حسابات النصر والهزيمة على بيدر الحرب “الإسرائيلية”

|| صحافة ||

هل بدأ العدو يلملم شتات جنوده ويعود القهقرى بفرقه العسكرية إلى قواعده المعطّلة بفعل ضربات المقاومة!؟ هل باشر بنيامين نتنياهو أولى خطوات نزوله عن الشجرة بعدما هشّم المقاومون جذورها وأوهنوها!؟ ماذا عن تباشير الانتصار بأبعاده العسكرية والسياسية ومفاعيله الداخلية والخارجية على مستوى إعادة تشكيل النظام اللبناني وتموضعه في خارطة التأثير الاقليمية والمحلية!؟ هل سيبقى لبنان على ارتباطه المباشر وغير المباشر بالقضية الفلسطينية وجبهة المقاومة وتاليًا بالقرار العربي المتشرذم على بيدر التطبيع مع الكيان الصهيوني والتبعية الأمريكية!؟

أسئلة كبيرة ومتشعبة الاتجاهات، وقد يبدو من المبكر الإجابة عنها في ظل استمرار الحرب “الإسرائيلية” على لبنان ولكن بالإمكان إجراء جردة أولية تتصل باحتساب النقاط التي شهدها الميدان في “حرب الوجود” أو “حرب القيامة” وفقًا لتعبير نتنياهو، ولنبدأ من الجانب “الإسرائيلي” الذي نجح بالفعل في تحقيق مجموعة من الأهداف أهمها:

  1. استهداف بعض القيادات العليا على مستوى القرار السياسي والتنظيمي؛ وأهمها استشهاد الأمين العام سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله ورئيس المجلس التنفيذي سماحة السيد هاشم صفي الدين.
  2. استهداف بعض القيادات العليا على مستوى القرار العسكري والأمني؛ وأهمها استشهاد السيد فؤاد شكر والحاج إبراهيم عقيل والحاج علي كركي، وعدد من قيادات الاختصاص العسكري والأمني ومسؤولي المحاور الميدانية.
  3. رسم شريط تدميري شامل للقرى على امتداد الحدود اللبنانية بعمق جغرافي؛ يظن العدو أنه ضرب من خلاله البنى التحتية للمقاومة وضمن عدم إمكان إعادة بنائها مجددًأ في أي مواجهة مستقبلية. وهو الشريط نفسه الذي يطالب نتنياهو أن يكون خاليًا من أي تواجد للمقاومة فيه.. ومهما استفحلت دائرة الدمار فستعود أجمل ممّا كانت.
  4. التسبب بمشكلة اجتماعية – اقتصادية لبيئة المقاومة أولًا وللبنان الدولة المتهالكة ثانيًا من خلال تهجير معظم سكان الجنوب، والرهان على تحوّل هذه الأزمة إلى فتيل شقاق داخلي، ولا سيما في البيئات التي لا تؤيد المقاومة.
  5. استهداف المناطق التي تعدّ خزان المقاومة وعرينها، مثل الضاحية الجنوبية والنبطية وبعلبك والهرمل، وتحويلها إلى أماكن غير مؤهلة للحياة وكأنها شريط مواجهة داخلي على غرار خط المواجهة على الحدود.
  6. توسيع دائرة الدمار إلى مدن رئيسة وقرى بعيدة عن خط الميدان واستهداف المؤسسات الرعائية والصحية والتنموية التي تسهم في دعم بيئة المقاومة خصوصًا، واللبنانية عمومًا سعيًا لدق أسفين بين المقاومة وهذه البيئات، والدفع إلى تصوير هذه المؤسسات وأي تكوين اجتماعي – خدماتي آخر على أنه مصنف ضمن الأهداف العسكرية.
  7. الإمعان في القصف والتدمير تنفيذًا لسياسة “الصدم والترويع” لترهيب أبناء بيئة المقاومة والبيئة اللبنانية عمومًا وإشعارهم بالخوف من مواجهة عدو متوحش يرتكب المجازر من دون تفريق بين عسكري أو مدني.
  8. السعي لاستثمار كل ما سبق، بالتزامن مع حملة دعائية – سياسية مركّزة من أبواق الإعلام اللبناني والعربي، لفرض اتفاق إذعان بسقوف مطالب مرتفعة بما يوحي وكأنّ الحرب قد انتهت بانتصار “إسرائيل” وانتقل الحديث إلى اليوم التالي للبنان ما بعد حزب الله.

