قمة البنفسج .. الرياض لا تُظهر إلا الهوان

موقع أنصار الله . تقارير | علي الدرواني

اللون البنفسجي الذي ينتج عن مزجٍ متساوٍ من اللونين: الأحمر لونِ الدم، والأخضر لون العشب، ويرمز للاعتدال أو الأحلام كما يقال، أيضًا لوقوعه في مقابلة اللون الأخضر في الدائرة الحيوية، فإنه يعني الخروج من الخريف, ويرمز إلى الانتقال من الحياة إلى الموت، في مقابل الأخضر الذي يرمز إلى العكس، هذه الأخيرة لم تكن مقصودة، إلا أنها أكثر واقعية، في قمة لا تعبر إلا عن موت ضمير في أكبر منظمتين للعرب والمسلمين.

لم يكن اختيار اللون البنفسجي للسجاد في قاعة القمة الغير عادية بالرياض مجردًا من الدلالات المقصودة، والتأثيرات المتوخاة، نعم، فقد تحاشى منظمو القمة السجاد الأحمر الذي يذكرهم بلون الدم، ويدفع إلى اتخاذ مواقف متناسبة نوعًا ما مع موضوع تلك القمة،  وجاء اختيار البنفسجي ليضفي نوعًا من الهدوء، والتسامح السلبي الذي يشيعه هذا اللون حسب الأخصائيين.

موضوع القمة استكمالي:

يقول منظمو القمة والمتحدثون فيها: إنها جاءت من أجل استكمال ما بدأته مثيلتها السابقة في نفس اليوم من العام 2023، أي بعد أقل من شهر من طوفان الأقصى، وكانت تلك القمة قد قررت كسر الحصار عن غزة، وحتى الآن لم تفعل أي شيء لكسر الحصار، بل إن نتنياهو قد شدد من حصاره, ومنع كل شيء حتى الدواء والغذاء، وأصبح السكان في شمال غزة لا يجدون ما يأكلون أو يشربون، وتقول الإحصائيات: إن حجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع لا يتجاوز 30 شاحنة يومياً، وهو ما يمثل 6 بالمئة فقط من الاحتياجات اليومية للفلسطينيين، والتي يجب أن لا تقل عن 500 شاحنة يوميًا.

فإذا كانت القمة جاءت لاستكمال أختها السابقة، فهل نرى تضييقًا أكثر على المساعدات، بمعنى هل تمنح اليهود الضوء الأخضر لمزيد من الحصار، ومزيد من القتل والتوحش؟

كلمات القادة أسئلة تلاميذ الابتدائية:

من الطريف في القمة أننا سمعنا أسئلة من القادة العرب المعنيين بشكل أكبر من غيرهم عن غزة، وهم يتساءلون عن الصمت الدولي، ويدينون التفرج العالمي على غزة، ويؤكدون أن الصمت هو الذي يشجع الكيان على استمرار القتل الممنهج، تستمع اليهم، وتظن أنك تستمع إلى تلاميذ الابتدائية في أي مدرسة يمنية أو عربية، ومن نكد الدهر أن من ننتظر منهم الإجابات عن تلك الأسئلة الملحة يتشاركون معنا ذات الأسئلة، مكررين عبارات التنديد والمطالبة والشجب.

قمة الغياب:

نعم إنها قمة غياب العزة والكرامة والنخوة العربية، يكفي أن تعرف أن القمة انعقدت بعد استشهاد قادة المقاومة في لبنان وفلسطين، وكان حقهم على قادة الأمة أن يحصلوا على تعزية وتأبين ووقفة لقراءة الفاتحة على ارواحهم، لكن القمة وكلمات القادة لم تشر إليهم لا من قريب ولا من بعيد.

وعلى عكس التصريحات الغربية التي تتحدث عن غزة ولبنان، التي تؤكد دائمًا على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، فان العرب لم ينبسوا ببنت شفة عن حق الفلسطينيين او اللبنانيين في الدفاع عن أنفسهم.

في الوقت الذي تصرُّ واشنطن على دعم التوحش الإسرائيلي, فقد غاب عن القادة العرب والمسلمين إدانة واضحة للولايات المتحدة التي تمد الكيان بالأسلحة والذخائر الفتاكة لتقتل بها النساء والأطفال ، وتحرق خيام النازحين بأطنان من المتفجرات الأمريكية، والأدهى والأمرّ هو أن واشنطن حصلت على بعض الشكر على جهودها لوقف إطلاق النار إلى جانب مصر وقطر الذين يقودون ما يمسى بالوساطة بين المقاومة والكيان!!!

