الجوف من “سلة مهملة” إلى “سهول ملهمة”: زراعة البرتقال نموذجٌ واعدٌ
موقع أنصار الله . تحقيق | يحيى الشامي – لطف معجير
مقدمة
يستعرض هذا التحقيق آفاق الزراعة في منطقة الجوف، بنظرة موضوعية، حيث يسلّط الضوء على نقطة مضيئة جديدة، تتمثل في تصدير كميات من البرتقال إلى الأسواق الخارجية، يستند التحقيق إلى بيانات رسمية دقيقة عن إنتاج البرتقال، ومساحات زراعته وتوسيعها، كما يستمع إلى آراء المزارعين وينقل شكاواهم. يتناول أيضًا التحديات التي تواجه عملية الإنتاج من الزراعة إلى التسويق، بالإضافة إلى المشاريع الموجهة لتطوير المنتج، وتحسين كفاءة الإنتاج، وضمان تسويقه، وذلك ضمن إطار مقارنة بين الواقع الحالي للإنتاج، ووعود المسؤولين، وطموحات الجهات الرسمية والمستثمرين.
لطالما كان حلم تصدير البرتقال إلى الأسواق الخارجية، يراود مزارعي محافظة الجوف على مدى عقود، والآن أصبح هذا الحلم واقعاً ملموساً، حيث جرى مؤخرًا شحن كمية من البرتقال تقدر بأطنان عدة إلى الميناء لتصديرها إلى الأسواق الدولية، في لحظة تاريخية فارقة بالنسبة لمزارعي البرتقال اليمني. فعلى مدار السنوات الماضية، كانت الأسواق المحلية السبيل الوحيد لبيع هذه الفاكهة، وخطوات التصدير الحالية ـ رغم محدوديتها ـ فتحت آمال المزارعين من جديد، وأتاحت أمامهم خيارات أوسع للتسويق، لاسيما مزارعي البرتقال، وفقاً لمصدر في وزارة الزراعة.
الجوف: سلة اكتفاء واعدة
تشتهر الجوف بزراعة الحمضيات، وخاصة البرتقال الذي يُعد من أفضل المنتجات جودة في المنطقة. تحتل المحافظة المرتبة الثانية بعد مأرب بمساحة زراعية تبلغ (1650) هكتارًا، مع إنتاج سنوي متوسط يصل إلى (23.636) طناً وفقاً لإحصاءات عام 2021. هذا العام ارتفع الإنتاج إلى (32.994) طناً، مسجلاً زيادة بنسبة 12% مقارنةً بالعام السابق. ووفقاً للمسؤولين، سيتم تصدير 10% من هذه الكمية إلى الخارج.
كما شهدت المساحات المزروعة بالبرتقال في الجوف زيادة ملحوظة هذا العام، حيث تمت إضافة حوالي (2.538 )هكتاراً، موزعة على عدة مديريات منها: (الزاهر، المتون، خب والشعف، المطمة، المصلوب، الغيل، الحزم، والسيل).
تحديات الإنتاج
رغم هذه الآمال المعقودة على زراعة البرتقال وتوسيع مساحاته، إلا أنها تواجه مجموعة من التحديات التي تحتاج إلى معالجة فعالة. تشمل هذه التحديات التقلبات المناخية التي تؤثر بشكل سلبي على جودة وكمية المحصول، إضافة إلى انتشار الأمراض الزراعية، والآفات التي تهدد الإنتاج، كما أن ضعف البنية التحتية (طرقات، وسائل نقل، وثلاجات) وغيرها من وسائل النقل والتخزين، جميعها تعاني من ضعف واضح يؤثر على عملية الانتاج، ويساهم في فقدان جزء كبير من المحصول، قبل الوصول إلى السوق، ومع ذلك، فإن الأمل لا يزال قائمًا في تحقيق تحسينات جوهرية في المشاريع المزمعة، والموعودة التي تطلقها وزارة الزراعة، والمؤسسات الرديفة، بما يضمن تحسين ظروف الزراعة، وتقوية عوامل ومحفزات الانتاج، وفق جهود مشتركة ومنسقة بين المؤسسات الحكومية، والمزارعين، ورجال الأعمال المستثمرين.
ليس البرتقال وحسب
أكد المسؤولون الزراعيون أن خطوة التصدير لن تقتصر على البرتقال فحسب، بل ستشمل مجموعة من المحاصيل الأخرى، ضمن خطة زراعية شاملة تهدف إلى توسيع المساحات الزراعية وزيادة الإنتاج.
تحظى زراعة الحبوب، وعلى رأسها القمح الجوفي، باهتمام كبير، نظراً لجودتها العالية، مقارنةً بالحبوب المنتجة في أقاليم زراعية أخرى. وأشار المسؤولون إلى أهمية الاستثمار في الزراعة عبر تقنيات الري الحديثة، ومكافحة آفات الأشجار والأوبئة، وأنظمة الطاقة الشمسية بهدف زيادة الإنتاج بما يغطي الطلب المحلي ويلبي حاجات التصدير الى الخارج، بالاستفادة من قدرة المنتجات اليمنية على المنافسة في الأسواق الإقليمية والدولية.