يشبه هذا الواقع، في خلفياته وأهدافه وأطرافه المشاركة، ما سبقه من حروب جرت في أعوام ١٩٩٣ و١٩٩٦ و٢٠٠٦ مع اختلاف في مستوى وحجم العدوان وبعض الأسماء. ولكن للمقاومة كما في الحروب السابقة في مواجهة المشروع الأمريكي – “الإسرائيلي” كلمتها، ونجحت حتى الآن بإجهاض أهداف العدو كلها، وانتقلت إلى الفعل والمبادرة وحققت بدورها إنجازات كبيرة لها بعد استراتيجي لمرحلة ما بعد الانتصار، وأهمها:

  1. امتصاص صدمة استهداف القيادات في مستوياتهم التنظيمية والميدانية، وملء الفراغات التنظيمية في المستويات المختلفة التي تفترضها سيرورة العمل الحزبي التنظيمي والعسكري والسياسي، وسبق أن أعلن نائب الأمين العام سماحة الشيخ نعيم قاسم هذ الأمر وأثبتته الوقائع الميدانية.
  2. إعادة انتظام عمل المؤسسات الرعوية بانتشار الفرق العاملة، في هذا المجال، على أماكن نزوح وإيواء الصامدين من أهلنا ومتابعة شؤونهم، على الرغم مما يفرضه هذا الواجب من إمكانات مالية ومادية ضخمة وعمليات تنسيق معقدة ومتشعبة.
  3. إحباط أهداف العدوان في التأثير على قدرات المقاومة في استهداف المواقع العسكرية والمستوطنات الصهيونية في أي مكان على الخارطة الفلسطينية، فقد واصلت المقاومة بفعالية مدروسة وبآليات متدرجة وبخطة ممنهجة إطلاق صواريخها ومسيراتها، كمًّا ونوعًا، وصولًا إلى المراكز الحيوية في “تل أبيب” وغرفة نوم نتنياهو، حتى إن جلسات حكومته الحربية باتت تنعقد بعد ذلك في ملجأ تحت الأرض وغير معلومة المكان خوفًا من استهدافه بمسيّرات المقاومة.
  4. وسّعت المقاومة نطاق القصف؛ فأصبحت حيفا خط الاستهداف الأول بدلًا من المستوطنات الحدودية، ما يؤكد طول الأذرع العسكرية في ضرب أي هدف صهيوني داخل فلسطين، كما أكد مرارًا سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله.
  5. تحويل مستوطنات الشمال الفلسطيني إلى أماكن غير صالحة للحياة وتهجير الصهاينة إلى مناطق وسط فلسطين؛ ما انعكس أزمة داخلية في مجمعات العدو، بدأت تظهر مفاعيلها اجتماعيًا واقتصاديًا، خصوصًا مع تعطيل دورة الإنتاج بشكل شبه كامل في الشمال.. فإنهم يألمون كما تألمون.
  6. استنزاف القدرات العسكرية القتالية لجيش الاحتلال، على الرغم من استدعائه خمس فرق وألوية النخبة للقتال في الشمال، فكانت النتيجة بعد ما يقرب من شهر على إعلان “العملية البرية” تكبيد العدو عشرات القتلى ومئات الجرحى وتدمير عدد كبير من الدبابات والآليات من دون أن يتمكّن من تحقيق أي تقدّم؛ إلا في بعض الجيوب الفارغة.
  7. انهزام روح جنود العدو القتالية أمام بسالة مجاهدي المفاومة الإسلامية؛ ما دفع المئات منهم إلى التمرد ورفض الاستمرار في المشاركة بالحرب. هذا فضلًأ عن تخلف الآلاف عن تلبية الدعوة للالتحاق بالجيش، وصولًا إلى فرض انسحاب فرقتين من الحدود نتيجة الفشل في تحقيق اي إنجاز على أرض الميدان.

كلّ ما سبق؛ إلى جانب وفاء أهلنا الصامدين وتضحياتهم، من شأنه أن يؤشر لملامح مرحلة ما بعد الانتصار التي ستفرض فيها المقاومة موقفها الراسخ في الملفات الجوهرية في الشكل والمضمون، سواء على مستوى القضايا اللبنانية الداخلية أم القضايا الكبرى المتصلة بفلسطين المحتلة وجبهة المقاومة ومعادلة التحولات الاستراتيجية في المنطقة ككل.

بعد ذلك؛ سرعان ما ستنتقل الأزمة إلى داخل الكيان المؤقت مع انكشاف نتائج الهزيمة لتبدأ مرحلة التشققات البنيوية في منظومته السياسية والعسكرية.. ألا إنّ نصر الله قريب.

 

العهد الاخباري: محمد الحسيني

قد يعجبك ايضا