سراب حلِّ الدولتين:

رغم صدور قانون من الكنيست الإسرائيلي بمنع حل الدولتين، ورفض إقامة أي دولة فلسطينية، إلا أن القمة العربية أصرت على ما يسمى حل الدولتين، وقالت الرياض: إنها تعمل على حشد القوى الدولية لفرض هذا الحل، متناسية أيضًا أن هناك قرارًا دوليًا من مجلس الأمن بتقسيم فلسطين بين اليهود والفلسطينيين، بنسبة  %44   لفلسطين، و%54  للكيان، إلا أن هذا القرار قوبل بالرفض من كيان العدو المدعوم من الغرب بقيادة واشنطن ودعم لندن، واليوم يعيش الفلسطينيون على أقل من %15   فقط، في قطاع غزة والضفة الغربية، وفي غزة تم تهجير السكان من منازلهم ومدنهم وأصبحوا يعيشون فقط في %10   من القطاع المحاصر المعتدى عليه.

هذا يوضح صورة واقعية للتنازلات العربية أمام العدو الطامع، والذي لن يتوقف عند الدبلوماسية، فها هي اتفاقات أوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد، التي نجح العدو بتحييد أطرافها للاستفراد بغزة وأهلها في هذه الحرب الهمجية، وبكل فلسطين طول العقود الماضية.

لتضيف قمة الرياض البنفسجية بالأمس تنازلًا آخر، هو الانتظار حتى يتم التصفية، ولن تكون بإذن الله، ليبني بن سلمان التطبيع على أرض خالية من فكرة الدولة، وهي الأحلام التي لن تتحقق بعون الله.

 

علاقات عامة على حساب القضية:

 

إذا كانت هذه القمة بهذا الضعف والهوان، فلماذا انعقدت إذن؟ لم يستطع ممثلو ملياري مسلم في أنحاء الأرض، على قول كلمة: إما أن تعملوا كذا، وإلا فسنعمل كذا، مثلًا عندما تدعو القمة لحظر تسليح الكيان، فإنها لم تقدم أي خطة لفرض هذا القرار، وكان يفترض مثلًا: إما أن توقفوا إطلاق النار وتمنعوا تسليح الكيان، وإلا فسوف نتخذ إجراءات عقابية ضد كل من يستمر في إرسال الأسلحة بقطع العلاقات، أو المقاطعة الاقتصادية، وحظر النفط، وهي أسلحة قوية وفعالة وغير مكلفة، وليس لها تداعيات سلبية، وستؤتي ثمارها بشكل سريع، لا سيما إن كانت قرارات جماعية بشكل كامل.

عندما اكتفت القرارات بالمطالبة بالتنديد والاستنكار، فهي تضع الاجتماع في سياق حملة العلاقات العامة التي يسعى لها بن سلمان، وتقدم حالة الضعف في الأمة على طاولة البيت الابيض وساكنه القادم ترامب، وبهذا الشكل البائس الذي يفقد معه أي ميزة يمكن المساومة عليها لتحقيق حتى أي مكاسب شخصية في أقل تقدير.

مسؤولية مضاعفة على الرياض:

إن قدرة الرياض على جمع قادة العرب والمسلمين مرتين خلال عام واحد، يحملها مسؤولية مضاعفة أمام القضايا الرئيسية للأمة، على رأسها قضية فلسطين وحق شعبها في دولتهم المستقلة على كامل فلسطين التاريخية، وليس التنازل النظري عن حدود 67، فضلًا عن التنازل الواقعي عن كل فلسطين لصالح العدو المتوحش.

إن المسؤولية التاريخية التي تتحملها السعودية اليوم، لم تكن تتحملها في أي وقت مضى، وهذا يحتم على الرياض أن تغادر مربعات الخوف من واشنطن، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية وقضايا الأمة، لأن الموقع القيادي الذي تريد أن تتبوؤه يمنحها الكثير من الأدوات والصلاحيات الواسعة للقيام بأدوار أكبر، تنافس القوى العظمى، لو توفرت لها الإرادة المستقلة النابعة من المبادئ الإسلامية والقيم العربية الأصيلة، وإلا فإنها ستبوء بلعنات التاريخ والشعوب، ولعنة الله في الدنيا والآخرة، وستواجه مصيرًا سيئًا يتناسب مع التخاذل عن المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقها؛ بسبب ما منحها الله من مكانة مقدسة وموقع وثروات، يجب أن تكون في خدمة الأمة, وتُسخَّر لحماية قضاياها وشعوبها.

قد يعجبك ايضا