بدورهم، أعرب المزارعون في المحافظة عن ارتياحهم لهذه الخطوة، مطالبين الجهات المعنية بمزيد من الدعم وخطوات التسهيل على صعيد الزراعة أو التسويق. كما اشتكى البعض من بطء خطوات تنفيذ المشاريع الموعودة التي أطلقها المسؤولون.
قال أحد المزارعين من مديرية الزاهر: “لقد انتظرنا طويلاً هذه اللحظة (التصدير)، ونأمل أن تكون بداية لمرحلة جديدة من الإنتاج والتصدير.” وأضاف مزارع آخر من مديرية المتون: “التصدير سيفتح لنا آفاقاً جديدة، وسيمكننا من تحسين دخلنا واستثماره في تطوير مزارعنا، وأملنا الآن أن تسرع وزارة الزراعة والمؤسسات المعنية بتنفيذ المشاريع المعلقة.”
تعد خطوة تصدير البرتقال إلى خارج اليمن، خطوة مهمة نحو تحسين الاقتصاد، وتشجيع المزارعين، مع آمال بتصدير مزيد من الفواكه والخضروات في المستقبل، والأهم أنها تعكس إرادة حقيقية يمضي المسؤولون في تنفيذها وفق رؤية متزنة، تعنى أولاً بتحقيق الاكتفاء الذاتي من إنتاجات أساسية كالحبوب، والتي تستنزف موازنة البلد في استيراد كميات كبيرة، بينما تطمح الخطط الرسمية القريبة لردم هذه الهوة، وسد النقص، وتوفير الملايين من العملة الأجنبية.
ويقول مسؤولون جرى مهاتفتهم: “إن العمل جار بأولوية عالية، في إطار التوجه الحكومي لتحسين الزراعة في اليمن، وهي واحدة من أهداف ثورة 21 سبتمبر وأكثرها رسوخاً ووضوحاً”.
فرص حقيقية وإجراءات مستقبلية
تمثل هذه المبادرة فرصة حقيقية لتعزيز الإنتاج المحلي، وفتح أسواق جديدة للمزارعين، مما يسهم في تحسين مستوى المعيشة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاعتماد على الاستيراد العشوائي.
تزيد أهمية هذه الخطوة في توقيتها، حيث يحتاج الاقتصاد اليمني إلى تعزيز مصادر الدخل وتوفير فرص عمل، خاصة في ظل الحصار المستمر وتداعياته الكبيرة. ومع تزايد الطلب العالمي على الفواكه الطازجة، يمكن أن يصبح البرتقال الجوفي رمزاً للنجاح الزراعي، إلى جانب المنتجات الأخرى مثل البن، والرمان، والمانجو، والثوم، والكمون، والبطيخ.
في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أهمية المعارض الدولية التي تنظمها الجهات المعنية للترويج للمنتجات الزراعية اليمنية، مما يسهل على المزارعين الوصول إلى المشترين الدوليين وحتى المستثمرين.
آفاق المستقبل: بناء اقتصاد زراعي مستدام
علاوة على ذلك، يؤكد مسؤولو الزراعة في الجوف أن هناك خططًا لتدريب المزارعين على تقنيات الزراعة الحديثة، وطرق التعبئة والتغليف؛ لضمان جودة المنتجات عند وصولها إلى الأسواق الخارجية، وهو ما بدأ بالفعل مع الرمان.
ستساعد هذه البرامج التدريبية المزارعين في تحسين مهاراتهم، وزيادة إنتاجيتهم، لضمان منافسة قوية في الأسواق الدولية.
كما تركز الجهات المعنية على إقامة شراكات مع القطاع الخاص؛ لتوفير التمويل اللازم لمشاريع التوسع الزراعي، مما يعزز الإنتاج المحلي، ويساهم في الابتكار في القطاع الزراعي.
مع استمرار الجهود لتطوير الزراعة في الجوف وبقية المحافظات، يبقى الأمل معقوداً على أن تصبح اليمن مركزًا زراعيًا مرموقًا في المنطقة، وبما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة واستقرار المجتمع المحلي.
تأتي أهمية تصدير البرتقال كخطوة نحو تحقيق رؤية استراتيجية للتنمية الاقتصادية، حيث يعتمد نجاح هذه المبادرة على التعاون بين الحكومة والمزارعين والمستثمرين.
يعتبر المزارعون شركاء أساسيين في هذه العملية، حيث يحتاجون إلى الدعم الفني، والمالي، لضمان استدامة مشاريعهم، بينما تمثل الجهات الرسمية حلقة الوصل التسويقية بين المزارع والسوق.
في هذا السياق، تُعتبر الزراعة في الجوف فرصة لبناء مستقبل زراعي مستدام ومزدهر، مع الالتزام المستمر من جميع الأطراف، ويمكن أن تُفتح أبواب جديدة للتصدير، وتطوير المنتجات الزراعية؛ لتعزيز الاقتصاد الوطني وتحقيق الأمن الغذائي.
بالمجمل، إن تشجيع زراعة البرتقال وتصديره، يُعزز النمو الزراعي في اليمن، ويبث الأمل في النفوس، ويعزز من روح التعاون بين المزارعين والجهات المعنية، لتحقيق رؤية زراعية متكاملة ومستدامة.