تبرأ فـي الدنيـا مـن المجرميـن قبـل أن يتبرأوا منك في الآخرة
موقع أنصار الله | من هدي القرآن |
تأتي الخصومـة هنـاك فـي يوم القيامة، أو في النار، فنرى بأن تلك الخصومة لا يحصل من ورائها شيء إيجابي بالنسبة لهؤلاء المتحسرين النادمين، أن يتحولوا إلى كتل من العداء والمباينة لأولئـك الذيـن كانوا في الدنيا كتلاً من الولاء والمعاونة لهم، لن تقبل هذه في الآخرة عند الله سبحانـه وتعالى، لن تقبل، لا قيمة لها. ألم يظهروا في حالة عداء لأعداء الله؟ وعداء من ذلك النوع الشديد، ذلك الذي لو حصل منه جزء في الدنيا هنا لنفعهم.
فيعرضه القرآن الكريم لنا بأن تلك الخصومة – أيضاً – ليست خصومـة بيـن أطـراف عنـد طـرف ثالـث هو سيقضي بشيء لهذا الطرف الذي اكتشف بأنه مظلوم، وأنه كان مخدوعاً، وأنه كان مغروراً. لا. {لِكُلٍّ ضِعْفٌ} (الأعراف: من الآية 38) {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (البقرة: من الآية 167).
تتظلم، مـا هـم هنا تظلموا؟ {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ} (فصلت: 29) {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} (الأعراف: من الآية 38)، أليس هذا تظلماً؟
لا يجابون إطلاقاً في تظلمهم، ولا يقدر لهم ذلك الموقف أنهم أصبحوا يكرهون ويبغضون ويباينون أعـداء الله هـؤلاء الكبـار الذيـن كانـوا فـي الدنيـا معهم، فقد تصححت وضعيتهم. لا. انتهى كل شيء، وما ذلك كله إلا نوع من العذاب النفسي لهم أيضاً، عذاب نفسي يعانون منه.
فقلنا: مـا هـو الموقف الصحيح من خلال ما نفهمه من مجموع هذه الآيات التي تتحدث عن مواقف خطيرة من هذا النوع؟ هو أنك وأنت هنا في الدنيا، ذلك الموقف الذي يمكن أن تقفه، وذلك الكلام الذي يمكـن أن تقولـه، وتلـك المباينـة، وذلـك العـداء، وذلك اللعن مكانه هنا في الدنيا حيث سينفعك، فقرين السوء ابتعد عنه، ولا تقل: [أنا فاهم وعارف لكل شيء، وليس باستطاعته أن يخدعني، وأنا عارف كيف هو وأنا واثق من نفسي] وعبارات من هذه. هذا غير صحيح.
أنت من حيث المبدأ لا يصح لك أن تجالسه وتصادقه، وتكون على علاقة مستمرة معه، وتنادمه فتسمع منه الباطل، وهو يحاول أن يخدعك ويضلك، فتحاول أن تسكت عنه! قد تحصل هذه تسكت عنه وتجامله ثم تقول أنت في الأخير أنك لن تتأثر، قد تتأثر، وحتى لو لم تتأثر فهذا موقف غير صحيح لا يجـوز لـك أن تقفه. إن كان سيقول كلاماً باطلاً هل أنت سترد عليه، وتوضح بطلان ما يقول؟ وإن كان سيقف موقفاً باطلاً هل أنت سترد عليه وتقول: لا، في هذا الموقف لن أكون معك؟
هل إذا كان سيبذل ماله في الصد عن سبيل الله هل أنت ستمنعه وتقول: لا، لن أقف معك، وسأقطع علاقتي معك؟ لا بأس إن كنت من هذا النوع، لكن مـا الذي سيحصل؟ مجاملات متبادلة، وسكوت عن باطل عن موقف باطل، عن قول باطل، عن بذل للقول وللمال وللنفس في مواقف وقضايا باطلة، وأنت تسكت وتحافظ على علاقتك معه.
إذاً أصبح الدين بكله لا يساوي علاقتك معه، أصبحت علاقتك بالله سبحانه وتعالى ليست بشيء في مقابل علاقتك مع هذا الشخص، أنت أصبحت في باطل، أنت يا من تقول: [بأن ما باستطاعته، أنا فاهم لكل شيء، ولن يستطيع أن يضلني]، هكذا قد ضللت، أصبحت في ضلال، وأصبحت علاقتك به أغلى من الدين كله، لأنـه إن كنـت متدينـاً فالديـن مواقف، فإذا لم يكن لك مواقف أمام باطل يصدر من صديقك فهذا يكشف بأنك لست ملتزماً.
لا يجوز لـك أن تجلس مع من يتكلمون بكلام باطل إلا إذا كان باستطاعتك أن تبين الحـق أو تخـرج، أمـا أن ترتبط بهم، وتحسّن علاقتك معهم وأنت تعرف توجهاتهم الخاطئة، مواقفهم الباطلة، فقد جعلتهم أخلاء، ستكون معهم يوم القيامـة، وفـي يـوم القيامة ستكون العداوة بينك وبينهم شديدة، وتتأسف وتندم على علاقتك التي كانت معهم في الدنيا، كيف أودت بك إلى هذا المصير المظلم.
تبرأ هنـا فـي الدنيـا مـن الكبـار المجرميـن قبـل أن يتبرأوا منك في الآخرة، العن المضلين وإن كان بينك وبينهـم آلاف السنيـن، الذيـن هـم سبـب لإضلالـك وإضلال الأمة التي أنت تعيش فيها، تبرأ منهم والعنهم، أظهر مباينتك لهم، لكل أولئك الأطراف، لكل تلك الأطراف التي قد تتبرأ منها، أو تلعنها، أو تتندم على علاقتك بها، وتتحسر يوم القيامة، هنا في الدنيا حيث سينفعك، أما في الآخرة فلن ينفعك.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
من ملزمة معرفة الله وعده ووعيده الدرس العاشر
ألقاها السيد/حسين بدرالدين الحوثي
بتاريخ: 29/1/2002م
اليمن – صعدة