، سواء لجهة الرصد بواسطة مسيّرات “الهدهد” أم لجهة استخدام المسيّرات الانقضاضية المتطورة القادرة على الوصول لاهداف بعينها، أم لجهة استخدام الصواريخ النوعية القادرة على اختراق منظومات الدفاع الجوي “الإسرائيلية”.

خامسًا؛ تثبيت معادلات ميدانية جديدة بعد أن ظنّ العدو “الإسرائيلي” أن الحزب لم يعد قادرًا على فرضها قبل أن تنزل عليه مفاجآت الحزب كالصاعقة، وتهدده بجعل حيفا مثل كريات شمونه والمطلّة.

سادسًا ؛ تعزيز الانقسام في المجتمع “الإسرائيلي” بما يسهم في زيادة الضغط على نتنياهو لإجباره على وقف إطلاق النار وفقًا لشروط جبهة المقاومة، وخاصة بعد أن تبيّن للشارع “الإسرائيلي” عجز حكومته عن تحقيق أي من أهداف الحرب.

سابعًا؛ استعادة زمام المبادرة في الميدان؛ بما يسهم في تعزيز الموقف التفاوضي للمقاومة الفلسطينية وللمفاوض اللبناني ولموقف جبهة المقاومة كاملة.

 

النتائج الأولية للمرحلة الجديدة:

يمكن لنا رصد أهم النتائج الأولية لمرحلة الإيلام التي أطلقها حزب الله، والتي تعكس نجاحًا لحظيًا وتراكميًا للحزب ولمحور المقاومة على الصعيدين السياسي والعسكري وفقًا للآتي :

أولًا؛ على الصعيد السياسي اضطر الكيان “الإسرائيلي”، ومعه الولايات المتحدة، إلى تخفيض سقف أهدافهم ومخططاتهم، فبعد دعواتهم إلى الاستعداد لمرحلة ما بعد حزب الله، وحديثهم عن شرق أوسط جديد، عادوا للحديث عن تطبيق القرار 1701 وعن مطالبهم بعودة المستوطنين إلى مستوطنات الشمال شرطًا لوقف العدوان، وظهر ذلك جليًا من خلال الاتصالات السياسية المكثّفة التي أجراها المسؤولون الأميركيون والأوروبيون مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري على وجه التحديد.

ثانيًا؛ المأزق “الإسرائيلي” على الحدود اللبنانية في ظل الخسائر الفادحة في صفوف جيش العدو جراء الاشتباك البري مع مجاهدي المقاومة الإسلامية، والفشل الذريع في تحقيق أي تقدم بري.

ثالثًا؛ الارتباك والتأخر “الإسرائيلي” بالرد على الهجوم الصاروخي الإيراني، في ظل التطور النوعي في قدرات حزب الله، والذي شكّل عامل ردع وقوة إضافية إلى جانب التهديدات الإيرانية بالرد الفوري والحاسم على أي اعتداء.

رابعًا؛ سقوط المناورات السياسية والإعلامية الخادعة التي يتبعها الكيان “الإسرائيلي”، وخاصة ما يتعلق منها بالتكتم على نتائج عمليات حزب الله النوعية وتصليل الرأي العام “الإسرائيلي” بشأنها بعد أن أعلنت المقاومة أن لديها تسجيلات لكامل عملياتها، وستقوم بنشرها في الوقت المناسب. ولعل هذه النقطة بالتحديد هي ما دفعت نتنياهو للتراجع عن اتهام إيران بالوقوف خلف محاولة اغتياله في منزله بقيسارية ليعود ويتهمّ حزب الله بتنفيذ العملية خشية من أن يكشف “هدهد” المقاومة عن التفاصيل.

خامسًا؛ إن إدخال حيفا ومحيطها، وما تمثله من ثقل اقتصادي وتجاري وطاقوي وبشري وعسكري للكيان “الإسرائيلي” في معادلات الاستهداف اليومي والمباشر، كفيل بالتأثير الفعال على قرارات الكيان وكبح جماح جنونه ووحشيته؛ خاصة إذا علمنا أن خسائر الكيان من جراء هذه المعادلة الجديدة ووفقًا للإعلام الإسرائيلي قد وصلت إلى 150 مليون دولار يوميًا؛ علمًا أن منشآت الطاقة ومستوعبات “الأمونيا” والرصيف البحري في حيفا لم تدخل في بنك أهداف الحزب إلى اليوم.

في الختام، يمكن الجزم بأنّ حزب الله الذي قاد معركة الإسناد لغزة، وانتقل من بعدها لمعركة استنزاف العدو “الإسرائيلي”، وحقق نتائج عظيمة ومؤثرة على مسار المعركة سياسيًا وميدانيًا، يستطيع اليوم من خلال الانتقال إلى مرحلة إيلام العدو أن يراكم نتائج أكبر وأكثر فاعلية قادرة على حسم المعركة والدفع بالعدو “الإسرائيلي”، ومن خلفه حلفه الأمريكي إلى الرضوخ واستجداء وقف إطلاق النار؛ مهما بلغ التعنت والمكابرة بهذا العدو.

 

العهد الاخباري: حيان نيوف

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com